فتح قناة السويس
فتح قناة السويس


بعد إعادة فتحها للملاحة فى 5 يونيو 1975

«آخرساعة» تعبر القناة مع حفيدة ديليسبس

آخر ساعة

الأحد، 06 يونيو 2021 - 10:58 ص

محمد ياسين

فى 5 يونيو 1975 أعيد فتح قناة السويس للملاحة، وشارك فريق من "آخرساعة" فى معايشة هذه اللحظات التاريخية لعبور أول قافلة بحرية للقناة بعد إغلاق دام ثمانى سنوات.. ونشرت المجلة هذه التغطية الصحفية فى عددها الصادر بعد ذلك الحدث المهم بأسبوع واحد وتحديداً يوم 11 يونيو، حيث دوَّنها بقلمه الكاتب الصحفى الراحل محمد وجدى قنديل، وسجلت تفاصيلها عدسات أربعة مصورين هم فاروق إبراهيم وعبدالستار يوسف ومكرم جاد الكريم ومحمود المغربى.. التفاصيل نعيد نشرها بتصرفٍ محدود فى السطور التالية..

كانت لحظة خالدة عندما تجمعت عيون العالم وآذانه ترقب المشهد المهيب لتدفق الحياة فى هذا الشريان الحيوى.. لحظتها تحركت أول قافلة بحرية تعبر قناة السويس وكانت تعلن للإنسانية كلها أن القناة صالحة للملاحة ونظيفة مائة فى المائة.. وأن قناة مصر مفتوحة من أجل السلام.

لحظتها وقف القائد أنور السادات فى مقدمة القافلة يشهد عبورا آخر للقناة بطولها من الشمال إلى الجنوب، بعد أن حقق العبور الأول يعرضها من الغرب إلى الشرق.. وفى هذه اللحظة كان يمسك بمفتاح الخير والسلام ويزيل جميع العوائق ويفتح بوابة الشريان من أجل رخاء البشرية وحضارتها.

من كان يتصور أن يجيء ذلك اليوم؟ كان حلما بعيدا.. بل كان أملا مستحيلا فى وقت ما.. فقد كان الظلام كثيفا واليأس غالبا.. ووصل الصلف والغرور بالعدو الإسرائيلى إلى حد أنه كان يفكر فى اقتسام القناة مع مصر.. وكان أهالى القناة ومن ورائهم شعوب العالم يتطلعون إلى المجرى المهجور الذى يحلق فوقه العتمة والليل الطويل ويتساءلون بينهم وبين أنفسهم، هل انتهى أمر القناة؟.. وهل فقدت أهميتها بمرور الوقت؟ وظلت طبقات اليأس والتمزق تتراكم فوق بعضها، حتى كان العبور للقناة فى 6 أكتوبر (1973) وحدثت المعجزة وانقلبت الموازين وتغيرت خريطة الأمر الواقع التى حاولت إسرائيل أن تفرضها على المنطقة لعدة سنوات.

ثم جاء قرار العبور الثانى للقناة فى 5 يونيو من مبدأ الوفاء للإنسانية، ومن موقع الثقة بالنفس وبالحق، ومن منطق الشجاعة فى مواجهة الأمور وكان القرار ـ فى حد ذاته ـ مفاجأة أخرى لجميع الدوائر السياسية والعسكرية ولكنه تغيير من معان محددة:

> أن مصر صاحبة الحق الأول والأخير فى فتح قناة السويس وإعادة الملاحة إلى هذا المجرى الحيوى، وبحكم سيادتها على أرضها فإنها لا تتعنت فى ممارسة ذلك الحق ولا تتأخر عن الوفاء بالتزامها كعضو فى المجتمع الدولى، ولذلك فإنها تفتح القناة تسهيلا للحركة بين الشرق والغرب وتدعيمها للاتصال بين الشعوب والقارات.

> أن مصر تضع العالم أمام مسئولياته لاستمرار الملاحة فى القناة ومنع العوامل التى أدت إلى إغلاقها من قبل نتيجة للعدوان الإسرائيلى واحتلال الأرض العربية.. ولذلك فإنه لابد من تدعيم الجهود المبذولة لحل أزمة الشرق الأوسط وحتى لا يتسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلى فى انفجار الموقف وتوقف الملاحة مرة أخرى..

> أن مصر قادرة على حماية القناة ـ عسكريا ـ وتعتبر مدنها من العمق الاستراتيجي، وأن المساس بأى موقع أو مدينة على جانبى القناة سوف يقابل بالردع الأشد فى عمق العدو ولذلك فإن القوات المسلحة مازالت قائمة ومستمرة لضمان أن هذه الحماية وتوفيرها تحت كل الظروف وفى مواجهة كافة الاحتمالات.

مضت سفن القافلة الست فى طريقها إلى البحيرات المرة.. وأخذت تشق عباب المجرى وتعيد الحياة إلى الشريان بعد الجفاف.. وعلى الممشى الأمامى للباخرة «سوريا» كان يقف بجوارى السفير الأمريكى «هيرمان ابلتس» سارحا مع خواطره فى الأفق البعيد وقلت له:

«هل ترى السلام وشيكا؟» التفت نحوى وقال من خلال ابتسامته الدائمة: شيء رائع بلا شك ذلك الذى أراه أمامى.. قطعاً أنه يوم عظيم للسلام عندما يفتح الرئيس السادات هذه القناة للملاحة لقد قلت لنفسى وأنا واقف على حالة الباخرة وهى تعبر مدخل القناة: بحق أنك تعيش لحظات تاريخية فى خطوة نحو السلام فى المنطقة.. إنه عمل عظيم للرئيس السادات برغم الظروف الصعبة، وفى نفس الوقت فإنه دلالة على شجاعته وحكمته وبعد نظره.. وهذا هو الشيء الذى يثير التقدير والإعجاب.

وعلى الحافة الجانبية لمحت حفيدة ديليسبس ـ واسمها تونى - وكانت تقف وحدها وفى يدها كتاب من جدها، وكانت تفتح صدرها لنسمات القناة الهادئة وتملأ عينيها من المشهد الأسطورى حينما قدمنى لها الصديق «على أبو السعادات» قبطان الباخرة الذى لم يكف لحظة عن الترحيب بضيوفه وتوفير الراحة لهم طوال الرحلة.. وكانت السعادة تفيض بها وقالت لي:

«لقد حققت أمنيتى أخيراً.. ورأيت الافتتاح الثالث للقناة بعدما عاش جدى الافتتاح الأول منذ 115 سنة.. تصوّر أن أبى وأمى أمضيا شهر العسل فى هذا المكان.. وقد جئت إلى مصر سنة 1969 ولكن القناة كانت مغلقة وكدت أبكى عندما عرفت وقتها استحالة العبور فيها.. وتدور الأيام ويشاء القدر أن أعبرها فى أول قافلة بعد الفتح.

ومرة أخرى تسرح مع ذكرياتها عن جدها ديليسبس ثم تقول: «إنك لا تتصور قيمة العمل العظيم الذى قدمه الرئيس السادات إلى الإنسانية والحضارة بإعادة فتح القناة».

 («آخرساعة» 11يونيو 1975)

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة