تعامل الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين
تعامل الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين


من أمريكا إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى

حقوق الإنسان عندهم.. «حبر على ورق»!

آخر ساعة

الأحد، 04 أبريل 2021 - 11:46 ص

كتب/ خالد حمزة

لا تصدق من يخبرك بأن أمريكا أو أوروبا هى جنة حقوق الإنسان لمواطنيها الأصليين أو لهؤلاء المنحدرين من أصول أفريقية أو آسيوية أو لاتينية أو حتى من الغجر وسكان المستعمرات فيما وراء البحار، فالواقع يقول إن انتهاكات حقوق الإنسان فى تلك الدول فاقت بمراحل تلك الانتهاكات التى تدعى أمريكا والغرب أنها تحدث فى بلدان أخرى حول العالم بدعوى حماية حقوق الإنسان بينما الحقيقة أنها تخفى وراءها رغبات خفية أحيانا ومعلنة فى أحيان أخرى للهيمنة على مقدرات تلك الدول واستنزاف ثرواتها أو التدخل السافر فى شئونها الداخلية تحت تلك الشعارات.

اعتداءات‭ ‬عنصرية‭ ‬ضد‭ ‬الأقلية‭ ‬الآسيوية‭ ‬بأمريكا‭ ‬وانتهاكات‭ ‬لحقوق‭ ‬المواطن‭ ‬الأوروبي

لندن‭ ‬وبرلين‭ ‬تواجهان‭ ‬متظاهرى‭ ‬كورونا‭ ‬بالقوة‭ ‬المفرطة‭ ‬ورذاذ‭ ‬الفلفل‭!‬

حقوق‭ ‬مهدرة‭ ‬للغجر‭ ‬والأقليات‭ ‬الفرنسية‭ ‬فى‭ ‬الضواحى‭ ‬والأحياء‭ ‬الفقيرة

آخر تلك المظاهر.. كان فى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تم رفع دعوى قضائية من المنظمة الأمريكية للدفاع عن الحقوق المدنية مع نشطاء فى حقوق الإنسان داخل وخارج أمريكا، ضد ما حدث من قمع للمتظاهرين أمام مبنى البيت الأبيض، وهو ما وصفه هؤلاء بأنه كان أمرا غير مسبوق حيث استخدمت الشرطة كل الوسائل القانونية وغير القانونية من سحل وضرب ومعاملة غير إنسانية للمتظاهرات فى تلك الاحتجاجات، التى كانت تؤيد مرشحا ضد مرشح آخر، وهو ما اعتبره المدافعون عن حقوق الإنسان حلقة فى سلسلة بدأت منذ أكثر من قرن ضد حقوق الإنسان وخاصة الأقليات، وعزز ذلك جريمة مدينة أتلانتا فى ولاية جورجيا، التى اعتدى فيها أمريكى أبيض على صالونات للتدليك، وهو ما أدى لسقوط 10 قتلى كان من بينهم أشخاص من أصول آسيوية، وهو ما أجج العداء ضد تلك الأقليات التى يقدر عددها فى أمريكا بما لا يقل عن 15 مليون شخص. 

وكان من المتوقع أن يواصل منفذ الهجوم روبرت لونج سلسلة جرائمه ضد تلك الأقلية بالذات وصولًا لمدينة شيكاغو، رافعًا شعارات مثل "الموت للعنصر الأصفر أو لأصحاب العيون الضيقة" فى إشارة للمنحدرين من أصول آسيوية، رأى البعض أنهم كانوا السبب فى انتشار وباء كورونا. 

تلك الحادثة، أعادت للأذهان صور انتهاكات حقوق الإنسان التى جاءت بالأساس لأمريكا من أوروبا عبر الأطلنطى، وسط موجات عارمة من الهجرة منذ أكثر من مائة عام، وانتشرت معها مصطلحات مثل "الخطر الأصفر" وتأثيره على أمريكا خاصة خلال الحرب العالمية الثانية، حينما نما العداء ضد كل ما هو يابانى، وتصاعد أكثر مع كل ما هو صينى أو يابانى أو كورى جنوبى، مع صعود نجم تلك البلدان كقوة اقتصادية دولية منافسة لأمريكا.

وبنفس الحال يتم التعامل مع الأقليات من السود أو الأسبان أو من الأصول المكسيكية، وكان أبرز ملامحها بناء الجدار العازل مع المكسيك للحد من تدفق هؤلاء المهاجرين الذين زاد عددهم بنحو20% خلال العام الماضى فقط، وهو الأمر الذى دعا الرئيس الأمريكى جو بايدن، لتكليف نائبته كامالا هاريس لتولى ذلك الملف لكونها تنحدر من أصول غير أمريكية خالصة.

كما أدى العنف المفرط من الشرطة ضد المتظاهرين وقتل الشرطة للسود فى الشوارع، لاحتجاجات مستمرة استمرت لشهور فى العديد من المدن الأمريكية. وكان أشهرها بالتأكيد الثورة العارمة داخل المجتمع الأمريكى، التى انتقلت لبلدان أوروبية وعالمية بعد مقتل الأمريكى الأسود جورج فلويد على يد رجل شرطة أبيض. 

ولا يقتصر الأمر على أمريكا، بل يمتد لدول الاتحاد الأوروبى التى لم تعد جنة للمهاجرين كما تم تصويرها لباقى العالم، بل إن هناك تجاوزات خطيرة وانتهاكات شبه يومية رصدتها منظمات دولية والبرلمان الأوروبى ذاته، وألقت الضوء فيها على ازدياد العداء للأقليات العرقية والدينية، وتنامى حركات اليمين المتطرف، التى تلقى دعما أحيانا من السياسيين والمواطنين العاديين، وتجسدت فى هجمات شبه دورية متطرفة ومسلحة على أبناء تلك الأقليات.. ومع إجراءات الغلق التى فرضتها سلطات أوروبية عدة بسبب كورونا، تصاعدت الاحتجاجات ضدها ووصفها المتظاهرون بالديكتاتورية، وأنها وسيلة لقمع حرية الرأى وفرض المزيد من القوانين المكبلة له. 

وفى المقابل، واجهت الشرطة والجهات الأمنية تلك التظاهرات، بالمزيد من القمع من القنابل المسيلة للدموع ورذاذ الفلفل الحارق للعين والعنف المفرط، خاصة ضد المتظاهرات بصورة مبالغ فيها والاقتياد لأقسام الشرطة والحجز لعدة أيام دون توجيه تهم ما واستخدام خراطيم المياه، وشملت تلك الإجراءات بلدانا تتغنى بحرية الرأى والاعتقاد وحقوق الأقليات مثل هولندا وسويسرا وبلغاريا والنمسا وبريطانيا، حيث تم استخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين بعد تجمعهم فى حديقة "هايد بارك" الشهيرة.

أما فى ألمانيا، فالوضع معكوس بعض الشىء، فهناك انتهاكات لحقوق الإنسان والأقليات من جانب جماعات وحركات بيجيدا أو "النازيون الجدد" أو حزب البديل من أجل ألمانيا، وكلها مناهضة لكل ما هو إسلامى أو عرقى أو دينى، وبعضها مثل "البديل" وضعته المخابرات الألمانية تحت أعين ومراقبة الشرطة، وهم يدعون لمعاداة السلطات وعدم الاعتراف بالدستور والمؤسسات الرسمية وإلى تعكير السلم الأهلى، وخطورتهم أنهم يمارسون سلسلة ممنهجة ضد الأقليات وانتهاكات واضحة لحقوقهم تحت أعين السلطات أحيانا بدعوى حرية الرأى.

وفى فرنسا فحدث ولا حرج عن الانتهاكات شبه اليومية لحقوق الإنسان، وخاصة قمع التظاهرات ضد عنف الشرطة أو ضد قانون الأمن الشامل، الذى يفرض عقوبة بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها 45 ألف يورو، لكل من يبث صورا للشرطة بسوء نية وبما يعزز موجة الكراهية ضدهم خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، ويهدد أسرهم وحياتهم الخاصة، ويضاف لذلك استخدام الشرطة للعنف المفرط والطائرات المسيرة وكاميرات المراقبة لرصد المتظاهرين، مع قنابل الغاز وإغلاق الطرق ورغم ذلك استمرت مظاهرات المحتجين حتى الآن، وفوق ذلك يعانى المجتمع الفرنسى خاصة الأقليات داخله من معاناة لا تنتهى، تبدأ بالدستور الفرنسى الذى يعرِّف الأمة الفرنسية على أنها مجموعة من الأفراد لهم حقوق متساوية، ولا يعترف بالحقوق العامة أو حقوق الأقليات أو الخصائص الدينية أو الثقافية لهم، وهو ما يتنافى مع مناشدة كلٍ من الأمم المتحدة أو الهيئات الأوروبية، التى ترى فى ذلك عدم ضمان لحرية الأقليات.

وهناك مشاكل المهاجرين خاصة فى الضواحى والمناطق الفقيرة، حتى فى العاصمة باريس وبعض المدن الكبرى فى الشمال والجنوب، مع التعليم الجيد والسكن الملائم والحصول على وظائف لائقة، يذهب معظمها للفرنسيين من أصل فرنسى وليس أفريقيا أو آسيوبا أو لاتينيا، أو غيرهم من سكان المستعمرات الفرنسية فيما وراء البحار، التى مازالت تابعة للسيطرة الفرنسية، إلى جانب مشكلات المشاركة فى الانتخابات والضغوط التى تفرضها السلطات عليهم، لتغيير هوياتهم قبل الحصول على الإقامة المؤقتة أو الدائمة أو الجنسية فى نهاية المطاف، والخطر .. فرض قوانين تحد من حرياتهم أو ممارسة طقوسهم الدينية مثل: القيود على بناء أماكن العبادة خاصة للمسلمين الذين يمثلون الجالية الأكبر من المسلمين فى غرب أوروبا.

وهناك قانون إلغاء الرموز الدينية فى المدارس الرسمية الذى صدر منذ 17 عاما، ويمنع ارتداء الحجاب. كما ينص الدستور الذى تم تعديله عام 1992، على أن اللغة الرسمية للدولة هى اللغة الفرنسية، فى تجاهل واضح لباقى اللغات المكونة لنسيج المجتمع الفرنسى، ويعانى السكان من الرُحّل والغجر من انتهاكات واضحة لحقوقهم، بالتوظيف وتصاريح السفر والتعرض للطرد بين حين وآخر خاصة لغجر أوروبا الشرقية، ولا حق لهم فى التصويت إلا بعد الإقامة بصفة دائمة بإحدى البلديات الفرنسية لمدة 3 سنوات، بينما المدة المقررة لغيرهم هى 6 أشهر فقط، ولا يخفى بالطبع من أن تلك الممارسات، أدت لتفشى البطالة بشكل واضح وسط الأقليات.  

ولذلك كانت دعوة البرلمان الأوروبى للسلطات الفرنسية، بأن تعالج ذلك كله بإجراءات محددة، تبدأ بمنع عنف الشرطة ضد المواطنين وإلغاء القوانين والغرامات التى تحد من تلك التظاهرات، مثل ضرورة الإشعار المسبق أو قانون المراقبة القضائية أو قانون منع أغطية الرأس لمجابهة ارتداء المتظاهرين له بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع، وهو القانون الذى فرضته السلطات منذ نحو عامين، وقانون منع ازدراء الموظفين العموميين، الذى تصل عقوبته للسجن لمدة عام وغرامة 15 ألف يورو. 

والقمع بالقانون أو الغرامات، يتنافى مع تعهد قطعه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على نفسه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، بمساندة الحق فى التجمعات السلمية وحرية الرأى، وهو ما ضرب به عرض الحائط من خلال مواجهة الشرطة للتظاهرات بالعنف المفرط وغير المسبوق.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة