الدكتور زاهى حواس
الدكتور زاهى حواس


د. حواس واكتشاف المدينة الذهبية (2)

آخر ساعة

الإثنين، 19 أبريل 2021 - 01:09 م

أحمد جمال

فى عدد "آخرساعة" السابق سلّطنا الضوء على المدينة الأثرية التى جرى اكتشافها مؤخراً بالأقصر وتحمل اسم "صعود آتون" أو كما يطلقون عليها "المدينة الذهبية المفقودة"، ويعود تاريخها إلى عهد الملك أمنحتب الثالث، أى منذ ثلاثة آلاف عام، وتحدث خبراء الآثار عن أوجه الشبه بين المدينة التى اكتشفها الفريق البحثى الذى يقوده عالم الآثار المصرى الدكتور زاهى حواس، وكشف آخر قامت به بعثة متحف المتروبوليتان الفرنسى فى ثلاثينيات القرن الماضي.

 

وفى الحلقة الجديدة نحاول الغوص أكثر فى تفاصيل المدينة، التى ستُعيد اهتمامات علماء الآثار حول العالم نحو المدن المصرية القديمة وحياة المصرى القديم فى تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر الفرعوني، وحصلنا على حقائق موثقة من قبل القائمين على البحث الأثرى توضح حقيقة التوصل إلى مدينة مصرية لم يتم اكتشافها من قبل تقع شمال "معبد هابو"، خلافاً لما توصلت إليه بعثة المتروبوليتان فى منطقة الملقطة جنوب المعبد.
وكان رئيس البعثة المصرية الدكتور زاهى حواس، أكد فى 8 أبريل الجاري، أن بعثته عثرت على أكبر مدينة على الإطلاق فى مصر، التى أسسها الملك أمنحتب الثالث، الذى حكم مصر من عام 1391 وحتى 1353 ق.م، وشاركه ابنه ووريث العرش المستقبلى أمنحتب الرابع (إخناتون)، آخر ثمانى سنوات من عهده.
سلخانة «خا» و«تحتمس»
وفنّد حواس، الآراء التى شككت فى كونه أقدم على اكتشاف مدينة أثرية جديدة، مشيراً إلى أن الموقع الذى تم ذكره فى تقرير البعثة الفرنسية يقع غرب معبد "أمنحتب ابن حابو" بمسافة لا تزيد على 30 متراً، وهذا الموقع يقع على حدود المعبد من الناحية الغربية مباشرة، حيث كشفت البعثة امتداد تشكيلات من الطوب اللبن تحت أساسات المعبد، تعتبر امتداداً للمدينة المكتشفة بواسطة البعثة المصرية.
وأوضح، أنه طبقاً للمقال الذى نشرته البعثة الفرنسية بعد اكتشاف المدينة، فإنها لم تذكر اكتشافها مدينة "تحن آتون"، لكنها أشارت إلى احتمال أن تكون جزءاً من قرية أو ورش تعود لأمنحتب الثالث، إلا أن موقع البعثة المصرية يبعد عن المعبد بأكثر من 300 متر، ولم يتم الإشارة إليه فى النشر الخاص بالبعثة الفرنسية.
وأشار إلى أن الإناء الذى أشار إليه بعض المشككين، باعتباره يحتوى على نفس النص المكتوب على الإناء الذى تم اكتشافه بموقعنا دليل على أنهم لا يرتكزون على أسس علمية فى النقد، حيث إن الأوانى الخاصة بالاحتفال بعيد الحب "سد" ذات صيغة متشابهة، وبالطبع سيتم العثور عليها فى قصر أمنحتب الثالث وفى المدينة وفى بعض المبانى الخاصة بالملك أمنحتب الثالث، ولكن رغم ذلك يوجد أيضا اختلاف واضح فى النص بين الإناءين، إذ إن الإناء الذى اكتشفته بعثة المتروبوليتان يذكر أن اللحوم أُعدت فى سلخانة "تحتمس"، بينما الإناء المكتشف بموقعنا يذكر أن اللحوم أُعدت فى سلخانة (خا)، ولكن نظراً لأنهم غير متخصصين لم يكتشفوا الفرق بين الإناءين.
وشدّد على أن الصور القديمة المنشورة فى تقرير البعثة الفرنسية توضح تماما مدى الاختلاف بين هذا الموقع وموقعنا، حيث إن صور البعثة الفرنسية تظهر بها جدران سميكة ضخمة وهذا النوع من الجدران لا يوجد أى أثر له بموقع البعثة المصرية.
وتابع حواس: "لا شك أن الحالة التى تم الكشف عنها للمبانى بموقعنا تثبت أن هذا الموقع لم يمس من قبل، حيث إن اللقى الأثرية والأدوات وأوانى الفخار عُثر عليها فى أماكنها الأصلية وبكميات لم يسبق لها مثيل، كما أن دفنات العصور المتأخرة فى أماكنها ولم تمس ولم يتم تحريكها على الطبقة العليا للمدينة، وهذا دليل قاطع أن الموقع لم يتم عمل أى حفائر به من قبل".
وأشار إلى أن العديد من علماء الآثار الأجانب الذين شاهدوا الكشف ومتخصصين فى هذه الفترة الزمنية، أكدوا صحة الاكتشاف الأثري، ومنهم "فيكى جايسون" من جامعة بركلى بكاليفورنيا، و"سليمة إكرام" أستاذة الآثار بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، و"بيتسى برايان"، رئيسة قسم المصريات بجامعة جون هوبكنز بالولايات المتحدة، والدكتور فكرى حسن أستاذ الآثار بإنجلترا.
اكتشافان مختلفان
من جانبه، أوضح الدكتور عفيفى رحيم غنيم، مدير بعثة الدكتور زاهى حواس بالأقصر، أن اللبس الذى حدث بين الاكتشافين يرجع إلى أن شكل الأثاث الأثرى الذى اكتشفته البعثة الفرنسية فى معبد "أمنحنتب بن حابو" جاء مشابهاً لما جرى التوصل إليه فى مدينة "صعود آتون"، وأن جدران الطوب اللبن التى تأخذ شكل زجزاج متشابهة فى الاكتشافين.
وأضاف: "البعثة أثناء عملها اطلعت على كثير من التقارير المرتبطة بكشف البعثة الفرنسية، ولو كان الاكتشاف القديم جزءاً من المدنية التى توصلت إليها البعثة المصرية، فذلك لا ينفى أن هناك اكتشافين مختلفين، وأن (صعود آتون) لديها امتدادات فى جميع الاتجاهات، ومن المتوقع أن تفتح الباب لمزيد من الاكتشافات الجديدة".
ويرى عفيفى أن حديث البعض عن شكل التقارب فى مبانى الاكتشافين لا ينهض على حقائق تفصيلية، فعلى مستوى طول الجدران فإن الاكتشافات السابقة كان أغلبها لبقايا مدن وطول جدرانها لا يزيد على 30 أو 40 سنتيمتراً، فى حين أن جدران المدينة المكتشفة حديثاً يصل طولها إلى ثلاثة أمتار".
وقد وجدت البعثة المصرية كميات كبيرة من الفخار الملوّن والأختام والتمائم والخواتم، وبحسب مدير البعثة المصرية فى الأقصر، فإنه إذا كان هناك اكتشافات حدثت من قبل فى هذه المنطقة لكان من المنطقى الإعلان عنها، وشدّد على أن هذا الاكتشاف يعد أكثر أهمية للباحثين عن غيره من الاكتشافات التى تتوصل إلى معابد أو مقابر جنائزية، غير أن الموقع المكتشف حديثاً يجسد واقع الحياة اليومية فى مصر قديماً، كما أن المدن السكنية المكتشفة من قبل، وهى قليلة، ليست بنفس حالة "صعود آتون"، ويرجع ذلك إلى أن أبوابها كانت مغلقة بالطوب بعد أن تركها إخناتون مغادراً طيبة إلى تل العمارنة فى محافظة المنيا، وكان يعتقد أنه سيعود إليها مرة أخرى.
وقال إن البعثة الأثرية حينما فتحت أبواب المدينة وجدت مكوناتها موجودة فى أماكنها بما فيها الأدوات الصناعية والأخشاب المستخدمة فى إشعال نيران الأفران، وأدوات الغزل والنسيج وأوانى التخزين التى اعتادوا أن يخزنوا فيها السوائل بعيداً عن الحرارة، لتقدم مثالاً حياً على حياة المصرى القديم فى ذلك العصر.
ويوضح أنه لم تكن لدى البعثة المصرية خبرات طويلة فى اكتشافات المدن السكنية فى العصور القديمة، وذلك بفعل تركز غالبية الاكتشافات السابقة على المعابد والمقابر الجنائزية، كما أن هدف البعثة كان بالأساس الوصول إلى المعبد الجنائزى الخاص بالملك، توت عنخ آمون، وبحسب عفيفى فإن بدء عمل اللجنة لم يكن مبشراً وأن البعثة وجدت معابد جنائزية فى حالة سيئة وشبه منتهية ومنشور كثير عنها فى أبحاث ودراسات سابقة.
وأضاف أن "الدراسات التى أجرتها البعثة على هذه المنطقة أظهرت بعض جدران الطوب اللبن، وكان التوقع فى بادئ الأمر أنها تابعة للعصور المتأخرة أو العصر الروماني، ولم تكن البعثة متحمسة لأهميتها، قبل أن نعثر على إناء فخار يؤرخ لعصر أمنحتب الثالث ثم بدأت تظهر الأفران، وكانت فى شكل غريب بالنسبة للبعثة التى تخصصت فى اكتشاف المعابد والمقابر الجنائزية".
فترة مزدهرة
وقال الدكتور حسين عبد البصير، المشرف على مركز زاهى حواس للمصريات فى مكتبة الإسكندرية، إن أهمية الكشف الجديد ترجع لكونه يكشف حياة المصريين فى فترة مهمة من تاريخ مصر القديم، وهى عهد "الفرعون الشمس" الملك الأشهر "أمنحتب الثالث"، وهو والد الملك إخناتون ويعد الجد الأكبر لفترة العمارنة وهى فترة مزدهرة بالرغم من عدم الاستقرار الذى شهدته نتيجة تغير الديانة من الإله آمون إلى ديانة آتون، وفى تلك الفترة قلب "إخناتون" الحياة رأساً على عقب فى مصر نتيجة قراره بتغيير الديانة.
وأضاف أن المدينة تقع فى موقع جغرافى مهم أيضاً لباحثى الآثار والسائحين، إذ إنها تقع بين معبد أمنحتب الثالث ومعبد رمسيس الثالث فى هانو ويعد هذا ثانى أهم إنجاز أثرى بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون فى عام 1924.
أبحاث جديدة
فى السياق، قال الدكتور فتحى ياسين، مدير آثار البر الغربى بالأقصر، إن أهمية الاكتشاف ترجع لكونه سلط الضوء على تاريخ الأسرة الثامنة عشرة وأسلوب حياة المصريين فى تلك الحقبة، فى حين أن غالبية المدن المكتشفة وهى تعد على أصابع اليد الواحدة، ترجع للأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، ولعل أبرزها "دير المدينة" بالأقصر.
وأكد أن الاكتشاف الجديد يمثل حوالى 30% من إجمالى مساحة المدينة التى من المتوقع أن يكون لها امتدادات من الناحية الغربية والناحية الشمالية، وأن الدراسات المبدئية تشير إلى أن الناحية الغربية قد تحتوى على طبقات أثرية مهمة وقد تكون هناك مدينة سكنية تابعة لعصر لاحق بعكس الناحية الشمالية التى تحتوى بشكل أكبر على المقابر والمعابد الجنائزية، مشيراً إلى أن الخطوة المقبلة ستتضمن البحث عن المواقع الأثرية من الناحية الغربية للمدينة.

 

 

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة