محمد حسين يعقوب
محمد حسين يعقوب


السقوط المدوى لمخترع «غزوة الصناديق»

«شهادة يعقوب».. تفجر تجار الدين

آخر ساعة

الأحد، 27 يونيو 2021 - 10:25 ص

حسن حافظ

فى مفاجأة من العيار الثقيل خلع الداعية محمد حسين يعقوب، أفكاره السابقة وظهر فى مظهر المتخلى عمّا نادى به وعمل على نشره من أفكار متشددة فى المجتمع المصرى خلال عقود، وحاول أمام المحكمة وتحت القسم أن يظهر بمظهر الداعية الذى يحاول التنصل من ميراث نشاطه الدعوى، الذى نشر التطرف والتشدد فى المجتمع، فجاءت شهادته لتثير موجة من الجدل بين من اعتبر شهادته محاولة للبحث عن النجاة الفردية بالتخلى عن أفكاره، وبين من اتهمه بترديد ادعاءات كاذبة لا تخفى نشاطه ومصادر تمويله، بينما صُدِم طرف ثالث من تراجعه عن كلامه المثبت فى شرائط كاسيت وفيديوهات، لتكون شهادته بمثابة شهادة سقوط لتيار كامل حاول المتاجرة بالدين واحتكار الحقيقة ومخاصمة المجتمع ونشر أفكار التكفير ورفض الآخر.

أدلى يعقوب بشهادته أمام المحكمة فى قضية اتهام 12 إرهابيا بالتورط فى هجمات إرهابية استهدفت رجال الأمن، وتعرف إعلامياً بقضية «داعش إمبابة»، وذلك بعدما قال بعض المتهمين إنهم تأثروا بأفكار مجموعة من شيوخ الدعوة السلفية ومن بينهم محمد حسين يعقوب ومحمد حسان، فتم استدعاء يعقوب للإدلاء بشهادته التى حملت مفاجآت أصابت أتباعه بالصدمة وأيقظت الكثيرين الذين أعطوه مكانة أكبر مما يستحق، فجاء السقوط مدوياً.

يعقوب قال أمام المحكمة «أنا لا أفتى، وعندما يوجه لى سؤال، أقول: اسألوا العلماء»، نافيا عن نفسه صفة العلم وأن يكون متخصصا فى الفقه الإسلامى، وقال إنه يحمل دبلوم دار المعلمين، وهى شهادة لا تسمح لحاملها إلا بالتدريس فى المدارس الابتدائية فقط، وشدد على أنه يخاطب من وصفهم بـ«العوام»، ولا علاقة له بالملتزمين وطلبة العلم، وأن كل ما يقدمه هو مجرد اجتهادات شخصية بناء على ما يقرأه، وأن ولى الأمر هو رئيس الجمهورية، وردا على سؤال القاضى بأن الجماعات الإرهابية تقول إن مصر لا تنفذ الشريعة الإسلامية، قال يعقوب «هذا الكلام خطأ شكلا ومضمونا»، وهاجم تنفيذ العمليات الإرهابية ورفض عدها من باب الجهاد، وأن لا علاقة له بالسياسة.

بدا من شهادة يعقوب أنه يحاول التراجع عن أفكاره التى اعتنقها شباب مارس الإرهاب والقتل حتى لا يجد نفسه متهما معهم بتهمة التحريض على العنف، لكن الفتاوى الكثيرة التى أطلقها فى مناسبات مختلفة تكشف كذبه، فبالتوازى مع فض قوات الأمن اعتصام رابعة، ظهر يعقوب ومعه محمد حسان فى ميدان مصطفى محمود بالجيزة، وقال يعقوب الذى زعم أن لا علاقة له بالسياسة، لأنصار الإخوان: «دماؤنا دون دمائكم.. سعينا بكل ما نملك من إصلاح وحقن للدماء... لكنى جئت لكم اليوم فى اعتصامكم لأقول لكم إن دمى يسبق دماءكم... ونقول لمن سيفض الاعتصامات لن تُفض الاعتصامات وستستمر كما هي»، ومن قبل شارك يعقوب فى تحويل الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 2011، إلى معركة على الإسلام، وقال مقولته الشهيرة: «قالت الصناديق للدين نعم»، ووصفها بـ«غزوة الصناديق»، ووصف معارضى التعديلات بـ«أهل البدع»، كما لم يتم بعد فتح ملفات يعقوب عبر التربح من بيزنس العمرة والحج، وما كسبه من الخطب والظهور الإعلامى رغم أنه غير مؤهل على حد اعترافه.

الغريب أن محمد يعقوب ومن حوله، لجأوا إلى حيلة غريبة لمنع الناس من الاطلاع على حقيقة أفكاره، ففى خطوة مفاجئة أغلق موقعه الإلكترونى، كما أغلق قناته الرسمية على موقع «يوتيوب»، فى خطوة لا تفسير لها إلا أنه والمقربين منه رأوا أن بقاء الخطب القديمة وكلماته ورسائله سيتم الرجوع إليها والكشف عن تناقضات خطابه ومدى كذبه أمام المحكمة وتحت القسم، وأن ما ردده من ادعاءات أمام المحكمة لا علاقة له من قريب أو بعيد بالحقيقة التى تثبتها هذه الخطب المسجلة بالصوت والصورة، وتثبت أن يعقوب حرَّض فى مواقف كثيرة ضد المجتمع ومارس السياسة بدعم مباشر وصريح لجماعة «الإخوان» الإرهابية وحرّض على العنف وكراهية الآخر، فعن أى اعتزال للسياسة وخلطها بالدين يتحدث حسين يعقوب؟!

من جهته، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، لـ«آخرساعة»، إن أفكار يعقوب لا تعبِّر عن صحيح الإسلام، وكل ما يردده هو وممثلو تياره، كذب على نبى الإسلام، وأضاف: «هذا هو ديدن خوارج الزمان وفكرهم سواء كانوا سلفية أو إخوان أو شيعة أو دواعش ــ بحسب تعبيره ــ وأن المواطن حسين يعقوب ادعى كذبا أن المنهج السلفى ينسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه والتابعين وتابعى التابعين رضى الله عنهم، وهذا على خلاف الحقيقة».

وأوضح كريمة افتراءات السلفية قائلاً: «مثلا التقسيم الثلاثى للتوحيد بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، هذا لم يرد فى قرآن رب العالمين ولا فى سنة رسول الإسلام ولا فى أقوال الصحابة، كذلك إسكانهم لله تعالى فى السماء فى حيز مكانى حسى هذا على خلاف القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله﴾ (الزخرف: 84)، وقال جل شأنه: ﴿وهو معكم أينما كنتم﴾ (الحديد: 4)، ثم نجد أن المواطن يعقوب يدعى أن أدبيات السلفية ترجع إلى عصر السابقين من المسلمين، وهذا خطأ، فمثلاً السلفية يكفرون والدى رسول الله، ويحكمون عليهما بدخولهما النار، ويعادون آل بيت رسول الله، والسلفية يتساهلون فى التكفير.

وتابع أستاذ الفقه المقارن: «كما تحمل السلفية الجهادية السلاح على المجتمع، فكيف ننسب التفكير والحكم على الناس بالشرك والفسق والجهل، وينسب كل هذا زورا وبهتانا إلى النبي؟ لذا أطالب بمحاكمة المواطن محمد حسين يعقوب بتهمة ازدراء الدين الإسلامى، هو ورموز السلفية، ولعل الدولة بأجهزتها المعنية تعيد حساباتها فى التعامل مع الملف السلفى بموضوعية وواقعية ودون أنصاف الحلول».

بدوره قيّم الشيخ نبيل نعيم، أحد مؤسسى جماعة الجهاد والخبير فى الحركات الإسلامية، شهادة يعقوب  قائلاً لـ«آخرساعة»: «من الواضح أن الشيخ يعقوب ذهب إلى محام وأخذ بنصيحته من أجل صياغة كلامه بما لا يضره، ومن الواضح أنه أخذ بنصيحة المحامى ولم يراعِ منزلته وتأثيره فى الناس فكانت النتيجة سقوطه جماهيرياً، وكان من باب أولى أن يدافع عن فكره وسلفيته، ولا يتبرأ منها، لكنه سقط سقطة قوية جداً»، لافتا إلى أن سقطة يعقوب ستؤدى إلى تأثيرات واسعة فى شباب التيار السلفى الذى سينقسم إلى قسمين، الأول تحصل له صدمة ويترك الأمر وينصرف، والثانى يحاول أن يلتقط أى تبريرات من أتباع الشيخ يعقوب ويرددها وأن يجد أى مبرر له، لكن فى النهاية الحصيلة واحدة وهى أن الشيخ يعقوب فقد المصداقية فى نفوس الناس».

فيما علّق الشيخ خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على شهادة يعقوب، قائلاً فى برنامجه التلفزيونى «لعلهم يفقهون»: «بتاع دبلوم المعلمين رايح المحكمة يقول إحنا بتوع الصلاة على النبى، لا إنت بتاع غزوة الصناديق، جاى تغسل إيدك دلوقتى، وتتبرأ من فتاوى خربت البلد... جاى النهاردة تقول حزبية بغيضة؟ أمال غزوة الصناديق دى إيه؟ انتظروا المزيد والمزيد من سقوط هذه الأوثان البشرية التى خربت ودمرت المجتمع والبلد».

واستشهد الجندى بقوله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ  وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ (البقرة: 166-167)، ليؤكد أنها تنطبق على مضمون شهادة يعقوب الذى سارع للتخلى عن أنصاره.

وتقدم المحامى هانى سامح، ببلاغ إلى النائب العام المستشار حمادة الصاوى، ضد حسين يعقوب، استنادا لشهادة الأخير أمام المحكمة، والتحقيق فى كيفية ممارسته الخطابة والدعوة رغم كونه حاصلا على دبلوم المعلمين، وشدّد البلاغ على تربح يعقوب من ممارسة الدعوة وبيع الخطب وإعلانات الفضائيات وقبول هدايا وتبرعات المريدين، رغم كونه ممنوعاً رسميا من الخطابة، وكذا شهادات أقرانه من الإرهابيين وأبرزهم صديقه الإخوانى محمد عبدالمقصود فى أن يعقوب يستغل دروسه فى الزواج من العذارى الصغيرات، وطالب البلاغ بالتحقيق مع يعقوب لممارسته الدعوة بدون ترخيص كما هو ثابت بشهادته فى قضية «دواعش إمبابة» ولإضلاله الشباب ونشر المنهج المتطرف.

من جهته، قدم اللواء محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، وصفا سيكولوجيا لطبيعة شهادة يعقوب من خلال خبرته فى التعامل مع هذه النماذج قائلاً: «هذه طبيعة العناصر المحرضة على العنف والكراهية، إذ تملأ الدنيا صراخا وعويلا وعند المواجهة وعندما يشعر أنه فى خطر يغيِّر النغمة وتراه يدّعى أن هذه الأفكار لا تعبِّر عنه وأنه داعية سلام، لذا فشهادة يعقوب تأتى فى ضوء هذا الفهم للغة المراوغة التى يعتنقها هو وأمثاله من الذين يفضلون مخاطبة العقول البيضاء الفارغة وينسحبون من مواجهة من يقرأ ويفهم ويجادلهم بالأدلة والآيات القرآنية».

وأشار نورالدين إلى أن «لهجة يعقوب تغيرت تماما عندما وصل الإخوان للحكم وظن هو وتياره أن الجماعة ستظل فى الحكم 500 سنة، لكنها لم تستطع الاستمرار لمدة عام واحد، وانقلبت لهجتهم من التحريض إلى ما يمكن وصفه بـ«جر ناعم»، وتغيرت اللهجة العنيفة المحرضة والقائمة على الاستعلاء إلى لغة انسحابية تتبرأ من الأفكار السابقة وتدعى غير ما تبطن، وهذا دأبهم باستمرار وليس جديدا عليهم». وشدد على أن خطابهم فى حقيقته يدور حول الجنس والمال والنساء، وأن الميزة الوحيدة لسنة حكم الإخوان أنها كشفت هذا التيار وأسقطت ورقة التوت فكشفت عورتهم أمام الجميع.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة