صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


العز بن عبدالسلام.. أول إمام يرفض علاجه على نفقة الدولة

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 19 أبريل 2021 - 06:42 ص

كتب: محمد الشماع

لم تكن شخصية الشيخ العز بن عبدالسلام في فيلم «وإسلاماه» التي جسدها عباس فارس كاشفة للجوانب الأساسية في شخصية الرجل المهمة في التاريخ الإسلامي.


هو أبو محمد بن عز الدين بن عبد العزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم، الإمام والفقيه والعالم الذي لم يكتف بعلمه فقط، بل كان مقاومًا للظلم والطغيان، والذي كان يخشاه السلاطين والملوك. 


العز مغربي الأصل دمشقي المولد. كان أبوه فقيرًا للغاية، لذا شب الطفل العز على مساعدة أباه في بعض الأعمال الشاقة مثل إصلاح الطرق والتنظيف أمام محلات التجار، وعندما مات الأب ولم يجد من يؤويه، توسط له الشيخ فخر الدين ابن عساكر، للعمل في الجامع الأموي، فساعد الكبار في أعمال النظافة، وكان ينام ليلًا في زاوية بأحد دهاليز الجامع على الرخام.


عاش شبابه في ظروف سياسية مضطربة، حيث انهيار الخلافة العباسية وتكالُب الصليبيين والمغول على الأمة الإسلامية، فجسد العز نموذجاً ربما يكون مختلفاً مثلاً عن نموذج الإمام جعفر الصادق، حيث قدم صورة لعالم الدين الذي يجاهد في سبيل الله.


شارك العز بن عبد السلام عملياً في الجهاد والقتال ضد الصليبيين الذين اتجهوا لاحتلال دمياط وسائر مصر بعد أن وصلوا إلى المنصورة، فيما يعرف الناس موقفه ودعوته الشهيرة لمواجهة التتار، وشحذه الهمم لخوض الحرب ضد الغزاة، وموقفه مع قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك في ذلك الإطار، غير أن هذا الموقف مجرد نقطة في بحر جهاد سلطان العلماء.


وصل العز إلى مصر سنة 639هـ، فلقيه في مصر الملك الصالح أيوب، فاستقبله استقبالاً حافلاً، وأكرمه غاية الإكرام والإجلال، وعيّنه في أعلى المناصب في خطابة جامع عمرو بن العاص وقضاء القضاة.


يوصف الصالح أيوب بأنه كان طموحاً، فعندما أراد أن يُقوِّيَ جيشَه ويَصطفيَ قُوَّادَه ويَحميَ نفسَه، اشترى (من مال الدولة) المماليك الأتراك، واستجلبهم من أواسط آسيا وغربها، ودَرَّبهم على الفروسية والفُتوَّة والقتال، حتى نالوا ثقته، فاتسع نفوذهم حتى صاروا أمراءَ الجيش وقادتَه، وبلغ أحدُهم أن صار نائب السلطان مباشرة، فلما تولى العز منصب قاضي القضاة، اكتشف الخلل في الإدارة والسلطة، وأن القادة الأمراء لا يزالون في حكم الرق لبيت مال المسلمين، ولم يَثبُتْ عند الشيخ أنهم أحرار، وبالتالي فإن الحكمَ الشرعي عدم صحة ولايتهم من جهة، وعدم نفوذ تصرفاتهم الخاصة والعامة من جهة أخرى.

ومع ذلك، فإن العز لم يُشهر بهم، ولم يرفع راية العصيان المسلح عليهم، وإنما بلّغهم ذلك أولاً، وأوقف تصرفاتهم ثانياً، ولم يصحح لهم بيعاً ولا شراءً ولا نكاحاً، وتعطلت مصالحهم بذلك، وكان من جملتهم نائب السلطان، فلما بلغهم ذلك عظم الخطب عليهم، واضطرب أمرهم، واستشاطوا غضباً، وثارت ثائرتهم، ولكنهم كبحوا جماح الغضب، وجاؤوا للعز بالحسنى والمساومة، واجتمعوا به للاستفسار عن مصيرهم في رأيه، فصمم على حكم الشرع وأنه يجب بيعهم لصالح بيت المال، ثم يتم عتقهم ليصبحوا أحراراً، ثم يتولوا تصريف الأمور، وقال لهم بكل وضوح وصراحة: «نعقد لكم مجلساً، ويُنادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي»، فرفضوا واستكبروا، ولم ينفردوا باتخاذ القرار بشأن العز، فرفعوا الأمر إلى السلطان أيوب، فبعث إليه وراجعه، فلم يرجع، فجرت من السلطان كلمةٌ فيها غلظة على العز، وحاصلها الإنكار على الشيخ في دخوله في هذا الأمر الذي لا يعنيه ولا يتعلق به.


وبعد وصول قطز لسدة الحكم في مصر ظهر خطر التتار، فعمل العز على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاتهم، ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرعية للإعداد للحرب، وقف العز في وجهه، وطالبه ألا يأخذ شيئًا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التي تتناسب مع غناهم حتى يتساوى الجميع في الإنفاق، فإذا لم تكف هذه الأموال الإعداد للمعركة، فليفرض ضرائب على الناس، فنزل قطز على حكمه.


كان يدرك أن دور العلماء لا يقتصر على إلقاء الدروس والخطابة وتعليم الطلاب، فاشترك في الحياة العامة مصلحًا يأخذ بيد الناس إلى الصواب، ويصحح الخطأ لهم ولو كان صادرًا من أمير أو سلطان.


رأى أن الأحكام إن لم يمكن استنباطها من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس، فيجب استنباطها بما يحقق مصلحة ويدرأ مفسدة، والعقل هو أداة هذا الاستنباط.


حين بلغ الـ 62، بدأ حياة جديدة، وغير كل ما تعوده وهو صغير؛ فقد ترك دمشق غاضباً وهاجر إلى الله من بغي حاكم دمشق، واستقر في القاهرة، وحينما مرض العز، أمر له الملك الأشرف بألف دينار، فردها الشيخ، ولم يقبلها. 


توفى الشيخ العز في مصر ودُفن في سفح جبل المقطم، وتحديدًا في منطقة البساتين بالقرب من جبانة التونسي.

اقرأ أيضا| هل إجراء مسحة كورونا نهار رمضان يُفسد الصيام؟.. «الإفتاء» تجيب

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة