سعيد الخولى
سعيد الخولى


يوميات الأخبار

زواج ابنة الأشراف الذى أشعل مصر!

سعيد الخولي

الأحد، 14 مارس 2021 - 08:33 م

..ورد محامى على يوسف بأن جميع حضرات القضاة مشتركون فى "المؤيد" وغيرها من الصحف، فلو صح أنها حرفة دنيئة وأن كسبها حرام لأصبح جميع حضرات القضاة من الآثمين!.

 

80عاما هو عمر مهنة البحث عن المتاعب وكأنها تردد مقولة زهير بن أبى سلمى : ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم..

1941 بالنسبة للصحافة كان نهاية مشوار شاق من البحث عن كيان رسمى يحميها،لكن مهنة الصحافة ذاتها شهدت أسخن فصول البحث عن الذات بداية من العام ١٩٠٤ الذى شهد قضية زواج، شقت صفوف المجتمع بكل فئاته،خاصة المثقفين والسياسيين.

هى قصة زواج الشيخ على يوسف الذى ترك قريته بالصعيد ويمم شطر القاهرة للدراسة بالأزهر الشريف وعمل فى "دار المؤيد" كبرى الصحف اليومية فى ذلك الوقت.

وبعد زيجة متواضعة كانت تناسب فقره مع مجيئه للقاهرة، دفعه التمرد على أيام الفقر للطموح إلى زيجة من علية القوم تناسب وضعيته الجديدة.وقادته حاسة التطلع إلى بيت "السادات" الذى ينتسب إلى الأشراف، واختار "صفية" الجميلة البيضاء البدينة − وقد كانت البدانة من مقاييس جمال ذلك الزمان − وبعد لأْى رضى أبوها استجابة لتوسطات عديدة،لكنه تراجع قليلا وهو يضيع الوقت دون إتمام الزيجة بحجج واهية مختلقة، وظل هكذا حوالى ٤ سنوات والشيخ على يوسف يكاد يخنقه الغيظ،لكنه كان مصمما على إتمام الزفاف ولم يجد سوى المكر للفوز بعروسه، واستغل ذات يوم خرجت فيه "صفية" مع بعض أهلها فى زيارة بريئة إلى منزل السيد البكرى فى الخرنقش، وهناك نفذ الشيخ على يوسف ما خفى من خطته، حيث كان يوسف قد سبقها إلى ذلك المنزل ومعه المأذون،وهكذا وضع نسيبه السادات فى مأزق الأمر الواقع بنشر خبر الزواج فى "المقطم" التى تربطها خصومة بـ "المؤيد" وفقد الرجل أعصابه وعقله أمام زواج بنته رغمًا عنه!

وهكذا لم يسكت السادات فرفع دعوى أمام المحكمة الشرعية يطلب بطلان الزواج استنادًا إلى أحكام الشريعة التى تشترط لصحة الزواج تكافؤ الزوجين مالاً ونسبًا وعلمًا وحرفة وأحيلت القضية لمحكمة كان قاضيها الشيخ أبو خطوة

وتحددت الجلسة فى يوم ٢٥يوليو1904 وانقسم الرأى العام لفريقين أحدهما مع على يوسف والآخر ضده وهو الفريق الأكبر.

عقد زواج جديد

وكتب على يوسف فى الصفحة الأولى من جريدته يفند الاتهامات وحكم أبو خطوة بتسليم صفية لأبيها ووافق على يوسف ورفضت صفية خوفًا من العقاب، فاهتدي على يوسف إلى حل،يوفق بين قرار المحكمة وإصرار زوجته، وهو أن تذهب إلي بيت "محايد" ومؤتمن، وخيّرها بين بيت القاضى "أبو خطوة" أو مفتى الديار الشيخ النواوى أو بيت عالم معروف وهو الشيخ الرافعى وهذا هو ما اختارته صفية، وفى الجلسة الثانية أعلن أبو خطوة تنحيه عن القضية وكل القضايا حتي يتم تنفيذ الحكم الذى حكم به وهو أن تعود صفية لبيت أبيها، ولكنها رفضت رغم محاولات إقناع زوجها لها وضاق الخديو عباس بهذه المحنة التى تواجه صديقه وتوالت الاجتماعات فى وزارة الحقانية "العدل"، بين الوزير وكبار رجال القضاء الشرعى إلى أن عدل أبو خطوة عن إضرابه وإذا بأبى خطوة يحكم بفسخ عقد الزواج والتفريق بين الزوجين.

وبعد تدخل أطراف لا عدد لهم فى القضية وبعدما شعر السادات بأنه استرد كرامته بهذا الطلاق.. إذا به يرضى بزواج ابنته لعلى يوسف بعقد زواج جديد.

ويسجل الكاتب الصحفى الكبير الراحل أحمد بهاء الدين فى كتابه "أيام لها تاريخ" تفاصيل قضية القرن:

تحرج الموقف جدا.. وتوقف العمل فى الإدارة الحكومية وكلها تبحث عن حل:

فالقاضى مضرب عن العمل بتاتا حتى تذهب قوة مسلحة تنتزع صفية السادات قسرا وتحملها إلى بيت أبيها.. والخديو عباس ـ صديق على يوسف − ضائق بهذه المحنة التى وقع فيها صاحبه.. وحاولت نظارة الحقانية احتواء الموقف، فعقد اجتماع بين وكيلها وبين الشيخ محمد بخيت أحد أعضاء المحكمة العليا والشيخ أبوخطوة، وتم الاتفاق علي تنفيذ القرار مفسرا من قبل المحكمة بجواز وضع صفية السادات عند أمين مأمون بخلاف والدها.

وأخيرا عقدت الجلسة التى ينتظرها الجميع بعد الاتفاق بين القاضي والنظارة.. وكان على السادات أن يثبت أولا كى يكسب القضية − أن نسب علي يوسف أقل من نسبه − وأن يثبت ثانيا أن حرفته غير شريفة!

وجاء محامى السادات بشهود آخرين من مسقط رأس الشيخ على يوسف، ويؤكدون أن أسرة على يوسف فقيرة وأن أباه لا يملك شيئا! بل إن أحد الشهود تطوع قائلا إنه أدرك أن أصل على يوسف وضيع، وأنه رآه يوما يقف فى إحدى المطابع مصححا ديوانا من الشعر من تأليفه.. إذ لا يفعل ذلك ـ وقتها ـ إلا عديمو الأصل!!

أما دفاع على يوسف فقد عمد أولا إلى التشكيك فى نسب السادات إلى الأشراف طبقا لما أورده الجبرتى، بينما على يوسف شريف علوى ينتهى نسبه إلى أبي عبدالله الحسين.

وبينما كان دفاع السادات قد ذكر أن الشيخ على يوسف يحترف حرفة حقيرة هي الصحافة التى تقوم على الجاسوسية والإشاعة وكشف الأسرار المنهى عنها شرعا، عمد محامى على يوسف إلى الرد أن جميع حضرات القضاة مشتركون فى

المؤيد وغيرها من الصحف، فلو صح أنها حرفة دنيئة وأن كسبها حرام لأصبح جميع حضرات القضاة من الآثمين!.

نقابة البحث عن المتاعب

نقابة البحث عن المتاعب وكان لابد أن تكون نقابة الصحفيين هى الكيان الذى يصحح صورة المهنة ويقدمها للمجتمع باعتبارها المعبرة عنه الحامية لرأيه،..وكان ميلادها جديرا بالتسجيل لتحويلها من فكرة إلى واقع؛جاءت النقابة نتاج نضال عدد من الرواد الأوائل المؤسسين لمهنة الصحافة، حيث شكلوا أول نقابة تحت التأسيس فى العام 1912، ضمت عددًا من أصحاب الصحف القومية.

وفى العام 1924، صعّد الصحفيون المصريون مطالبهم، وتقدم ثلاثة منهم وهم:

أمين الرافعى ومحمد حافظ عوض وليون كاسترو، بطلب إلى رئيس الوزراء حينذاك لإصدار قانون لإنشاء نقابة للصحفيين، وقد دعا الصحفيون الخمسة جميع المشتغلين بالمهنة إلى سلسلة من الاجتماعات لإعداد مشروع النقابة التى

أعلنوا قيامها فى نفس العام، قبل أن يصدر فى العام 1936 مرسوم باعتماد نظام "جمعية الصحافة"، فى عهد وزارة على ماهر، لكن عدم اعتماد البرلمان لهذا المشروع، حال دون اكتمال الفكرة ودخولها حيز التنفيذ.

تقدم رئيس الوزراء على ماهر فى 27 نوفمبر من العام 1939 بمشروع قانون لإنشاء نقابة للصحفيين إلى مجلس النواب المصري، قبل أن يقر مجلس النواب مشروع القانون فى العام 1941 بعد عامين من الجدل.

وفور صدور القانون تم تعيين أول مجلس مكون من 12 عضوا، ستة يمثلون أصحاب الصحف وستة من المحررين، وكان من أصحاب الصحف محمود أبوالفتح باشا الذي اختاره المجلس نقيبا، وجبرائيل بشارة تكلا باشا وفارس نمر باشا وعبد القادر حمزة باشا ومحمد التابعى باشا وإدجار جلاد باشا، .

العضوية كالجنسية

هكذا كانت البداية لنقابة الدفاع عن الرأى الأولى فى مصر والأقوى فى المنطقة العربية،والتى وقفت تتلقى بصدرها طلقات حاولت النيل من حرية الصحافة على مدار ثلاثة أرباع القرن؛ ففى عام 1980خاضت النقابة والنقيب كامل زهيرى واحدة من أشرس المعارك وهى معركة رفض التطبيع عندما اشتدت المعارضة ضد الرئيس الراحل، أنور السادات بعد زيارة إسرائيل وإلقاء خطاب فى الكنيست وانتهاء بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.فبدأ الصحفيون حملة انتقاد نهج وسياسات السادات، أثارت غضبه، وسخر من لقاءات ومناقشات الصحفيين التي كانت تمتلئ بها حديقة النقابة فى المبنى القديم، ووصفهم بأنهم أعضاء "حزب الحديقة".

بعدها، اتخذ السادات قرارا بتحويل النقابة إلى "نادى الصحفيين"، فقاد كامل زهيرى، نقيب الصحفيين فى هذا الوقت حملة معارضة لقرار السادات، رافعا شعار "العضوية كالجنسية" وفى مارس سنة 1980 صدقت الجمعية العمومية

للصحفيين على هذا القرار وكانت أول نقابة مهنية تتخذ هذا الموقف.

كما كانت معركة قانون 93، هى أشرس وأبرز معارك نقابة الصحفيين دفاعا عن حرية الرأى،حيث امتدت لأكثر من عام ظلت خلاله الجمعية العمومية غير العادية التى انعقدت فى العاشر من يونيو 1995 فى حالة انعقاد مستمر لمواجهة القانون 93 الذى وضع قيودًا غير مسبوقة على الحريات الصحفية واشتهر بـ"قانون حماية الفساد".

كان ذلك القانون يحتوى على "تغليظ العقوبات فى جرائم النشر− إلغاء ضمانة عدم الحبس الاحتياطى للصحفيين فى جرائم النشر"،ووقتها تمت دعوة أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية لمجلس الشعب بشكل عاجل يوم 27 مايو سنة 1995 ودون إخطارهم بطبيعة المشروع الذى سيعرض عليهم وتم عرضه عليهم ومن ثم على المجلس وإقراره خلال ساعات.وبالفعل تم تمرير المشروع خلال ساعات قليلة ووقعه رئيس الجمهورية فى الليلة نفسها 27 مايو 1995 ونشر فى الجريدة الرسمية تحت رقم 93 لسنة 1995.

فقرر أعضاء مجلس النقابة عقد اجتماع طارئ يوم 29 مايو سنة 1995، وقرروا الدعوة لجمعية عمومية طارئة فى 10 يونيو، يسبقها مؤتمر عام فى الأول من يونيو وحضره أكثر من 1500 صحفى..وفى 28 مايو من نفس العام أصدر مجلس النقابة بيانًا أعلن فيه الرفض القاطع لهذا القانون. وعلى مدى أكثر من عام ظلت الجمعية فى حالة انعقاد مستمر برئاسة النقيب إبراهيم نافع حتى انتصرت وأسقطت القانون.

ومابين امتهان المشتغلين بالصحافة الورقية عام 1904 ومعاناة مهنة الصحافة أمام تحديات العصر تتكرر المخاوف على الصحافة الورقية كما حدث مع الخوف على الكتب بعد ظهور الراديو،ثم الخوف على الراديو مع انطلاق التليفزيون فالخوف على القراءة منهما معا،فالخوف على الراديو والتليفزيون من الفضائيات، وأخيرا الخوف على الصحافة المطبوعة من المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى.

لكن الكتاب صمد فى وجود الراديو الذى استمر رغم ظهور التليفزيون،الذى بدوره لم يتوقف رغم الانترنت والمحمول،مع الاعتراض على أسلوب محاولة الصمود،وهو ما ينطبق على الصحافة الورقية التى تستطيع الصمود والاستمرار شريطة أن تجيب عن السؤال الصعب:ماذا تقدم للقارئ حتى يسعى للحصول على نسخة ورقية؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة