طارق الطاهر
طارق الطاهر


اجتماع تأخر 70 عامًا

بوابة أخبار اليوم

السبت، 05 يونيو 2021 - 12:27 م

طارق الطاهر

بعدما فعلت ما عليها واجتهدت، لتكون من العشرة الأوائل فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة دفعة 1949، تقف التقاليد البالية، ضد رغبة الفتاة «عائشة راتب» فى أن تكون قاضية بمجلس الدولة، رغم نبوغها العلمى، ولأن حرفتها القانون، أرادت ألا تصمت عن حقها، فرفعت قضية أمام ذات الهيئة القضائية التى رفضتها، لتسجل هذه الهيئة مرة أخرى اعتراضها فى حكم قضائى، وصفه العلامة والفقية الدستورى البارز عبد الرزاق السنهورى، أحد أهم رؤساء مجلس الدولة عبر تاريخه، بـ «أنها خسرت قضيتها لأسباب سياسية وثقافية ولا يوجد مانع فى القانون المصرى أو فى الشريعة من تولى امرأة لمنصب قضائى»، إلى هذا الحد كانت سطوة تقاليد بالية، لا تستند لمنطق أو شرع، تقف حجرة عثرة ضد حق من أهم حقوق المواطن، أن يختار وظيفته استنادًا لكفاءته.

لم ينل ذلك من مسيرة عائشة راتب، التى حصلت – بعد ذلك– على الدكتوراه فى القانون الدولى من فرنسا، ثم تدرجت فى المناصب الجامعية، لتصبح واحدة من أساتذة القانون المرموقين فى مصر، ولها العديد من المؤلفات الهامة والرائدة فى هذا المجال، وإذا كانت قد فشلت فى أن تصبح أول قاضية فى مجلس الدولة، إلا أنها نجحت فى أن تكون أول سفيرة «أنثى» تعين فى وزارة الخارجية، عندما تولت سفيرة مصر فى الدنمارك (1979 – 1981) ثم ألمانيا (1981 – 1984)، وسبق ذلك تعيينها وزيرة للشئون الاجتماعية (1974 – 1977)، ولأنها متسلحة بالقانون وقيمه النبيلة وللضمير الجمعى، انحازت لـ «ثورة الخبز» التى انطلقت فى الشارع المصرى 1977، وقدمت استقالتها من الحكومة المصرية، داعمة لحقوق المواطنين فى حياة كريمة.

بعد أكثر من 70 عامًا على رفض تعيين عائشة راتب قاضية فى مجلس الدولة، وتنفيذًا لمواد الدستور المصرى، يترأس الرئيس عبد الفتاح السيسى، اجتماع المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الذى يضم وزير العدل ورؤساء الهيئات القضائية ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، والنائب العام، ورئيس محكمة استئناف القاهرة، أى كل القامات الكبيرة فى الحقل القضائى، ليشهد هذا الاجتماع، وبعد 70 عاما من مغامرة الفتاة «عائشة راتب» فى أن تكون قاضية فى مجلس الدولة، انحيازًا كاملًا لقيمة هذه المغامرة، التى تحولت فى هذا الاجتماع إلى واقع ملموس، ليقرر المجتمعون بأحقية العنصر النسائى الالتحاق بمجلس الدولة والنيابة العامة من أول أكتوبر 2021، هذا القرار الذى وصف – بجانب قرارات أخرى – بالتاريخى، يؤكد أننا دولة تسير على الطريق الصحيح لبناء جمهورية جديدة ثانية، يمتزج فيها، تأسيس بنية معمارية متكاملة «العاصمة الإدارية الجديدة» مع إعلاء لقيم المساواة والمواطنة وتطبيق صحيح القانون.

اليوم من حقنا أن نفخر بهذا القرار، وأن نهديه لروح د.عائشة راتب، ولنضال المرأة المصرية، التى حاولت على مر العصور والأزمنة والحقب السياسية، أن تحافظ على حقوقها، وأهديه – أيضًا – إلى القاضيات الجليلات فى هيئة النيابة الإدارية، الذين أثبتوا عبر عقود طويلة، جدارة المرأة فى شغل «المناصب القضائية»، فلهن التحية والتقدير، الممتد لكل طالبة تعلم الآن، يقينًا، أن اجتهادها يجعلها جالسة على كرسى«قضاة مجلس الدولة»، هذا الصرح المهيب الذى يعتبر جزءًا حيًا وفعالًا من تاريخ هذا الوطن.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة