مختــــار التتش
مختــــار التتش


مختار التتش: أستاذ الأجيال.. وقدوة الأبطال.. ومؤسس مصنع الرجال

آخر ساعة

الأحد، 09 مايو 2021 - 11:51 ص

شوقى حامد

مشوارى فــــــى بلاط صاحبــــــــة الجـــــلالـــة زاخر بالمواقف حاشد بالأحـــــــداث ملــــــىء بالعلاقات مع الكثير من الشخصيات.. لأنه طـــال لأكــثر مــن أربع حقـب زمنيــة.. فقد اسـتحق التســجيل واسـتوجب التدوين.. وعــلى صفحــــات «آخر ساعة» أروى بعضا مـــن مشاهده.

عندما تمكنت القلعة الحمراء من الاحتفال بوضع حجر الأساس للاستاد الجديد بضاحية الشيخ زايد أحسست بالفخر والإعزاز لانتمائى لهذا الصرح الرياضى العريق، وتذكرت الرجالات الأوائل الذين أسهموا فى تربية الأجيال وشاركوا فى تنشئة الأبطال وكانت لهم بصمات عميقة فى وضع الدساتير وترسيخ التعاليم التى تطبقها القيادات ولا يمكن أن تنال منها الاجتهادات.. فالأهداف مـــــوضـــــوعــــــــة والطمـــــوحـــــــــات مصنوعة والقـــــرارات والإجــــــراءات مدروســة وملموسة.. من بين أفضل هؤلاء الأوائل الذين صنعوا هذا التاريخ كابتن الكباتن وأستاذ الأساتدة وكامل الأوصاف والمحاسن الراحل العظيم محمــــود مختــــار التتش.. ورغــــم أننى لم تسعدنى أقدارى وتبهجنى أحوالى وتقودنى أيامى لألتقى بهذه الشخصية الفذة، غير أن ماسمعته عنه من كل من عرفتهم من قيادات ورجالات الأهلى أشعرنى أننى أعرفه حق المعرفة.. فقد كان النموذج المتكامل الذى جمــع بين المواهب والمهارات وبين السلوكيات والأخلاقيات.. كان عملاقا رغم قصره، كان ملهما رغم عفويته، كان فنانا رغم فطريته.. أثبت أن الكرة تُلعب بالأفهام وليس بالأقدام.. أن الساحرة المستديرة لا تخضع إلا للأذكياء القادرين على التعامل معها والسيطرة عليها وإخضاعها لإرادتهم.. بالإضافة إلى كونه قدوة صالحة لكل أقرانه ومثالا يحتذى لكل أترابه وشخصية مهيبة دسمة مفعمة بعزة النفس وأصالة المنبت.

وُلد محمود مختار الشهير بالتتش فى عام ١٩٠٦ لأسرة ميسورة الحال كان، عائلها الطبيب الأول بمستشفى الإسكندرية العام وسرعان ما انتقل والده إلى القاهرة فسكن فى حى السيدة زينب والتحق بفريق مدرسته العريقة السعيدية الثانوية.. ثم التحق بكلية الحقوق وأكمل دراسته بها حتى حصوله على درجة الليسانس.. اكتشفه اللاعب القديم محمود مرعى وقدمه للأهلى الذى سارع بقيده بين صفوف فريق الشباب ولينتقل فورا إلى الفريق الاول  ثم المنتخب الوطنى وظل أساسيا بالفريقين لمدة ١٧ سنة متصلة، وشارك فى ثلاث دورات أولمبية أعوام ٢٤، ٢٨، ٣٦، وتم اختياره كأفضل لاعب بدورة أمستردام بإجماع آراء اللجنة الفنية، ومثل مصر فى كأس العالم بإيطاليا عام ٣٤، واختير ضمن منتخب العالم.. أُطلق على الكابتن محمود مختار التتش المندوب السامى البريطانى جورج لويد، وخلفية هذا اللقب لأن التتش كان نحيل الجسم صغير الحجم قصير القامة ومع ذلك فهو سريع الحركة صاروخى الانطلاق وكان يشبه فى انتقالاته لاعب السيرك الذى  يبهر مشاهديه بما يؤديه من حركات وإبداعات.. وعرض عليه المندوب السامى إيفاده لجامعة كامبردج بانجلترا لاستكمال تعليمه وتمثيل فريق الجامعة غير أنه اعتذر عن عدم قبول العرض مفضلا البقاء بالأهلى ومنتخب مصر.. من الحكــــايات التـــــى  تناقلهــــا المريــدون له أنه هو الوحيد الذى أنزل بفريق منافسه كابتن مصر حسين حجازى هزيمة قاسية وأنه يومها أصاب أحد مدافعى المنافس بالفزع والرعب لأنه راوغه كثيرا فخرج المدافع يحدث نفسه قائلا «أراقب عفريت من الجن وليس آدمى مثلنا»، وتمكن التتش فى ظل هذه الرقابة اللصيقة من إحراز ثلاثة أهداف.. ومن الدروس التى لقنها التتش لكل المحيطين به والمتعاملين معه أنه رفض التكريم  بعد فوز فريقه بهدف أحرزه لأن التمريرة التى وصلت من خلالها الكرة إليه أتته من زميل وكان التتش مراقبا بينما كان زميل ثالث لهما فى وضع أفضل ومنفردا بالحارس.. أما أغرب المواقف التى تُروى عن التتش أنه كان غائبا عن الفريق لمرضه بينما جاء موعد لقاء الأهلى الأول - الأحمر - مع الثانى - الأبيض - وتخوف الكابتن أمين شعير مدير الكرة أن يتفوق الفريق الثانى على الأول لأن هذا التفوق  ضد دساتير وبروتوكولات القلعة الحمراء، فاتفق معه إذا حدث هذا الاحتمال يتم استدعاؤه من على سرير المرض.. وحدث بالفعل هذا التفوق واستُدعى التتش وسارع قبل انتهاء اللقاء بـ٢٥ دقيقة فقط، ورجّح كفة الأحمر بإحرازه هدفين فى آخر اللحظات.. كان التتش نموذجا فى الملعب ومعلما لكل أقرانه.. عندما شعر بأنه لم يعد قادرا على إخراج كل ما لديه من فنون قرر الاعتزال وهو لايزال فى أوج مجده فهرع محبوه لفؤاد سراج الدين باشا رئيس الأهلى  ووزير الداخلية وصديقته كوكب الشرق أم كلثوم التى هددته باعتزال الفن إذا أصر على  هجر الملاعب، غير أنه أصطحبها إلى الملعب وشرح لها كيف تخونه عضلاته فى تنفيذ تكليفات عقله فاقتنعت واعتزل فى هدوء.. بعد اعتراله تقلد كل المناصب الرياضية فهو المدرب والمدير الفنى وسكرتير اللعبة ومدير النشاط الرياضى وسكرتير عام اللجنة الأولمبية وعضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة كرئيس للجنة التخطيط ووكيل الوزارة.. وكان التتش محط أنظار الجميع وموضع ثقتهم وملجأهم لطلب المشورة والنصح.. وعندما عيّنوا أحد رؤساء اتحاد الكرة ولم يكن التتش معجبا بقيادته أرسل له استقالة مسببة بأنه لا يشرفه العمل تحت قيادته.. وأسلم روحه إلى بارئها فى ٢١ ديسمبر عام ١٩٦٥،


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة