د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


وهم اسمه الرضا

الأخبار

الخميس، 24 يونيو 2021 - 08:11 م

فرق كبير بين أن تكون حياتنا جميلة ويعترض هذا الجمال شيء من النقص، ثم تعود إلى جمالها، وبين أن تكون حياتنا سيئة، ويكون الجمال فيها اعتراضا

السبت: بعد الاتفاق

اتفق أحد العمال مع رب العمل على أجر معين إن هو أتم عملا به، وبعد الفراغ من عمله أعطاه رب العمل أقل مما اتفق عليه معه، فما كان من العامل إلا أن أخذ ما أعطاه الرجل، وقال: نعمة ورضا، هذا ما أراده الله لى، وأنا راض، وشكر رب العمل، ودعا له، وقال: تأمرنى يا عم الحاج، وأى خدمة، معك رقمى، وإن احتجتنى فى أى شيء فاتصل بى، فأى دعاء يقبل فى هذا الموقف؟ وأى رضا هذا الذى اعتبره ذلك العامل قناعة، ورضا، ومن قال له: إن هذا ما قسمه الله له؟ معجنة ووهم اسمه الرضا، إن الشرع الذى شرع لتحقيق مصالح الناس جميعا يقول: تحقيق هذه المصلحة بأن يعطى العامل ما اتفق عليه، لا أقل منه، ويتحقق الرضا بالاتفاق، ثم يبلغ الرضا مبلغه حين يتم القبض، فالرضا يتم بالاتفاق، ويبلغ كماله حين يتم قبض المتفق عليه، ويمكن أن يعمل العامل دون أن يسمى شيء من المال، وبعد تمام العمل يعطى العامل أجر مثله، كما يصح عقد الزواج دون تسمية لمهر، وبعد الدخول بالمحروسة تعطى مهر مثلها فى حسبها ونسبها وتعليمها وجمالها، ويصح أن تتنازل لزوجها عن شيء من صداقها، لقول الله تعالى: «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا» فلا رضا إلا حين يتم المتفق عليه، والمؤمنون عند شروطهم، وفى باب المضاربة : الربح على ما اتفق عليه الطرفان رب المال والعامل، للعامل الثلث، أو النصف، وهكذا، أما أن يعطى العامل أقل مما اتفق عليه ثم يدعى الرضا، ويأخذه فهذا وهم اسمه الرضا، وقد لجأ الناس إلى هذا الوهم الذى سموه رضا لأنهم يقولون: وماذا لو لم نأخذ ما أوتينا، إن فلانا هذا لو اعترضنا على عطائه فلن نأخذ شيئا منه أبيض ولا أسود، وإذا شكوناه فلن نأخذ منه حقا ولا باطلا، فما يأتى منه أحسن منه، قولوا هكذا أيها السادة، ولا تتمسحوا بالرضا، فرضاكم هذا غير معتبرا شرعا، قولوا نحن غير راضين لأنا ضعفاء مقهورون، أذلة، نرضى بالفتات، ومن رضى بالفتات فهو مقهور، وليس راضيا.

الأحد: مناخ الرضا

وللرضا مناخ يمكن لأى أحد تصوره، وهو قول الله تعالى :فأما من خفت موازينه فهو فى عيشة راضية، أى مرضى صاحبها الذى من الله عليه؛ فقبله، وتقبل منه، وأدخله الجنة، فصار فى عيشة راضية، والعيشة فى الجنة معروفة، ظلال، وأنهار، وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وحور عين، لم يمسهن إنس ولا جان، هذا مناخ الرضا، لا بؤس ولا حرمان، ولا فقر، ولا حسد، ولا حقد، ولا نكد، هذا مناخ الرضا، فإن قال قائل: ذلك فى الجنة ! فالجواب: والله قد خلق الحياة الدنيا جنة، انظر إلى قوله تعالى: «وفى الأرض قطع متجاورات وجنات» وقوله عز وجل: «لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال» لكن الإنسان بغبائه جعل الجنة صحراء موحشة، بتكاسله، وسوء فكره، وانحراف مزاجه، وقد قال تعالى: «فلنحيينه حياة طيبة» وقال: «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» كل ذلك وغيره فى الدنيا لا فى جنة الآخرة، وحيث جعل الله تعالى الدنيا جنة وارفة الظلال، وقدر فى الأرض أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين، وجعلها ذلولا، وأمرنا أن نمشى فى مناكبها ونأكل منة رزقه، فقعدنا، ولم نمش، أو مشينا الهوينى، والنوم يغلبنا، ثم عدنا بالقليل من الرزق لنقول: من رضى بقليله عاش، وهذا من وهم الرضا، إنما يكون الرضا حقيقة لا حكما، معنى أصيلا، لا مجرد اسم، إذا سعيت قبل الطير، واجتهدت حق الاجتهاد، ثم عدت بالقليل، ساعتها قل أنا راض، واعلم أن الله تعالى لا يضيع عمل العاملين، بل يزيدهم، ويبارك لهم، ويضاعف، فقد قال سبحانه: «ما يفعل الله بعذابكم» لقد بالغنا مبالغة غير مستساغة فى موضوع الرضا إلى درجة أن الناس قد أخذوا يخاطبون ربهم بلسان يدل على أن الله تعالى يضيع عمل العاملين، وحاشاه سبحانه، ألا تسمع قول القائل مخاطبا ربناى تعالى: يارب أنا لا أعرف سبب نكستى ووكستى، وسوء حظى، فأنا المصلى، المزكى المتصدق، التالى للقر آن، الساعى إلى عملى فى جد ونشاط، ولا غلطة عندى، وأحسن معاملة الصغير والكبير، ومع هذا لا أوفق فى عمل، أو كلما تقدمت باوراقى إلى مصلحة ما من المصالح ردونى، ولم يقبلونى، إلى آخر هذه الإسقاطات النفسية المريضة، فلا يمكن أن يكون فى الوجود شخص على هذا النحو، فنحن نصدق الله، ونكذب أنفسنا، وقد قال ربنا تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب»، وقال: «فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى» واتباع هدى الله ليس معناه صلاة ركعتين، وصيام يومين، وأداء عمرتين، وتلاوة سورتين، وإنما مع ذلك أن يجتهد المؤمن فى عمله كل اجتهاد، وكل اجتهاد فى تعبيرى هذا ليس من قبيل الكتابة الأدبية، وإنما هو تفسير قول الله تعالى: «وجاهدوا فى الله حق جهاده» قال المفسرون: معناه بذل جميع الطاقة فى الطاعة، ولايمكن أن يبذل العبد جميع طاقته فى عمل أو عبادة، والعمل عبادته، ولا يوفقه الله،

فإن قيل: لكن هناك ابتلاء يا فندم!

فالجواب يا باشا إن الله تعالى قال فى الابتلاء: «ولنبلونكم بشيء» «قال «بشيء» ولم يقل بكل شيء، وهذا المناجى يدعى أنه لا توفيق ألبتة وهكذا تكتب بالهمزة فوق الألف استثناء من كل ما أوله (ال) فإن همزته همزة وصل، لا يمكن أن توجد هذه الصورة فى واقع الحياة، وتفسير ذلك لا يحمل إلا على المبالغة فى الشكوى، أو أن الشاكى ظالم، يدعى أنه موكوس وكسة حقيقية لم يوكسها أحد من العالمين، كما هو شأننا حين نقول: اللى شفته ما حدش شافه، قل لصاحب هذه العبارة لا هناك من شافه، وأكثر، لكنك لما لاقيت من بأس شديد تظن أن أحدا لم يلق الذى لقيت، فاهدأ، وتعقل واعلم أن ربك ليس بظلام للعبيد، وقد قال وقوله الحق: «إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا» فراجع نفسك تجد أنك لم تحسن، وصدق ربك، وكذب شيطانك، وارم بوساوسه فى أقرب مكان مهجور، واستعن بالله ولا تعجز، وكن على يقين أن الخير فى ركاب المبكرين الجادين، وأن اليسر فى ركاب العسر لكن لا يراه إلا من آمن بقول الله تعالى: «إن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا»
الاثنين: متى يرضى الله عنا؟
والرضا متبادل بيننا، وبين الله ربنا، وكثير من الناس يسأل: متى يرضى الله عنا؟ وما أثر رضاه عز وجل علينا ؟ ومن الناس من يظن إذا ابتلاه الله بشيء أن الله غير راض عنه، والجواب الشافى عن هذه الأسئلة أن الله تعالى يرضى عنا إذا أدينا ما كتبه علينا، لأنه عز وجل جعل رضاه فى طاعته، وقد جاء فى الحديث القدسى قوله تعالى: وما يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينه، ولئن استغفرنى لأغفرن له «وهذا من أثر محبته سبحانه للعبد، أن يصبح العبد عبدا ربانيا، جعل الله تعالى له نورا فى سمعه، وبصره، ويده، ورجله، وكان مستجاب الدعوة، كما كان سعد بن أبى وقاص وغيره رضى الله عنهم مستجابى الدعوة.
وكثير من الناس يظن أن الطريق إلى رضا الله عز وجل عبادة عملية، وتسبيح باللسان، وذكر به أيضا، وهذا خطأ كبير، فالطريق إلى رضا الله ركعتا الفجر، والانطلاق بعدهما إلى العمل، وممارسة تحسينه، وإتقانه، ومسابقة المتنافسين فيه، وقد قال عز وجل: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله» وأنا أقول: إن الصلاة جاءت اعتراضا بين عملين، عمل بدأ قبل صلاة الجمعة، وعمل مستأنف جاء بعد صلاتها، لأن الله يقول: يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، والبيع حركة الحياة، وليس مجرد بيع سلعة من السلع، أى إذا نودى لصلاة الجمعة توقفت حركة الأعمال، وسعى العاملون إلى ذكر الله والصلاة، فإذا قضيت الصلاة عادوا إلى أعمالهم حتى تفرغ طاقاتهم، فيلوذون إلى استراحة أخرى اسمها النوم، والنوم عقب صلاة العشاء، وقد كان الأحناف يرون تأخير صلاة العشاء، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن السمر بعد صلاة العشاء، إلا سمر مسافر بالليل، أوعرسا، أو مسامرة ضيف، أو تلاوة قرآن، أو صلاة، ونحن لا يحلو لنا السمر إلا بالليل، ودخلنا النت، فصار الشات بالليل من أساسيات نشاطنا يقوم عليه الكبار والصغار وينامون عليه، فكيف يقومون مبكرين، وكيف يصبح الطلاب على كتبهم عاكفين، فهل نحقق بذلك رضا الله عنا ؟ أو كيف نظن أن ربنا عنا راض، ونحن نضيع الوقت، الذلا هو عمرنا، وقد علمنا أنه لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم قضاه؟ كما يسأل عن ماله، من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟
وإذا تم رضا الله عن العبد فهل يبتليه؟ والجواب أن الأنبياء قد ابتلوا، ومن هم أقل منهم من الأبرار، وهذا دليل على أن المرضى عنه يبتلى، فلا تحسبن أن الابتلاء دليل على غضب الله وسخطه على العبد المبتلى، لكن كما قلت هناك عدم تدبر لمفردات القرآن الكريم، وقد قال الله عز وجل: «ولنبلونكم بشيء» لا بأشياء، أى كان أمرا مقضيا أن ينقص المال قليلا، لا أن يصبح الإنسان صفرا منه، وأول ما نبتلى به الخوف أى الحرب، شيء من الخوف، لا أن تصبح جميع حياتنا خوفا، أى حربا دائمة، يتوارثها الأجيال، كل جيل من بعد جيل، وأنت إذا قرأت السيرة النبوية العطرة وجدت أن الحرب كانت يوما واحدا، وقد عبر القرآن الكريم بذلك، ألا ترى إلى قول الله تعالى: «ويوم حنين»
وكذلك نبتلى فى نقص الأموال بشيء، معروف فى تاريخنا عام الرمادة، لا أعوام الرمادة، فرق كبير بين أن تكون حياتنا جميلة ويعترض هذا الجمال شيء من النقص، ثم تعود إلى جمالها، وبين أن تكون حياتنا سيئة، ويكون الجمال فيها اعتراضا، أشبه ما يكون بالذكرى، التى سرعان ما تتناسى تلك الذكرى، بهجمة شرسة من المآسى التى نظل عمرنا كله نعالجها، ولكى ننجح فى علاجها لابد أن نفهم معنى الرضا الحقيقى، وهو ألا يكون الرضا معتبرا إلا إذا أنفقنا كل طاقاتنا، وأخذنا بكل الأسباب التى خلقها الله تعالى لنا، وبعدها ننظر فى رضانا هل نحن راضون أم ساخطون، وسوف نرضى بإذن الله ولن نسخط أبدا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة