صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


انتقـام امـرأة

جودت عيد

الخميس، 25 مارس 2021 - 08:57 م

كان يعلم ذكاء زوجته جيدا، ومدى قدرتها على الادخار والتدبير،فهى فى نظره سيدة المنزل، ووزيرة اقتصاده، لذلك منحها مرتبة مطمئنا مع بداية كل شهر.. حتى عند النظر للمستقبل كانت هى من تضع الخطط التى تغنيه عن التفكير فى مصاريف المدارس وإحتياجات الاسرة..لكنه لم يدرك أن هذا الذكاء سلاح ذو حدين.. وأنه كان يجب ألا يختبرها أو يفكر لحظة واحدة فى استخدام ذكائه المحدود مع عقليتها ودهائها الكبير.

هو.. ذلك الموظف البسيط الذى لا يتعدى راتبه 3 آلاف جنيه بعد ضم الحوافز والبدلات والعلاوات..حياته لا تعدو كونها طريقا مستقيما.. صباحا يسلكه من البيت إلى العمل،وعصرا يعود من العمل إلى المنزل.. اعتاد منذ زواجه على ألا يتحمل أى مسئولية، فقد ألقاها بكل أريحية إلى زوجته ورفيقة عمره، وكانت أفضل من يحملها ويحافظ عليها، ويمنحه وأولاده الراحة والسكينة.

اما‭ ‬هى.. فتلك الزوجة الكادحة التى تذهب لعملها نهارا، ثم تعود مسرعة إلى المنزل ظهرا، تغسل وتنظف وتمسح فى البيت، ثم تبدأ فى إعداد الطعام انتظارا لتجمع أسرتها..وليلا تقوم بمراجعة الدروس مع أبنائها.

ورغم كل ذلك كانت سيدة اقتصاد من الطراز المنزلى الذى يبحث عنه أى زوج، مرتبها مع زوجها لا يتعدى 5 آلاف جنيه، لكن فى الواقع كان يكفى مصاريف أكل وشرب وملبس وكهرباء ومياه وغاز ورسوم اشتراكات الأندية للأطفال الثلاثة ومصاريف الدروس الخصوصية..وما يثير الاستغراب أنها كانت تدخر جزءا منه لأى طارئ قد يلحق بأسرتها أو منزلها.

كان هدوء الأسرة مثار استغراب للجيران والأقارب والزملاء فى العمل، فالزوج لم يقترض أو يتداين منذ زواجهما، حتى بدأت الأحاديث تدور حول امتلاكهما شققا ومشروعات وأراضى زراعية.. كل هذا بسبب أن الزوج لم يقترض جنيها واحدا من زميله فى العمل أو يأخذ "سلفة " كما هو المعروف فى المصالح الحكومية، ونفس الحال بالنسبة للزوجة.

الغريب أن الزوج لم يقم فى يوم من الأيام بإنكار مايتحدثون عنه، بل كان يجاريهم فى بعض الأوقات، ويتجاهل الحديث عن دور زوجته صاحبة الفضل فى عدم معاناة أسرته حتى الآن.

عاش الزوج كذبة الثراء، وبدأت خيوط العنكبوت من زميلاته تحوم حوله أملا فى اصطياده، حتى خضع بكل أريحية إلى زميلته المطلقة حديثا، وبدأت بينهما قصة حب.

لاحظت الزوجة أن زوجها بدأ يدخر جزءا من راتبه لنفسه، سألته على سبيل المعرفة، لكنه أسرع برد غريب:" سددت مكان زميلى المريض الجمعية.. وآخر الشهر حايردهم ".

ألقت الزوجة ابتسامة ساخرة، فهى تعلم أن زوجها لايستطيع أن يأخذ قرار استقطاع جزء من راتبه لنفسه إلا بعد استشارتها، لكنها قررت تفويت هذا الشهر فقد يكون كلامه صحيحا، وما جعلها تتجاهل أكثر أن استقطاع هذا المبلغ لن يؤثر على احتياجات البيت، خاصة أن الدروس الخصوصية متوقفة بسبب إجراءات كورونا.

كرر الزوج فعلته فى الشهر الثانى، وسلم المرتب منقوصا منه مبلغ معين..تمسكت الزوجة بمعرفة الحقيقة، إلا أنه كعادته تحجج بنفس السبب..

لم تقتنع الزوجة بكلامه، فهناك أمور كثيرة تغيرت فى زوجها، أصبح يغلق باب حجرته كثيرا على نفسه، لا يشارك أسرته الحديث كما كان معتادا أثناء مشاهدة التليفزيون..دائما ما يحضر من عمله متأخرا..هاتفه المحمول لايغادره بتاتا.. أخبرته بشخصيته الجديدة، لكنه تحجج بالحزن على صديقه المريض بالسرطان.

استغل الزوج جلسة هادئة جمعته بزوجته تخللتها الضحكات وأحاديث الماضى بعد نوم الأبناء، ليخبرها بقراره الجرىء.قال " اعذرينى يا زوجتي".. سأكشف لك سبب عزلتى كثيرا..هناك أمر يجب أن أخبرك به، لا أستطيع الانتظار، أنا أعلم أنك أم أولادى وعشرة عمرى لكن هناك قرار اتخذته أتمنى ألا يهدم هذا المنزل.

لم تبد الزوجة اهتماما كبيرا لحديث زوجها، ..فهى تعلم شخصيته..دائما يميل إلى الهدوء والسلمية وهو أحرص ما يكون على استقرار أسرته.. لكنه فجأة استغل عدم اهتمام زوجته بحديثه.. وأطلق قذيفته..أخبرها أنه قرر الارتباط بزميلته فى العمل.

قال: "حقيقة تربطنى علاقة بها منذ زمن، ولم أعد أتحمل، لذلك قررت مصارحتك بالزواج منها، وقمت بإيجار شقة فى الشارع المقابل لمنزلنا، حتى أكون بجوارك".

اعتقد الزوج أن زوجته.. ستترك البيت وتذهب لمنزل والدها، لكنها اكتفت بابتسامه صغيرة.. وردت بكلمة واحدة"ربنا يسعدك ثم همت إلى حجرة نومها.

أدرك الزوج أن زوجته لم تعِ كلامه جيدا..توجه إليها وأخبرها انه صادق فيما يقول، وأن عقد قرانه من زميلته فى العمل سيكون بعد انتهاء عدتها الشرعية..لكن الزوجة اكتفت بإطفاء أنوار الحجرة ثم غرقت فى النوم ".

ظل الزوج يفكر فى رد فعل زوجته، وبدأ يسأل نفسه، هل كانت تعلم بعلاقتى مع زميلتى فى العمل؟، لماذا كان رد فعلها باردا؟، وغيرها من الأسئلة التى أرهقت تفكيره طوال الليل.

فى ساعات الصباح الأولى، طلبت الزوجة من زوجها الذى ينام بجوارها أن يؤجل زواجه لحين انتهاء الأبناء من الدراسة والامتحانات، تعجب الزوجة وأخذ يحدث نفسه..هل اقتنعت بكلامى.. لكنه أوقف التفكير ..وأعلن موافقته، وكأنه أدرك أن زوجته لن تسبب له مشاكل.

جلست الزوجة مع نفسها تفكر ماذا قصرت حتى يتزوج من امرأة أخرى ؟، لكنها لم تجد سببا واحدا، فقد وضعت أموالها إلى جانب أمواله عند شراء الشقه، كما أنها من تقوم بتحمل تكاليف تعليم وشراء الملابس لأطفالها، ودفع اشتراكات الألعاب والأندية من راتبها.

بعد تفكيراستمر أياما.. قررت الزوجة تحميل زوجها كامل المسئولية على أن توفر مالها لأطفالها فى المستقبل..لذلك وضعت خطتها،واستغلت ذكاءها الاقتصادى الذى طالما تغنى به الزوج مع نفسه فقط..وقررت الانتقام منه.

فى صباح اليوم الثانى طلبت الزوجة من زوجها ألف جنيه رسوم تجديد الاشتراك فى الألعاب لأبنائه فى أحد الأندية، ذكرها الزوج أنها من كانت تسدد هذه الاشتراكات، إلا أنها أخبرته أنها لن تسدد مليما وأن هذه مسئولية الزوج، وافق ودفع لها ثمن الاشتراكات.

فى اليوم الثاني، طلبت الزوجة 1500 جنيه مصاريف لوازم مدرسية ودروس خصوصية لأبنائها، كرر الزوج نفس السؤال، وكانت الإجابة نفسها من الزوجة،ليقرر الدفع مرغما، وعندما جاء اليوم الثالث طلبت الزوجة ٧٠٠ جنيه لشراء لوازم البيت من لحوم وأسماك وخضراوات وفواكه، وافق الزوج مجبرا، حتى أن مرتبه انتهى فى الأسبوع الأول من الشهر، ولم يعد لديه أموال للذهاب للعمل.. جلس الزوج مع زوجته وأخذ يتوسل إليها، أن تتولى هى الإنفاق على المنزل، وأن تصرف راتبها كما كان فى السابق، رفضت، وأخبرته أنه الزوج وأنه يجب أن يتكفل بالأسرة كاملة واحتياجاتها من مأكل ومشرب وملبس.

بعد أيام طلب الزوج من زوجته أموالا للإنفاق على نفسه، فمرتبه لم يعد متبقيا منه جنيه واحد، رفضت وطلبت منه أن يذهب لزميلته التى سيتزوجها للاقتراض منها.. توجه الزوج بالفعل إلى زميلته للاقتراض منها،لكنها رفضت وتحججت بشراء لوازم الزواج..ثم قررت تركه بعد أن علمت أنه مفلس وأن ما كان يقال عن ثروته ما هو إلا سراب..عاد الزوج إلى المنزل بحالة سيئة، مرتبه لم يعد يكفى احتياجات أسرة واحدة فكيف سينفق على أسرتين،كما أنه مصاب بالربو ولا يستطيع العمل فى أكثر من مكان.

بعد أسبوع، طرق جرس الباب، فتح الزوج، ليتفاجأ بمحضر من محكمة الأسرة يسلم له إعلانا عن دعوى طلاق أقامتها زوجته ضده، سقط الزوج مغشيا عليه، ولم ينطق بكلمة واحدة..وبعد أن استعاد وعيه..أخذ يتوسل لزوجته أن تسامحه،وألا تهدم استقرار البيت..أخبرها أنه صرف النظر عن الزواج، وأنه لن يفكر فى خيانتها مرة أخرى..جمع أولاده وأقسم للجميع بالتوبة..لكنها لم تعطه أى إجابة.

مرت أيام..ومازالت القضية معلقة فى المحاكم..فالزوج بالنسبة لزوجته أصبح شخصا غريبا فى البيت، حقه عليها هى خدمته فقط حتى صدور حكم القضاء.

‭..‬والعافين

قصت لى الزوجة أكثر مما كتبت عن معاناتها و صبرها .. واجهت الزوج و إعترف .. وأقر بذنبه.. بعدها..تلقيت مكالمة من المحامى أحمد بدر وكيل الزوجة أخبرنى أنه بعد أن ساءت حالة الزوج الصحية..قررت التنازل عن دعوى الطلاق، والوقوف بجوار زوجها.

وكشف عن أن عدم إنفاق موكلته على البيت حق لها، لأن المنزل مسئولية الرجل..وأن الزوجة كانت تقوم بذلك من واقع أنها أم لأطفالها وسند لهم، كما أنها كانت تراعى ظروف زوجها المادية وضعف راتبه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة