محمد البهنساوى
محمد البهنساوى


حروف ثائرة

محنة.. ومنح!!

محمد البهنساوي

الإثنين، 24 مايو 2021 - 06:35 م

من بين ثنايا الألم، يشرق الأمل، وتكتم صرخات الحزن ابتسامة واهنة، وتتوارى مرارة القلق برشفة سعادة، ومن رحم كل محنة ربانية تولد ألف منحة وتظهر نعم توارت بمغارة النكران البشرى.

ومع عودة مقالى بعد شهر من الصيام والتدبر، تتعدد الأحداث الوطنية العظيمة التى تغرى أى كاتب، تمنيه بمتعة السرد وسهولة الإبداع، ولم أكن أرغب فى عرض ما سأخطه بالسطور التالية والتى تبدو تجربة عائلية ذاتية، لكنها عين ولب الشأن العام حاليا، كاشفة لضعف بصيرة الإنسان وأنانيته وجهله وربما كفره بصغار النعم وجلها، وسردها عظة لمن أراد التدبر.

فبعد نسمات ليلة القدر واستعدادنا لاستقبال العيد، سبقه إلينا الضيف الثقيل، نذير الله للبشرية تفيق من سباتها، وبدأ الفيروس يتنقل سريعا بين أفراد عائلتى حتى اكتملت ضرباته للجميع ولازلنا نعانى حصاده المر ونجاهد لمواجهة آثاره التى أفسدت فرحة العيد وأربكت كل شيء لتتبدل الحياة بنا فجأة من حال إلى حال، ورغم إيمانى بأن قدر الله آت لكن الطبيعة البشرية تولد رعبا وفزعا ليس لما ينتظرنى بقدر ما يهدد زوجتى وأبنائى والعجز الشديد عن تخفيف المهم وتأمين القادم من أيامهم.

أيام هى الأثقل، لكن مع شيء من التجرد والتأمل، وتدرك أن نكران تلك المنح وتجاهلها لعقود أشد أنواع التنكر لنعم الله التى لا تعد ولا تحصى، أقلها إننى رغم المحنة التى نعيشها قادر أن أكتب مقالى بموعده واستوعب سطوره وأخط كلماته وأنتقى عباراته.

وأهم منح تلك المحنة أن ندرك زحام النعم التى نرفل فيها ولا ننتبه لها بدءا من نعمة الصحة والستر مرورا بنعم الحواس جميعا من نظر وسمع ومشى وجرى وسعى وحركة ونطق وتفكير، نعمة أن نغفو وقتما نشاء ونغط فى نوم عميق لنستيقظ كيفما شئنا بلا ألم أو نصب، حتى أبسط النعم التى نفعلها تساوى كنوزا كثيرة دون أن نستوعبها، مثلا نعمة التذوق التى تدفعنا لتناول ما نحب من الطعام والشراب وتتدلل بعيدا عما لا يعجبنا مذاقه، ونعمة الشم التى تبعدنا عما يؤذينا ويؤذى غيرنا منا، نرفل متمتعين بأطيب الروائح وحتى أكرهها إلينا إدراكها نعمة كبرى، أن الإصابة بفيروس كورونا وتداعياته يجسد حديث رسولنا الصادق الأمين «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ مُعَافًى فِى جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».

وإذا كان الفيروس قد أصاب كل البشر،  وإذا اعتبرناه نذيرا شديدا للبشر من ربهم، فهل تحصد البشرية النعمة والمنحة الكبرى من هذا الاختبار الربانى، أن نتوقف عن الغدر والحقد والظلم والكذب والقتل والتدمير والسلب والنهب، نتيقن أن هذه الدنيا بكل مفاتنها لا تساوى عند الله جناح بعوضة،  وأن نعيد النظر فى علاقتنا بالله ورسله ورسالاته ونستعد جادين للقائه، غير غاضبين من خير فعلناه بأهله وغير أهله، نادمين عن أذى ألحقناه أيضا بأهله أو غير أهله عازمين ألا نعود للمعاصى وسيئ الأخلاق وأن نسخر ما بقى من عمرنا لخير البشرية وإسعاد البشر منتظرين الجزاء ثوابا وعقابا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهم نجنا جميعا من هذه المحنة ولا تحرمنا منحتها وعظتها وخيرها، اللهم أوزعنا أن نشكر نعمك التى أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحا ترضاه وادخلنا برحمتك فى عبادك الصالحين.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة