سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الأخبار

وإنى سميتها مريم

الأخبار

الإثنين، 05 أبريل 2021 - 07:27 م

بقلم/ سمير الجمل

هو انت فاكر ان انا اقدر ارجع البيت من غيرك بعد ما لقيتك.. بس احنا خلاص مش هنتوه عن بعض تانى بإذن الله.

حمامة بيضاء على سور كورنيش نيل القاهرة بجوارها عمامة أزهرية وأخرى سوداء لقسيس وعندما يتسع النظر سنرى النيل بروعته وجماله ساعة العصارى.. وعلى مقعد من الموجودة نرى من الخلف اثنين من الشباب الأربعينى يتجاوران.. وعندما نأتى إليهما من الأمام.. سنعرف أنه الشيخ عيسى يجلس إلى جوار زميل دراسته وسكنه القسيس وحيد واسمه الكنسى "مرقص".

المارة.. لا يدهشهم جلوس الشيخ والقسيس جوار بعضهما يضحكان.. لكن وجه الدهشة −كونهما يأكلان الذرة المشوية فى لقطة إنسانية مصرية− بعض المارة يصورهما بالموبايل.. وهناك من يضحك لهما.. ومعهما دون أن يعرف سر انبساطهما ويبادلانه الضحك. ينظر وحيد إلى عيسى متسائلا:

وحيد: عاجبك كده يا شيخ بقينا فرجة للناس؟

عيسى: وفيها إيه ما احنا ناس.

وحيد: بس تعرف ان فكرتك المجنونة دى اتضح أنها عبقرية؟

عيسى وهو ينظر ناحية برج القاهرة والنادى الأهلى يبتسم لصديقه قائلا:

عيسى: فاكر اليوم اللى زوغنا فيه من المدرسة سوا علشان نيجى النادى الأهلى نتفرج على التمرين ونسلم على اللعيبة.

وحيد: ونسيت العلقة اللى اخدناها لما رجعنا البيت مع اننا كنا بنطلع الأوائل فى المدرسة.

عيسى: أنا أبويا ضربنى لأنه كان زملكاوى.

وحيد: ويظهر ان ابويا ضربنى علشان كان عايز يحضر التدريب ما انت عارف عمك موريس.

عيسى: هتقولى على حبه للأهلى.. عشان كده.. كان بينه وبين ابويا ماتشات شبرا كلها كانت بتسمع عليها.

المشهد الثانى

يعود بينا الزمان إلى أواخر السبعينيات فى شارع بسيط من شوارع شبرا.. حيث يخرج عم موريس إلى البلكونة يسقى الزرع.. وعينه على بلكونة جاره أنور والد عيسى ثم يكلمه بصوت مسموع وهو واثق انه سيخرج إليه:

موريس: طبعا مكسوف تطلع بعد الهزيمة التقيلة اللى شربتوها امبارح.. ما تظهر وتبان عليك الأمان.. يمكن ربنا ينفخ فى صورتكم وتكسبوا الماتش اللى جاى.

هنا يطلع أنور وهو يمسك بجريدة المانشيت الرئيسى فيها يتحدث عن زيارة السادات للقدس وردود الأفعال حولها.

أنور ينظر ناحية موريس مندهشا:

أنور: كل الكلام ده عشانى أنا؟

موريس: هو فيه حد زملكاوى فى الشارع كله غير سيادتك.

أنور: عشان بافهم كورة وصاحب مزاج.

موريس: ده قصر ديل.

أنور: طيب باقولك ايه يا شملول.. ما تسمع الحتة عن التلت عشرات اللى انت واكلهم امبارح.. يا استاذ الطاولة اللى مفيش منه اتنين.

موريس: يعنى هاتبقى خيبة من كل ناحية.. أنا سبتك تغلبنى عشان ما تروحش ودمعتك على خدك يا جميل.. برضه انت حبيبى.

سكان الشارع يبدو انهم اعتادوا على هذه المناوشات الظريفة.. حتى ان سعد البقال ترك محله وخرج يتطلع إليهما ضاحكا:

سعد: صباح الخير يا كابتن مصر منك له.. ما تاخدوا هاف تايم وتنزلوا نتكلم فى الماتش الكبير اللى البلد كلها عايشاه.

وقبل أن يتخذا قرارهما بشأن هذه الدعوة.. تتطلع امرأتان نحوهما وهما تحملان متطلبات المنازل.

الأولى: أهم على كده من ساعة ما سكنوا سوا فى الحتة.. الماتش يخلص وهما يشتغلوا.

الثانية: الواد ممدوح بيقولى يا أمه.. اليوم اللى يعدى من غير مناقرة عم أنور وعم موريس.. احس الحتة ناقصها حاجة.

الأولى: واللى يشوفهم وهما زى الديوك عشان الكورة.. ما يشوفهمش يوم موريس ما تعب وأنور قعد جنبه فى المستشفى يعيط.. وافتكروه اخوه.

الثانية: طب يلا يا اختى.. احسن الجماعة دول موال شرحه يطول.. بس ان جيتى للحق.. دمهم زى العسل.

المشهد الثالث

هنا لابد من العودة إلى الكورنيش حيث يتمشى عيسى ووحيد فى وقار ومودة تبدو واضحة من الأنس المتبادل بينهما.

عيسى: باقولك ايه مش خايف يا ابونا احسن حد من الجماعة اياهم أهل الشر يشوفنا يضربنا رمش.

وحيد: ياريتها تيجى على الرمش.. لكن دول بتوع دم.. بعيد عنك.

عيسى: طيب خبى ديلك يا عصفور.

وحيد: المشكلة انهم مننا وما نقدرش نعرفهم بسهولة بمجرد النظر.

عيسى: عندك حق وصعب تحكم على الناس من أشكالها وهدومها.

وحيد: ما تسيبك من ده كله.. وكلمنى عن خالتى أم عيسى.. وعمى أنور.. بعد ما عزلتوا ورحتم امبابة.

عيسى: هو انت فاكر ان انا اقدر ارجع البيت من غيرك بعد ما لقيتك.. بس احنا خلاص مش هنتوه عن بعض تانى بإذن الله.

المشهد الرابع

نعود إلى الشارع لكن هذه المرة فى امبابة وقد أصبح أنور جدا.. وابيض شعره يمسك يد حفيدته الجميلة ذات السنوات الخمس من راديو المقهى يأتى إلينا صوت المقرئ أبوالعينين شعيشع يتلو القرآن الكريم من سورة آل عمران )الآية ٤٢( "وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ )42(".

صوت القرآن كأنه يظلل الشارع بحركته المعتادة وزحامه الحار.

الجد يأخذ حفيدته إلى شاطئ نهر النيل عند امبابة وقد رمى سنارته فى الماء بينما صوت القرآن يعطر المكان والقارئ يكمل سورة مريم.. وأنور ينظر إلى حفيدته التى تجلس بجواره فى وداعة.

أنور: عارفة يا مريم مين اللى اختار لك اسمك؟

مريم وقد حفظت الحكاية عن ظهر قلب −تكرار الجد لها− ترد عليه بأسلوبها البرىء وهى تعبث فى الموبايل مع لعبة أو فيديو.

مريم: الحكاية يا جدى انك كنت قاعد مع صاحبك اللى اسمه باريس.

أنور: اسمه موريس.. وبعدين سيبى الموبايل واسمعينى.

مريم: يا جدى أنت كل يوم تحكيلى الحكاية دى.

الجد: طيب أنا قلت لك قبل كده ان أبو موريس وأبويا كانوا مع بعض فى ثورة ١٩؟

مريم: قلت!!

الجد: طيب انتى عارفة ان ابوكى لقى صاحبه ابن جدك موريس.. ايه رأيك بقى؟

مريم: :بكل بساطة: وأنا مالى!

الجد: انا زعلان منك ومش هاجيبك معايا تانى وهاتى الموبايل بتاعى.

تصيح بشكل ذكى ومفاجئ: الحق يا جدى السنارة غمزت.

ينظر إلى السنارة فلا يجد شيئا يعود بنظراته إلى مريم التى تهلل.

مريم: ضحكت عليك!!

ينظر إليها مندهشا ثم مسروراً ويسحب سنارته التى تشبك مع سمكة تتلألأ فى ضوء الشمس وتتراقص كأنها تضحك لهما وطيور فى السماء تحلق تشارك فى المشهد البديع.

المشهد الخامس

− عند منطقة الأهرامات.. تجلس مريم حفيدة أنور.. مع مريم ابنة القسيس وحيد وهى فى نفس سنها.. وتكاد تكون هى مع اختلاف الملابس تسريحة الشعر فقط.. انهما تنظران إلى بعضهما كما لو كانت كل واحدة تنظر فى المرآة إلى نفسها.

مريم عيسى: اسمك مريم انتى كمان؟

مريم وحيد: انتى حلوة قوى يا مريم.

مريم عيسى: تعرفى انا أول مرة أشوف الهرم.

مريم وحيد: أنا كتبت عنه موضوع انشا وكسبت جايزة فى الكنيسة

مريم عيسى: هو انتى بتروحى الكنيسة؟

مريم وحيد: كتير وبنطلع رحلات هناك.. انتم ما عندكوش رحلات فى الجامع؟

مريم عيسى: لا.. عندنا صالة بيكتبوا فيها الكتاب مع عم المأذون.

مريم وحيد: أنا عمرى ما دخلت جامع؟

مريم عيسى: وأنا عمرى ما دخلت كنيسة؟

فى ركن من منطقة الهرم اجتمعت أسرة عيسى مع والده وزوجته.. وأم وحيد.. وزوجته.. وقد افترشوا ملاية عليها مأكولات ومشروبات يتكلمون ويضحكون ويأكلون والأهرامات تبدو خلفهم كأنها تحرسهم مع أبى الهول الجد أنور ينادى على الطفلتين.. تنظران إلى بعضهما لا تعرفان على من فيهما ينادى.. تجريان نحوه.. تخفى الواحدة منهم الاخرى عندما تسبقها.. فتصبحان واحدة.

− فى السماء سرب من الطيور يحلق عالياً فى كتلة واحدة.

− عيسى ناظراً إلى وحيد ثم إلى الطفلتين ويقرأ من آل عمران.

"فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )36(".

وحيد يقرأ من الأنجيل.

وحيد: العذراء تحمل وتلد ابنا يدعون اسمه عمانوئيل الذى يعنى عند ترجمته الله معنا: سلام إليك أيها المنعم عليها.. الرب معك مباركة فى النساء.

يختلط صوت عيسى مع القس وحيد وهما يناديان معاً: يا مريم.. يا مريم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة