سلمى‭ ‬قاسم جودة
سلمى‭ ‬قاسم جودة


لحظة وعى

موسم الهجرة إلى الحنين

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 31 مارس 2021 - 01:56 م

سلمى‭ ‬قاسم‭ ‬جودة‭ ‬تكتب‭ :‬

نور الصباح يتهادى.. يتعملق ليفترش الوجود.. بياضه الشاهق يحيلنى إلى ضياء اللؤلؤ، رحيق القهوة والشاى فى لون الكهرمان الحياة من جديد، رغم فداحة المحن ومرارة خبيئة الأيام فلا مفر من المقاومة والأمل فهذا الوقت سيمضي.. الوباء، الحزن، التآمر، عقوق الإنسان، الفساد والتطبيع مع القبح.. يقول نيتشه: "لا يوجد زمن سعيد ولكن هناك أوقات سعيدة.. فدوام الحال من المحال وبينما تتواصل الفترات العصيبة علينا أن نلوذ بكل ما ينعش الروح، المخيلة، الإرادة، لنتجاوز الأزمات بالحب، العطاء، الفن، والجمال"..

أذكر كلمات شوبنهاور: "كل يوم بمثابة حياة صغيرة.. كل استيقاظ ميلاد جديد وكل صباح حقيقى شباب جديد"..

روعة الإنسان تكمن فى تحويله الأزمات والمحن إلى مكاسب وطاقة إيجابية، أحيانا تكون الصدمات والتجارب القاسية عتبات للمعرفة، للاكتشافات وللاطلاع، فكل شيء ممكن بفعل الرغبة وتابعها الإرادة الصلبة.. الوجود أشبه بالجديلة المصنوعة من المتعة والألم ووجب القبول بها والرضا.. البقاء فى المنزل أغلب الأوقات نتيجة خطورة كورونا جعلنى أحيانا أتدثر بالحنين لكل ما كان، فالنوستالچيا تحاكى الترياق لآلام الوجود المنهك لكن المشكلة هى المقارنة بين الأمس الذى كان بكل ملاحته واليوم. أشاهد التليفزيون، الإعلانات تتخللها بعض المشاهد الدرامية وفى الفقرة الإعلانية الواحدة يتكرر الإعلان ذاته لزوم حُمم الاستهلاك وأتابع محاصرة المسلسل حيث دروس تعاطى المخدرات بالتفصيل الممل والدقيق، ربما كى لا يخفق أحد فى الامتحان )إسود فاتح(، والنجم شريف سلامة ممثل رائع ولكن الكارثة فى النص، والرسالة الكامنة وراء العمل، فهو يعلق فى رقبته زجاجة صغيرة للبودرة التى يتعاطاها خلال الفقرة المسماة درامية، والعمل مكتظ بالغل، الحقد والتعاطي، وهذا ماحدث أيضا فى "أبواب الشك" حيث مفردات وتعاليم "الشم" والتعاطي، لا أحد يسعى أو يريد الفن المباشر والوعظ لكن مايحدث يجنح للقبح، الضياع والبعد عن الفن وهنا لامجال من الفرار من المقارنة فأستعيد زمن أفلام فريد شوقى التى غيرت قوانين وتعرضت لجرائم المخدرات دون أى هبوط أو هذا المحتوى المريب أنتقل إلى قناة ماسبيرو زمان لأحلق، أرتوى وأطرب فأشاهد "هى والمستحيل" للثالوث الرائع صفاء أبوالسعود، فتحية العسال وإنعام محمد علي، هذا العمل الذى يحض على شهوة المعرفة، العلم والثقافة فى أى عمر، هذا المسلسل على بساطته فى الإمكانيات عامر بالقيم النفيسة والأبدية، يزرع المثابرة والتجمل بأنوار المعرفة والكفاح من أجل الارتقاء، حتى اليونسكو يستعين به أيضا.. "حتى لا يختنق الحب" مرة أخرى فتحية العسال، إنعام محمد على وآثار الحكيم.. حيث قيم التفوق مع الحفاظ على الحب، الأسرة والتحقق فى الحياة، أستمع لمحطة ماسبيرو زمان وتداهمنى ذات الغصة، الحسرة تنتابنى، هاهو عبدالحليم تنهيدة الحرير، الحضن الحافل بالشجن، مئات الأغنيات لا أجد أغنية واحدة دون المستوى لا لحن ولا كلمة تموت لا وجود لأغنية للاستهلاك مرة واحدة، هو الفن الصميم، المتقن والخالد، محمد عبدالوهاب مسافر زاده الخلود بينما ينساب صوته المجوهر "الأذن ترى" مصر الخلابة حيث المجد، الفن والجمال الفاتن، عبدالوهاب هل نشترى الورد فى غيابه؟ هل يحلو المساء بدونه؟ هل وهو بعيد الجفون تعلم الغزل؟ أتهلُّ ليالى الشرق؟ فوق الروابى الخضر.. هل نخوض فى سر النيل الرهيب؟ والمشكلة ليست فى الهابط من الفن فوجوده ضرورة محتومة فى كل الأزمنة لكن أين هو الإبداع الراقي، الأصيل بمواجهته ووقع الصدق الالتباس وإحلال الخناجر بالعضلات، الإتقان والذوق ورهافة الحس أفتش عن تلك الأقانيم لا أجدها، ألوذ بالذكريات، أتزود بمشاهد من أفلام الأبيض والأسود "غصن الزيتون"، "لا وقت للحب"، "فى بيتنا رجل" تبث الشجن، تزف رحيق الأيام الخوالي، أتأمل محلات البقالة، الخردوات، الكواء حيث الأضواء الليلية الخافتة تمتزج بالنغم الخلاب والأصوات العذبة، الشجية فيتوحد المصريون بعيدا عن التوحش، القسوة والكيانات المتعملقة التى تكاد تبتلع كل الضعيف ـ الهش والصادح بالدفء فأبسط الآثار الجانبية للوباء الكونى هي تداعى وهلاك الكيانات الضئيلة لحساب الكيانات الهائلة المفترسة والأشخاص أصحاب المناعة الهشة أيضا لهم ذات المصير وكأن نظريات نيتشه عن السوبرمان تعيش أروع تجلياتها لا أملك فى خضم تلك المصيدة الوحشية والفخ المدمر سوى الهجرة إلى الذات والتماهى مع الحنين، مع كل ماكان ومالم يكن، وأردد كلمات باريكو: "إنه ألم غريب أن تموت من الحنين لشيء.. لم تعشه أبدا".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة