لم يصاحبوهما فى الدنيا معروفا
لم يصاحبوهما فى الدنيا معروفا


لم يصاحبوهما فى الدنيا معروفا

«عقوق الوالدين».. جريمة بلا عقاب!

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 18 مارس 2021 - 02:59 م

كتبت: مروة أنور         تصوير: عبد المنعم ممدوح 

إذا ماتت الأم نادت الملائكة: "يا ابن آدم ماتت التى كنا نكرمك لأجلها فاعمل لنفسك نكرمك"، وفى حديث شريف ذهب رجل إلى رسول الله، وطلب الجهاد معه فقال أتيتُ النبى فقلتُ له: "يا رسول الله إنى أريد الجهاد فى سبيل الله، فقال: أُمك حية؟ فقلت: نعم، فقال: الزم رجلها فثم الجنة". 

فى الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة عقوق الوالدين بحجة الانشغال بأمور الحياة أو عدم القدرة المادية على الإنفاق عليهما ومراعاتهما، ودفعت زيادة قضايا عقوق الوالدين المنظورة أمام المحاكم، النائبة السابقة شادية خضر، فى الدورة البرلمانية السابقة، باقتراح مشروع قانون لتغليظ عقوبة عقوق الوالدين للحد من هذه الظاهرة المجتمعية التى باتت تهدد السلام الاجتماعى.

"آخرساعة" استمعت لآهات بعض الآباء والأمهات ممن يعانون عقوق الأبناء لهم، فيقول إبراهيم محمد، 66 عاما، يفترش أحد ميادين مصر الجديدة: "أجلس هنا منذ عامين واعتبرت أولادى ماتوا"، ويبكى الرجل فى حرقة "أنا على المعاش، وليس لى مكان يؤوينى بعد أن أخذ ابنى الشقة ليتزوج فيها، وزوجته اشتكت منى، وهو طردنى بالأدب؛. 

وتروى آمال محمد، 70 عاما: ؛ابنى طردنى من الشقة وأخدها لمراته وعياله وقالى هوديكى دار مسنين وادفعلك فلوس الدار ونخلص من المشاكل اللى بينك وبين مراتى وآجى زيارة ليكى كل أسبوع ودفعلى شهر واحد، وفى الشهر التانى أصحاب الدار طالبوه بالفلوس فرفض، ومن شدة حرقتى خرجت من الدار، وذهبت إليه فطردتنى زوجته، وقالتلى إحنا خلصنا منك إيه اللى رجعك فذهبت إلى الشارع؛.

وتضيف آمال : ؛قصتى ليست الأولى ولا الأخيرة، احنا بقينا فى آخر العالم، الأولاد بيطردوا الأهل ويسبوا أكثر ناس فى الدنيا بيحبوهم، لقد ماتت أعز صديقاتى سيده محمد، 50 عاما، قهرا بسبب ابنها الصغير الذى حصل على توقيع منها بالتنازل عن أملاكها وإدارتها واخذها لنفسه لينفقها على شرب المخدرات، وبعدها سمعنا خبر وفاتها". 

أما أمنية محمد، 76 عاما، فتقول: "المال ليس كل شىء.. أبنائى لا يحرموننى من شىء ولكن حرمت من وجودهم معايا كل واحد منهم مشغول بحاله وأبنائه لدرجة أنهم لا يقضون معى حتى أوقات عطلتهم بحجة أن مسافة السفر طويلة، وأننى لا أستطيع تحملها، وعندما مرضت وفروا لى خادمة تقوم بتلبية احتياجاتى وتعطينى الدواء ولكننى أريد عطف وحنان أبنائى".

وتناشد شادية خضر، عضو مجلس النواب الأسبق، وصاحبة مشروع قانون عقوق الوالدين، البرلمان الحالى مناقشة مشروع قانون عقوق الوالدين، وتنفيذه حتى نتصدى لهذه الظاهرة ونحمى الآباء والأمهات من اعتداءات الأبناء سواء بالقول أو بالفعل أو بإهمالهم، مشيرة إلى أن القانون الحالى لا يتضمن أى عقوبات رادعة حيث لا تتجاوز مدة الحبس فى قضايا عقوق الوالدين شهرين ولا تفعل هذه القوانين.

وقالت: "يتضمن اقتراح القانون الذى تم عرضه بالدورة الماضية 3 سنوات سجنا وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بعقوق والديه سواء بالسب أو القذف أو الإهانة أو الترك، وتضاعف العقوبة إذا ترتب على الفعل إحداث أضرار صحية بأى من الوالدين".

وأشارت النائبة السابقة، إلى أن المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون تطالب بوضع مادة مستحدثة بقانون العقوبات بتحديد تلك الجريمة وعقوبتها على أن يتم استطلاع رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر فى تنظيم الجريمة وتصنيفها والعقوبة المقترحة ومدى تأثيرها على كيان الأسرة وتماسكها مع إبداء مقترحات من شأنها وضع آليات إثبات الجريمة وتطبيق العقوبة أو التصالح فيها وذلك استنادا للقرآن الكريم الذى دعا فى أكثر من موضع إلى بر الوالدين وحرم عقوقهما.

الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، يرى أن وسائل الإعلام المختلفة هى المساهم الأول فى زيادة وانتشار هذه الظاهرة فأصبحت الأعمال الدرامية تخلو من القيم التربوية بل الأكثر من ذلك فهى توجه الأبناء لعصيان الوالدين فلا يوجد رقابة على الأعمال المعروضة مثلما كان يحدث من قبل فكانت وسائل الإعلام فيما مضى دورها إيجابى وتهدف إلى تقويم السلوكيات الخاطئة وهمها بر الوالدين وطاعتهما، كما لفت إلى أن عقوق الوالدين من الناحية الدينية من الكبائر، ومن الناحية الاجتماعية فهو مظهر مشين ولن يعلو من شأن مرتكبه أبدا ويجب ألا يتعاطف المجتمع أبدا مع أى شخص يعامل أبويه بجفاء. 

بينما تشير الدكتورة نرمين عبد الفتاح، أستاذ علم الاجتماع، إلى أن ظاهرة عقوق الوالدين منتشرة بكل أسف نتيجة لغياب التربية الصحيحة داخل الأسرة بأغلب المجتمعات، وهذا دليل كبير على وجود خلل واضح فى أسلوب التربية وانشغال الآباء عن تربية أبنائهم، فخرجوا للعمل بحثا عن لقمة العيش وتحسين مستوى الأسرة ليتركوا أبناءهم تحت رعاية إما الجدة أو المشرفة بالحضانة أو الخادمة، ولم ينتبهوا لضرورة غرس الثوابت الدينية لدى الأبناء مما جعلهم يكبرون دون أن يكون لديهم أرضية صلبة يتعلمون من خلالها حقوق الوالدين.

أضافت أن كثيرًا من الأبناء الآن يُرددون كلمات ؛أنا كبرت وليس لأحد وصاية علىّ؛ ويضربون فورا مثلا بما يحدث فى الغرب من ترك الأولاد لبيت العائلة والاستقلال بأنفسهم فى سن السادسة عشرة، وكل هذه المفاهيم شجعت الأولاد على عدم الاهتمام بآبائهم، ولذلك لابد أن نبدأ من الرسائل الإعلامية الموجهة للمجتمع وخاصة التلفاز وعبر شبكات الإنترنت الذى ساهمت فى خلق فتور عاطفى بالعلاقات المقدسة بين الأبناء والآباء.

وتشير الدكتورة منال زكريا أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، إلى أن الشخص العاق لوالديه هو شخص مريض نفسى لأن حب الأم والأب لأبنائهما هو حب غريزى وفطرى بطبيعته لذلك أى شخص يتصرف تجاه والديه بطريقة مؤذية وعنيفة فهذا الشخص لديه مشكلة نفسية تستوجب العلاج.

ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن المولى عز وجل أوصانا بالوالدين وطرق معاملتهما بأدب وعدم الإساءة لهما تحت أى ظرف، لكن للأسف فى السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة عقوق الوالدين فتجد أما وأبا لا يسأل عنهما أولادهما، بل الأكثر من هذا وضعوهما فى دار مسنين حتى يتخلصوا من أعباء خدمتهما التى هى بالأصل مفتاح الجنة، واكتفوا بوضع مبالغ من المال لإدارة الدار فى مقابل التخلص من خدمة آبائهم بحجة انشغالهم بأمور الحياة المغرية، وأصبح السؤال عليهما ينحصر فى مكالمة هاتفية واحدة بل إن البعض لم يعد لديه حتى الوقت لهذا الأمر، فالأم والأب هما الكيان الحقيقى للإنسان وبدون رضاهما لا يوجد بركة فى أى شىء مهما عمل ونجح هذا الشخص لا يرضى عن نفسه بسبب عدم رضا والديه عليه. 

ويشير كريمة إلى أن لعقوق الوالدين أسبابا من أهمها الجهل بفضل بر الوالدين والأجر المترتب عليه ومصير العاق لوالديه، وعدم التنشئة الصالحة للأبناء، وعدم الحرص على غرس تعاليم الدين والأخلاق الإسلامية فى صغرهم. 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة