الأمهات وجدن الأهل والصحبة داخل الدار
الأمهات وجدن الأهل والصحبة داخل الدار


يبحثن عن الأمان والونس

حكايات الأمهات المنسيات

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 18 مارس 2021 - 02:20 م

كتب: آية فؤاد        تصوير: سامح مسلم

يحتفل العالم فى يوم 21 مارس من كل عام بعيد الأم، الذى يعلن عنه بالورود والهدايا وتسيطر عليه مشاعر الحب والتكريم والاعتراف بالجميل، لكن وسط هذه الأجواء تستقبل الأمهات النزيلات فى دور المسنين هذا اليوم بمشاعر مختلطة يسيطر عليها الشوق والحنين، فقد أصبحن منفردات يعيشن داخل دور رعاية المسنين، بعيدا عن أولادهن وتفصلهن عنهم المسافات ومشاغل الحياة.

داخل دار الخدمات المتكاملة للمسنين، وعلى صوت فيروز جلست المسنات تتبادلن الأحاديث والضحكات بساحة الاجتماعات الملحقة بالدار، والتى تتصدرها مكتبة صغيرة تضم كتباً فى كافة المجالات لإرضاء جميع الأذواق، وبجانبها ممر طويل يحتوى على 12 غرفة، وهو نفس عدد المسنات بالدار اللواتى التقتهن "آخر ساعة" وتحدثت مع عدد منهن وأكدن أنه بعد الستين تواجه الأم تحديات جديدة، حيث تجد نفسها فى خريف العمر خارج منزلها بمفردها تنتظر لتحظى بزيارة أو مكالمة من أبنائها أو أحفادها، لكن فى الوقت ذاته هن سعيدات بما تقدمه الدار لهن من خدمات ويشعرن بالراحة التى هن فى أمس الحاجة إليها بعد بلوغهن الكِبَر.

البداية كانت مع سعاد أبوزيد من القاهرة، والتى أصبح الدار وساكنوه أهلها وذويها منذ أن خطت قدمها الدار قبل 8 سنوات، فكانت الدار عوضا لها عن الوحدة وليالى الخوف والقلق. تقول لـ"آخرساعة؛" عندما تزوجت آخر بناتى شعرت بالوحدة، وانتابتنى حالة نفسية فأصبحت أخشى من كل الذين يترددون على المنزل ممن يقضون متطلباتى اليومية، وأشعر أنهم يريدون إيذائي، وكنت أتخيل أشخاصاً يجلسون ويتحدثون معي، رغم أن لديّ أربع فتيات، ولكن بعد زواجهن ألهتهن مشاغل الحياة، وفضلن السفر والاستقرار مع أسر أزواجهن خارج مصر، لأجد نفسى فجأة فى شقتى الكبيرة التى تتكون من خمس غرف، ولكن جميعها أصبح فارغاً والعيش فيها بمفردى أضحى مستحيلاً بالنسبة إليّ فقررت بيعها، ولم أفكر أين سأعيش بعد ذلك، كل ما كان يشغلنى هو التخلص من مخاوفى ووحدتي.

اغرورقت عيناها بالدموع، قبل أن تواصل حديثها وتقول: "أقمتُ لفترة مع ابنتى الوحيدة التى تزوجت وظلت بمصر، لكننا لم نتفق، ولم نقدر على العيش معا فى مكان واحد، وهى عاملة ولديها مسئوليتها تجاه أولادها وزوجها، فغادرت منزلها إلى منزل إحدى قريباتي، وعشت معها لبضعة أشهر، لكن جدت ظروف فاضطررت لترك منزلها، حينها فكرت فى دار للمسنين، وعن طريق أحد المعارف قدمت هنا فى الدار واستقررت بها، ووجودى وسط أصدقائى الجُدد فى الدار أعاد لى الشعور بالطمأنينة، فهنا أجد من أتحدث إليه، ووجدت الونس من جديد، مع زيارة ابنتى لى بين الحين والآخر.

تتابع: رغم حالة الاستقرار التى أعيشها الآن، فإن الحزن لا يفارق قلبى لعدم رؤية بناتى المغتربات منذ عشر سنوات، رغم أننى قضيت حياتى فى سبيل إسعادهن وتربيتهن تربية صالحة، فزوجى توفى منذ 28 عاماً ورفضت الزواج مجدداً، لكنى أدعو الله دائما أن يصلح حالهن ويكرمهن فى حياتهن، وتؤكد أن عيد الأم يتلخص لديها فى مكالمة من بناتها وإن كان ذلك لا يحدث كل عام، متمنية رؤيتهن مرة أخرى، وتحتفل معهن بعيد الأم.

أما رجاء، فتخطت عامها الثمانين، دفعتها وعكة صحية لترك منزلها بحثاً عن دار للمسنين، فأولادها وأحفادها خارج البلاد، وهى كانت تعيش بمفردها قبل خمس سنوات. تقول رجاء: أولادى يعيشون فى بلاد أجنبية، وأنا كنت أعيش بمفردى حتى حدث لى ظرف صحي، ولحسن حظى أن أولادى وقتها كانوا موجودين فى زيارة، ولكنى بعدها شعرت بالقلق من فكرة العيش وحيدة، حيث أعانى أمراضاً مزمنة ومعرضة للإغماء فى أى وقت، وأصبحت لا أتمكن من المشى غير مستندة على عجلة كهربائية، فكان البديل المناسب لى هو دار المسنين، وبالفعل وجدت هنا من يخدمنى ويقدم لى طعامى وعلاجى ويسعفنى وقت اللزوم.

تضيف: لم أكن أتخيل فى يوم أن أترك بيتي، ولكن ذلك ما حدث "فالأولاد تكبر وكل واحد منهم يشق طريقه، ولم يهمنى شيء سوى سلامتهم ونجاحهم فى حياتهم حتى إن كنت أفتقد وجودهم بجانبي، وأحاول التأقلم مع الوضع وأقنع نفسى أنها سُنة الحياة".

وبيد مرتعشة أشارت إلى العجلة الكهربائية التى تستند إليها عند المشي، وقالت: "ولادى هما اللى جابوها من بلاد بره، كتر خيرهم، وأنا مش بتمنى حاجة غير إنى أسمع عنهم كل خير، وأشوفهم حتى لو كل حين".

وعن احتفال عيد الأم تقول: "أسعد بالاحتفال به كل عام مع أصدقائى بالدار، فرغم كل شيء أنا سعيدة أنه مازال بوسعى أن أجد من يشاركنى الحديث أو الاحتفال، ويقدم لى الرعاية".

أما سيدة )اسم مستعار بناء على طلبها( فتعيش حالة نفسية سيئة نتيجة وفاة ابنتها الوحيدة وهى فى متقبل العمر، وكانت طالبة تحضر رسالة الماجيستير، لكن انتزعها الموت من حضن أمها ولحق بها الأب وأصبحت "سيدة" وحيدة تصارع الذكريات والحزن الساكن بداخلها، فقررت أن تبحث عن الونس، خاصة بعدما حاولت الخادمة التى كانت تتردد عليها لتدبير شئون المنزل أن تحتل شقتها هى وزوجها كونها "ست وحيدة"، على حد قولها.

وتحكى سيدة أوجاعها قائلة: جئت للدار بحثاً عن الأشياء التى حرمتنى منها الحياة كالأهل والأولاد والأمان، وبالفعل فكل من بالدار أعتبرهم أهلى وأصحابى والمشرفات مثل أولادي، فمنذ أن توفت ابنتى وأنا قلبى حزين، ومن بعدها توفى زوجي، وإخوتى واحداً بعد الآخر، لكنى بالدار أحاول تجاوز ولو جزء من معاناتى فى أن أجد حولى من يواسينى ويسأل عني، لكن وسط ذلك يمثل عيد الأم بالنسبة إليّ جرحاً ينزف من جديد لأنه بالطبع يذكرنى بابنتي، وآلامها ومرضها الذى توفيت على إثره.

وأشارت لضرورة أهمية تغيير الفكرة النمطية عن دور المسنين، حيث أكدت أنها البديل المناسب لمن اضطرتها ظروف الحياة على ترك منزلها، أو وجدت نفسها وحيدة العمر يتقدم بها من دون وجود من يهتم بها.

من جانبها، تقول مها فاروق رئيس قسم الأسرة والطفولة بإدارة العجوزة الاجتماعية )جهة إشرافية(: تلجأ المسنات للدار لعدة أسباب منها عدم الرغبة فى العيش بمفردهن أو الجلوس عند أبنائهن لعدم الاتفاق مع زوجة الابن أو أنهن يريدن الحصول على الهدوء، أو أن تكون المسنة غير قادرة على خدمة نفسها، لتحصل فى الدار على الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية، وتجد أسرة وأصدقاء وحياة طبيعية ورعاية، وهنا تتوفر الراحة لهن من طاقم العمل المكوّن من المدير، و2 أخصائى اجتماعي، و4 مشرفين يعملون بالتناوب صباحا ومساء، وطباخة، و2 عمّال معاونين.

والتقطت منها طرف الحديث داليا محسن، مديرة الدار، قائلة: توفر الدار خدمات ترفيهية وثقافية للمسنات، كتقديم ندوات دينية لهن، وتنظيم الرحلات للمسارح، والسيرك القومي، والمصايف كل عام بالتعاون مع إدارة الأندية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى بأسعار مخفضة، بالإضافة لإقامة الحفلات بالدار فى المناسبات المختلفة ومنها اليوم العالمى للمسن، الذى تم الاحتفال به مؤخرا بالتنسيق مع وزارة الثقافة، ومنذ جائحة كورونا يتم ذلك تحت إجراءات احترازية مشددة لحماية المسنات من التعرض لخطر الإصابة بالفيروس.

تتابع: كل مسنة لها غرفتها الخاصة بجميع مستلزماتها، بالإضافة لنظام يومى يبدأ مع استيقاظهن من النوم ثم تناول وجبة الإفطار والدواء، خاصة مرضى السكرى والضغط، ثم المشى لمدة عشر دقائق بأروقة الدار، ثم حمام شمس وتناول وجبة خفيفة، ثم حلقة نقاشية فى معلومة ما أو عن كتاب معين، أو مشاهدة التليفزيون، وبعدها وجبة الغداء، ونراعى تقديم طعام صحى ومفيد يتناسب مع الحالة الصحية لكل مسنة.

وتشير إلى أن الأمهات يقدمن التضحيات لأبنائهن من دون أى مقابل، لذا فتكريمهن واجب تسعى إليه الدار كل عام من خلال إقامة احتفالية لهن فى عيد الأم، كنوع من تقديم الشكر لهن، لافتة إلى استقبال الزيارات لتشجيع الأبناء على الاحتفال مع أمهاتهم وتقديم الهدايا لهن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة