حبوب رمضان
حبوب رمضان


اكتشفها طبيب إنجليزى وأباحها شيخ الأزهر

«حبوب رمضان».. لا تجوع معها أو تظمأ

آخر ساعة

الأحد، 09 مايو 2021 - 10:20 ص

قراءة: أحمد الجمَّال

أميرة المجلات "آخرساعة" لها حكايات مع شهر الصيام وتحفل أعدادها منذ عقود طويلة بموضوعات شائقة، ربما طاولها غبار الزمن، لكنها لا تزال تحمل رائحة العبق، وحين يقع تحت يدك عدد عتيق منها فهو بمثابة كنز يلقى هالة ضوء على مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة، بل وتاريخ مصر عموماً فى ذلك الوقت. وفى السطور التالية نستعرض «كنوز الأميرة» وما فيها من صفحات الماضى الجميل  خلال رمضان من أعوام وأعوام قبل أكثر من نصف قرن من الزمان.

قيل إن الذى استعمل ثلاثة أقراص من هذا النوع بقى لمدة 24 ساعة من دون طعام أو شراب، ولم يكابد عناءً من الظمأ ولا من الجوع. يبدو أن هذه التجربة تجربة غشيمة، ولا يمكن أن يؤخذ بها للحكم لمثل هذه الأقراص أو عليها، فإن عامل الإيحاء أسهم فى نتائجها بحظ كبير، كما أن التحمس للغريب الجديد قد يكون هو نفسه فى هذه الحالة درعاً من العطش والجوع، ولعل مثل الشخص الذى أمتُحِنت فيه الأقراص، لو أعطيت له فى مكانها أقراص من الدقيق محفوفة بمثل هذه الدعاية، لأحدثت فيه نفس الآثار، وما أكثر الذين يمثلون إذا سقوا شراباً زائفاً على أنه نبيذ.

هذه الأقراص هى حبوب "الدكتور هايتز" يبلغ كل منها حوالى عشرة جرامات، وهى فى مثل استدارة القرش، ويقال إنها تحتوى على كافة حاجات الإنسان الضرورية من الفيتامينات والأملاح المعدنية والمواد الزلالية والوقود، مضافاً إليها عقاقير أخرى ترد شعور العطش.

وقد أيدت جريدة "ديلى إكسبريس" كبرى الصحف الإنجليزية، اكتشاف "حبوب رمضان" ونشرت عنها مقالاً باسم "الحبوب الغذائية الجامعة" بتوقيع تشابان بنشر، وعزت اكتشاف هذه الحبوب إلى الدكتور هيلموث هايتز، وهو كيميائى بلندن تخصص فى الأبحاث.

ويقول الكاتب إن مائة طالب طب يعيشون الآن فى قصر منعزل بإحدى ضواحى لندن تحت إشراف عددٍ من الأطباء البارزين يمثلون كافة نواحى التخصص  الطبى، ليقوموا فى أواخر هذا الشهر بامتحان هذه الحبوب، فيقسم الطلبة الذين سيكونون فئران هذه التجربة إلى فريقين: فريق عدده 20 طالباً يختارون بالقرعة، ويرغمون على الصوم عن الطعام والشراب لمدة خمسة أيام، ولا تعطى لهم الحبوب، وفريق يتألف من 80 طالباً يُحرمون من الغذاء والماء، لكن كلا منهم يُعطى 6 أقراص من "حبوب هايتز" كل يوم.. ويرغم الجميع على مزاولة نشاطهم اليومى المألوف من حضور المحاضرات إلى مشاهدة الأفلام الطبية إلى ممارسة الألعاب الرياضية، مع تسجيل أوزانهم، وقياس ضغط دمهم، وامتحان قواهم العضلية والفكرية بانتظام طول الستة أيام، لتقرير مدى كفاءة هذه الأقراص.

ويقول الدكتور هايتز مكتشف هذه الأقراص: "إن فكرة العيش على الحبوب الكيميائية ترددت كثيراً على أذهان البشر، لكن لم يتح لها الامتحان إلى اليوم على مثل هذا النطاق الواسع، وأنا واثق أن ستة من هذه الأقراص ذات الخلاصات الغذائية المركزة كفيلة بصون الحياة والقوة والنشاط والراحة ستة أيام".

ثم يختم الدكتور هايتز حديثه قائلاً: "هذه الأقراص لن تغنى عن الطعام والشراب إلى الأبد، لكنها منجاة من الجوع والعطش والمشقة فى الحروب والأزمات، وعندما يكون قصور الطعام موشكاً أن يودى بحياة كثير من الناس".

وتذكر "ديلى إكسبريس" أن موضع القصر الذى اتُخِذ مقراً للتجربة لا يزال سراً حتى تتم، فراراً من نزوات الفضول، وأن بعض غرف القصر أحيل إلى معامل، وبعضها إلى عنابر لنوم الطلبة، أما الأطباء المشرفون فيعيشون فى جناح مستقل حتى لا يثير عبير مطابخهم شهوات "الجرذان" إلى الطعام.

(يقول كاتب التقرير فى "آخرساعة"): أخشى أن أقول إنه بعد مشاهدة هذه الأقراص التى سمتها "آخرساعة" بـ"حبوب رمضان" أن الحلم الجميل الذى طاف بخيال حوالى 1670 من قراء المجلة أرسلوا إليها يسألون عن الصيدلية التى تباع فيها هذه الأقراص، قد يتمزق  على صخور المعارف الطبية الثابتة عن التغذية حتى الآن. فالإنسان البالغ يحتاج فى حياته ونشاطه العادى لطعام يمده بحوالى لترين من الماء يومياً ونصيب معلوم من الفيتامينات والأملاح المعدنية، وحوالى 2400 سعرة حرارية تعينه على الدفء والنشاط.

ويعرف الطب الآن بعض العقاقير تعرقل إفراز البول من الكلى والعرق من الجلد ـ وتلك مخارج الماء الكبرى من الجسد ـ  ولكنها لا تمنع هذا ولا ذاك، ولا يبعد أن يكون مخترع هذه الحبوب الجامعة، قد استعان ببعض هذه المواد ليحول بين العطش وبين هذه الفئران إلى حين، ولكن فعل هذه المواد مؤقت، وجزئى فى الوقت نفسه، ومن العسير على الطبيب فى معلوماته الحاضرة أن يتصوّر دوام هذا الفعل ستة أيام دون أن يؤثر ذلك أثراً سيئاً فى الجسم والأحشاء.

وقد اكتشف الطب كذلك خلاصات الفيتامينات والأملاح الضرورية، ويمكن أن تُعطى فى أقراص فتكفى حاجة الجسم من هذه العناصر حيناً من الزمن وتقيه كثيراً من أمراض  النقص الغذائي، لكن الشيء الذى يتحدى كل المعلومات الطبية الحاضرة فى هذه الأقراص المزعومة هو الأساس الحرارى للطعام.

إن الوحدات الحرارية اللازمة للجسم تستمد من المواد السكرية والدهنية والزلالية، وهذه المواد تؤلف كتلة طعامنا المعروف من خبز إلى لحم وخضر وفاكهة وبقول، ولكى يحصل المرء على حظه من هذا الوقود يجب أن يتناول يومياً حوالى 300 جرام من خلاصات المواد السكرية و100 جرام من خلاصات المواد  الدهنية و70 جراماً من خلاصات المواد الزلالية لكى يقوم بنشاطه المعتاد.

فإذا كان الأمر كذلك، وكان الإنسان البالغ الوسط يحتاج إلى 470 جراماً من خلاصات هذا الوقود المختلف، فإن من العسير على الذهن البشرى أن يتصوّر كيف استطاع الدكتور هايتز أن يحشد كل هذه المئات من الجرامات فى ستة أقراص لا تزن أكثر من 60 جراماً  إلا إذا كان قد صنع معجزة وحبس الشيطان فى قمقم، وما أقل المعجزات فى هذه الأيام.

هيهات أن تغنى  هذه الحبوب عن الطعام عدة أيام، وإذا أغنت عن الطعام فهيهات أن تغنى  غناءً مطلقاً عن الماء.. إن هذه الأقراص التى أيدتها "الديلى إكسبريس" ليست أكثر من حلم جميل.

< (ذكرت "آخرساعة" فى نهاية التقرير أنها حصلت على ثلاثة أقراص من هذه الحبوب من مراسلها فى لندن، وأن الحبوب لا تزال  موضع التجربة ولا تباع فى أى صيدلة).

(آخرساعة ـ 21 يوليو 1948 )

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة