الفراولة
الفراولة


دلع الفراولة

آخر ساعة

الإثنين، 01 مارس 2021 - 06:19 م

علا نافع

"اتدلعت الفراولة على الفاكهة كلها.. حتى على الفكهانى شافت نفسها.. وماتدلعشى ليه وتسوق دلالها عليه، مادام عمال يداديها، وخايف من الإيد عليها".. لم تكن تلك الأغنية التراثية سوى تجسيد لمكانة الفراولة أو الذهب الأحمر فى القلوب، فهى فاكهة الرشاقة وهدايا العشاق لبعضهم البعض، ينتظرها الغنى والفقير على حد سواء كى يملأوا بطونهم ويشبعوا من حلاوتها.

يعشق الجميع الفراولة، ولا تخلو قواميس الغزل من اسمها كتعبير عن نضارة وحمرة الخدين، وتحتوى على الكثير من المعادن الغذائية الهامة، بل أكدت أبحاث طبية حديثة أنها تكافح سرطان الخلايا، ومن هنا أصبحت الفراولة ملكة الفواكه عن جدارة.
يبدأ موسم زراعة الفراولة فى أواخر شهر سبتمبر من كل عام، ويمتد حتى يناير ليبدأ موسم الحصاد، وعادة ما تحتاج إلى تربة رملية قوية إضافة لكميات قليلة من المياه، ولعل هذا ما جعلها المحصول الأمثل فى الأراضى المستصلحة، ولكن تظل محافظة القليوبية المنشأ الأصيل لشتلاتها فى مصر وتحديداً قرى الدير وعرب الغديرى، التى لا يعرف أهلها إلا زراعة الفراولة، يعيشون على رعايتها وجمع ثمارها، فقد ورثوا حبها عن آبائهم وأجدادهم، عندما استقدم المهندس الراحل حسن فج النور من الخارج أول شتلة فراولة بلدى ليزرعها أبناء قريته، لتصبح فيما بعد محصولهم الرئيسى ووش الخير عليهم، ولم يكتفوا بالأصناف التقليدية بل اختاروا أصنافاً أخرى مثل «الفاسيتيفال والصن شاين والفورتونا» ليغزوا بها الأسواق العالمية، فمذاق ورائحة الفراولة المصرية تختلف عن الأوربية والأمريكية.
«آخرساعة» زارت قرية عرب الغديرى لمتابعة انطلاق ماراثون حصاد الفراولة، والتعرف عن قرب إلى طقوس جنى الذهب الأحمر، وكيف باتت الفاكهة الأقرب لقلوبهم وبطونهم.
فور مرورك بمعظم قرى مركز شبين القناطر تخطف أنظارك مزارع الفراولة، وتقتحم أنفك رائحتها المميزة.. عربات متواضعة تنقل أقفاصها فلا تتوقف عن المسير نهاراً أو حتى فى ساعات الليل، فموسم الجمع دق الأبواب وحول البلاد الصغيرة إلى خلايا نحل، وفى قرية عرب الغديرى يعمل النساء والرجال جنبا إلى جنب، يخرجون منذ شروق الشمس حتى فترة الظهيرة لجمع المحصول، يتسابقون فى قطفها ورص حباتها اللامعة داخل الأقفاص البلاستيكية تمهيدا لتوريدها إلى التجار أو المصانع الكبرى.
يحلم الأهالى بأن تنشئ لهم الدولة مصنعا كبيرا لتخزين الفراولة بدلاً من توريدها بأبخس الأثمان، ما يعرضهم لخسارة كبرى، ويخافون من تساقط الأمطار والرياح الشديدة، فبسقوطها يتلف المحصول وتنهار جودة التربة. وعادة ما ينتج الفدان الواحد 25 طناً حسب جودة الأرض الزراعية ومدى الاهتمام بالمحصول.
ورغم أن الفراولة هى المحصول الأساسى فى مثل هذه القرى، فإن الجمعية الزراعية لا تقدم دعما لمزارعيها، ما يضطرهم لشراء الأسمدة والمبيدات بأسعار مضاعفة من السوق السوداء، عن علاجهم الدائم للتربة عبر إضافة كميات من الرمال لامتصاص المياه الجوفية الزائدة التى قد تضر بالمحصول.
وعموماً لم تتأثر صادراتهم بجائحة كورونا، لكن تضرر الإنتاج المحلى بنسبة ملحوظة خاصة فى بداية انتشار الموجة الأولى للفيروس، فما كان من المزارعين إلا أن استخدموا صفحات التواصل الاجتماعى لتسويق منتجهم وكسب زبائن جُدد.
يقول محمود عبده (مزارع): «تشتهر القرية بزراعة الفراولة منذ أكثر من خمسين عاماً، فمنذ تفتحت أعيننا على الحياة وجدنا آباءنا وأجدادنا يعملون فى زراعتها، وكانت شتلات الفراولة البلدى الأكثر انتشاراً، لكنها انقرضت وحلت محلها أنواع أخرى مثل (الفيستيفال) وتتميز بكبر حجمها وحلاوتها المعتدلة وهى مخصصة للاستهلاك المحلى، حيث تدخل فى صناعة العصائر والمربات، أما (الفورتونا) و(الشليدر) فهما للتصدير، إذ يمتازان باللون الأحمر الفاتح وزيادة نسبة الحلاوة، فضلا عن شكلهما المخروطي، وهناك أنواع أخرى مثل (المنتخب) و(الكارموزا)».
يتابع: «يبدأ موسم الزراعة فى أواخر سبتمبر وحتى يناير، يعقبه موسم الجمع الذى يمتد حتى مايو، ونقوم بتسوية الأرض وتسميدها تمهيداً للموسم الجديد ونعتمد على الشتلات الأمريكية التى نجلبها خصيصاً من ولاية فلوريدا، وتشتهر بإنتاجيتها العالية، كما نرش الأرض ونرويها بالتنقيط، ويبدأ العمل فى موسم الحصاد منذ الصباح الباكر وحتى الظهيرة، وهناك عمالة أخرى تباشر العمل وقت العصارى وحتى غروب الشمس، لتتحول القرية إلى ما يشبه خلية النحل».
وعن مراحل العمل يقول: «يتم قطف الثمار الناضجة وتعبئتها داخل أقفاص بلاستيكية، وهناك من يقوم بتنظيف التربة وإزالة الحشائش الضارة والأوراق التالفة التى قد تصيب السيقان بالعفن وتميت الأوراق»، مشيراً إلى أن الفراولة محصول مكلف ويمكن أن يتلف إذا ما أصيب بالبرودة أو طاولته الأمطار والشبورة المائية، لذا تُجمع مرة واحدة أسبوعياً بدلا من مرتين أو ثلاثة، وهناك مرحلة التغليف لتوريدها للفنادق والمصانع، ويباع الكيلو الواحد مقابل 8 جنيهات وهو ربح بسيط لا يغطى تكلفة الإنتاج العالية».
أما سعيد زين فيقول: «يعد موسم الحصاد بالنسبة إلينا عيداً، فكل أسرة تخرج بأكملها للعمل سواء فى التعبئة أو التغليف على مدار 12 ساعة يوميا، فالفدان الواحد تتراوح إنتاجيته بين 20 و25 طناً، ويبلغ سعر قيراط الشتلات 10 آلاف جنيه، ناهيك بـ(يومية) العامل وهى ما بين 70 و100 جنيهاً، ويعمل فى المزارع الرجال والنساء على حد سواء»، مؤكداً أن «الفراولة المخصصة للتصدير تحتاج اهتماماً خاصاً وشروطاً صحية مثل عدم وجود مبيدات أو أسمدة ضارة بالصحة وبالطبع يكلفنا ذلك الكثير».
ويوضح: «للفراولة كثير من الفوائد الصحية، فهى علاج لضغط الدم المرتفع وآلام المعدة، وتحارب آلام القدمين وخشونة المفاصل، وتساعد على ترطيب الجلد والحفاظ على البشرة نضِرة».
وعلى مقربة منه انهمكت سيداتٌ فى جمع الفراولة وتنظيفها من الشوائب.. يتجاذبن أطراف الحديث ولا يتوقفن عن إطلاق النكات كى تهون عليهن مشاق العمل، يلتقطن الحبات بعناية كأنها كنز ثمين، وينتظرن انتهاء يوم العمل حتى يعُدن لبيوتهن قانعات بالرزق الوفير، فمعظمهن يسكن قرى مجاورة، ولا يعرفن عملاً غير جمع «فاكهة الحب» كما يسمونها.
تقول أم رحيم: «نعمل فى جمع الفراولة منذ نعومة أظافرنا، فقريتنا والقرى المجاورة تشتهر بزراعتها لتربتها الرملية وما تحققه الفراولة لنا من رزق وفير، وعموماً نقسِّم العمل بيننا، فالبعض يعمل فى تنظيف التربة من الحشائش والأوراق الذابلة وأخريات يعملن فى الجمع أو التعبئة».
أما أم سيف فتقول: «فراولة القليوبية من أجود الأنواع، حيث تُصدَّر للخارج، خاصة أوروبا والدول العربية، نظراً لمذاقها الحلو وحجمها المثالى، وهى فاكهتنا المفضلة نتناول منها ما نشاء لفائدتها الكبيرة حيث تعالج أمراض القولون والجهاز الهضمى كما تساعد فى فقدان الوزن الزائد، وهذا سبب رشاقة أغلب أهالى القرية».
وعلى جانب آخر، يقول سيد أبو جمعة، رئيس مجلس إدارة جمعية الفراولة بالقليوبية: «تبلغ مساحة الأرض المزروعة بالفراولة فى المحافظة أكثر من 50 ألف فدان، ويتم زراعة الكثير من السلالات سواء للإنتاج المحلى أو للتصدير، ولكن هناك بعض المشكلات التى تواجهنا أهمها انخفاض نسب التصدير بسبب فيروس كورونا، وكذلك سوء الأحوال الجوية الذى دمر العديد من الفدادين»، مؤكداً أن جمعيته تقدم الدعم للمزارعين من أسمدة وشتلات بأسعار مناسبة مطالباً الدولة بإنشاء مصنع يخدم القرى المنتجة، بدلاً من مصانع المدن الجديدة.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة