صورة ارشيفية
صورة ارشيفية


المحمل: ورشة خميس العدس تحولت لـ «مشغل» خيوط كسوة الكعبة

أحمد عبدالنعيم

السبت، 17 أبريل 2021 - 04:46 ص



الملك فاروق احتفظ بكسوة باب التوبة في حجرته الخاصة 
الخليفة عمر بن الخطاب طالب بصناعة الكسوة من قماش الفيوم
حكاية عم صبحي أخر صنايعية المحمل وحاكم بروناي 

عجرود تستقبل «المحمل» بالماء والمبيت 
شجرة الدر صاحبة  فكرة الاحتفال بالمحمل كل عام 
 

ظل الاستخدام الأشهر للهودج فى حمل الأثرياء والنساء ووسيلة ترفيهية حتى جاءت الملكة شجرة الدر التى حكمت مصر ثمانين يوماً بمبايعة من المماليك ليقام احتفال كبير لكسوة الكعبة وتخرج على ظهر الجمال يتقدمها الخيول فى زفة مهيبة واحتفال يليق بالمناسبة ويتحول استخدام الهودج إلى مكان يحمل الكسوة سنوياً بعد صناعتها بالخيوط الفضية والذهبية فى منطقة الخرنفش، المكان المخصص لصناعة وتطريز كسوة الكعبة.

ويعتبر الحاج صبحى أخر من شارك فى صناعة كسوة الكعبة ويعيش الآن على صناعة النياشين والرتب العسكرية، وقد كلف يوما بعمل باب يشبه باب الكعبة تماماً لسلطان بروناوى ويزين دكانه بشهادة شكر موقعة من حاكم بروناوى على دقته و«إيده اللى تتلف فى حرير» ذكرى يحملها عم صبحى ويعيش دائماً على حكايات المحمل التى بدأت حدوتة مصرية وكتب آخر سطر عام 1962.

داخل حى الخرنفش يجلس صنايعية مصر بأنامل وبصبر عجيب على صناعة الكسوة القماش باللون الأسود المميز وان اختلف فى بعض الأحيان (الأبيض.. الأحمر.. الأخضر) ولكن بقى الأسود بعد ذلك بالألوان الذهبية المميزة وتزين بالخطوط والآيات القرآنية وتحملها الجمال وبعد انتهاء موسم الحج تعود مرة أخرى إلى حاكم البلاد ويتم تقسيمها تبركاً على المحاسيب وقد احتفظ الملك فاروق بكسوة باب التوبة 1940 وكان دائم التبرك بها واعتبرها تحفة تلازمه فى حجرته الخاصة.


بعد الانتهاء من غزل الكسوة داخل دار كسوة الكعبة بالخرنفش والتى تأسست 1233 هجرياً والتى يشرف عليها قاضى قضاة مصر ووزير الخزانة العامة، يبدأ الاحتفال بأن توضع على ظهر المحمل يتقدمها حملة الكسوة والخيول المزينة وتصنف الفرق على جانبى الطريق إلى ميدان الرملية قرب القلعة، كانت هناك ورشة خميس العدس لصناعة الآلات الحديدية وقد استبدلت لصناعة مشغل خيوط كسوة الكعبة. 

بداية الحكاية 

أثناء زيارة تبع الحميرى ملك سبأ (تبع أسعد أبوكرب الحميري أو أبوكرب أسعد ويعرف في كتب التراث العربية باسم أسعد الكامل أحد ملوك مملكة حمير اليمنية وأطولهم عمراً) لاحظ أن الكعبة ليس لها باب فأمر بصناعة باب ومفتاح وقام بكسوة الكعبة المشرفة وظل مفتاح الكعبة حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى المفتاح لبنى شيبة تحتفظ به حتى الآن ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه كوصية الرسول عليه الصلاة والسلام بأن (لا يأخذه منكم غير ظالم).. وكسى رسول الله عليه الصلاة والسلام الكعبة من بيت مال المسلمين فى حجة الوداع بالثياب اليمنية المميزة فى تلك الفترة.. وبعد ملك حمير تولى الجد الرابع للرسول عليه الصلاة والسلام أمور مكة ونجح فى جمع القبائل وطالب بكسوة الكعبة سنوياً من أثرياء قريش فى الجاهلية هنا تقدم المخزومى (أبوربيعة عبدالله بن عمرو المخزومى) وكان واسع الثراء له قوافل تجارية تجوب الشام واليمن، وعرض على أهل مكة أن يقوم هو بكسوة الكعبة عام وكل أثرياء قريش عام وأطلق عليه العدل لما قام به وظل المخزمى على وعده حتى وفاته لتتولى قريش كسوة الكعبة سنوياً.

السيدة التى كست الكعبة 

ـ السيدة نتيلة (نتيلة بنت جناب بن كليب النمرية هى زوجة عبد المطلب بن هاشم) زوجة جد النبى علية السلام وأم العباس.. ضاع ابنها فى إحدى القوافل وظلت تبحث عنه كثيراً حتى نذرت أن وجدته أن تكسو الكعبة بالكامل وبأفخر الكساء من مالها الخاص وأراد الله أن تجد العباس صغيراً فكان عليها النذر وقامت السيدة نتيلة بكسوة الكعبة من مالها لتصبح المرأة الوحيدة فى التاريخ التى قامت بكسوة الكعبة فى الجاهلية. 


بقيت كسوة الكعبة سنوياً حتى بعد الإسلام وفى عهد الخلفاء الراشدين، جاء الخليفة أبوبكر الذي أمر بكسوة الكعبة من بيت مال المسلمين أم الخليفة عمر، فقد أمر بكسوة الكعبة من قماش القبط بعد الفتح الإسلامي لمصر ويصنع في منطقة الفيوم من القبط هناك والمعروف بالمهارة والجودة العالية..

ويعتبر الخليفة عثمان بن عفان أول من قام بكسوة الكعبة بكسوتين فوق بعض فكان العمل الأول للكسوة.. وبقى القماش القبط المصري طوال حكم الخلفاء الراشدين حتى جاء معاوية لتتحول قبلة الكسوة إلى الشام من القماش المزين بالنقوش والخطوط والآيات القرآنية وكانت تصنع الكسوة مرتين كل عام ليلة عاشوراء وليلة القدر وهى التقليد الذى استمر طوال حكم معاوية وفي عهد الخليفة المأمون كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة، هارون الرشيد مرتين وظهرت الكتابة على الكسوة منذ بداية العصر العباسي فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعه.

رحلة المحمل 

ـ بعد انتهاء صنايعية مصر بالخرنفش من آخر خيط فى كسوة الكعبة ويكتب الآيات واسم الحاكم ثم ينتظر الجميع تشريفة الخروج، وتبدأ عادة بالجمل الرئيسى الذى يوضع عليه الهودج المصنوع على شكل هرمى يعلوه قبة من النحاس المطلى بالفضة وأربع قباب على كل جانب، ويبدأ الحمالون فى وضع الكسوة الرئيسية وخلفه عدد من الجمال تحمل الكسوة الباقية ويمشى الحمالون وهم رجال أشداء فى زى رسمى واحد على جانبى الطريق ويتسابق كل واحد فى حمل الكسوة يستقبل السلطان ورجال الدولة الموكب وهناك صورة يظهر فيها الملك فؤاد وهو يقبل اللجام الخاص بالجمل ويتسابق الوزراء خلفه فى القيام بنفس الفعل، ويقال إن من يحمل اللجام الخاص بالجمل هو أقدر رجال الشرطة كل عام وفى أحد الأعوام كان شرطى قبطى هو الأقدم، وثار البعض كيف يحمل اللجام رجل قبطى ووصل الأمر إلى حد أن رئيس الوزراء مصطفى النحاس حسم الأمر وقال طب أسألوا الجمل أنت مسلم ولا مسيحى.. وحسم الأمر تماماً وفى عام 1903م، قررت نظارة الداخلية تخفيض أجرة الجمل الواحد لـ11 جنيهًا و500 مليم، وذلك عن السفر ذهابًا وإيابًا من جدة إلي مكة المكرمة فعرفات، وكذلك عن السفر ذهابًا وإيابًا من ينبع إلي المدينة المنورة. قالت إن كل من يريدون مرافقة المحمل الشريف في السفر يكونون تحت رعاية أمير الحج، وفي حماية الحرس العسكري المرافق لقافلة المحمل الشريف، حيث يتكفل أطباء المحمل وصيادلته بمعالجتهم بدون تأخير كلما دعت الضرورة لشىء من وسائل العناية الصحية والإسعاف بالدواء، حددت المرتبات والنفقات للمحمل بمبلغ 47 ألفًا و569 جنيهًا، منها 21 ألف جنيه بدل القمح المعتاد إرساله سنويًا إلى الحجاز وسبعة آلاف جنيه أجورًا للجمال، وإرسال 46 ألف جنيه ذهبًا والباقى فضة، ويؤلف حرس المحمل من نصف الأورطة التاسعة المشاة، وبطارية من المدفعية فيها أربعة مدافع وكتيبة من الفرسان و20 هجانًا من مصلحة الحدود، علاوة على الأطباء والممرضين وغيرهم.  يبدأ المحمل رحلته بشوارع مصر حتى يصل إلى كوبرى قصر النيل وميدان التحرير حتى الطريق الصحراوى ليصل إلى مدينة السويس وفى مدينة عجرود التى أعدها السلطان الغورى ملتقى الحجاج هناك يستريح الجميع ويتزودون بالماء والغلال والمبيت يوم أو بعض الأيام وبعد الانتهاء بالزاد والزواد والشرب من البئر المخصص لسقى الحجيج تستكمل الرحلة، وكان بعض الأمراء كلما مر المحمل على بلدة يرشون أهلها بالأموال بطريقة محببة للبعض وهو التقليد الذى لم يستمر طويلاً.. يستكمل المحمل رحلته حتى يصل إلى الأراضى الحجازية وهناك يتم استقباله من أمير المملكة فى استقبال يليق به ويتم كسوة الكعبة ورفع جزء منها إلى أعلى، قيل إن بعض الحجاج تبرك من الكسوة كان ينزع جزءاً ويحتفظ به.. فكان دائماً ما يرفع جزء من الكسوة بحيث لا يكون فى متناول البعض. 
تنهى رحلة الكسوة ويكتب لها آخر سطر عام 1962 ببناء مصنع خاص لكسوة الكعبة بالسعودية وتبقى الذكرى والحكاية جزء من سيرة الأجداد.

اقرأ أيضا| «كسوة الكعبة».. رحلة حب في كل عصور الإسلام

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة