ثورة 30 يونيو
ثورة 30 يونيو


المواطن.. بطل سنوات التحدى والإنجـاز

آخر ساعة

الأحد، 27 يونيو 2021 - 11:49 ص

حسن حافظ

لم تكن سنوات ما بعد ثورة 25 يناير 2011 سهلة، فمرت البلاد بكثير من التحولات والتغيرات والأيام الصعبة، وصولا إلى ثورة 30 يونيو 2013، التى عرفت البلاد بعدها موجة جديدة من عدم الاستقرار، بالتوازى مع أزمة اقتصادية زادتها الأيام صعوبة، فبدا أن كل شيء على وشك الانهيار، وبدأ الحديث عن أن مصر ستنزلق للهوة التى سقطت فيها عدة دول مجاورة، لكن العامل الحاسم الذى غير المشهد وحسم الموقف وعكس عقارب الساعة، كان هو المواطن المصري.

لا شك أن البطل الحقيقى فى السنوات العشر الماضية هو المواطن المصري، فقد صبر على سنوات المحنة وأصر على خوض غمار التحدى والخروج من الأزمة والتغلب على المحنة، والثقة التى لا حدود لها بقيادته، فكان المصريون خلف قيادتهم فى سنوات الخروج من عنق الزجاجة.

مشاهد خمسة رئيسية كشفت عن معدن الشعب المصرى الأصيل، قدرته على تحديد الهدف وإدارة الدفة بعيدا عن مخاطر كانت قادرة على أن تجر سفينة الوطن فى أعماق الفشل، عرف المصرى بميراث حضارى يسكن فى تلابيب خلاياه، أن المحاولات التى ترفع شعارات براقة هى المسيخ الدجال بعينه، تدعو الناس إلى نعيم وهمى يقود إلى الجحيم وينهى دولة هى مركز الشرق الأوسط كله، كان المشهد الأول متمثلا فى التفويض الشعبى للجيش وقياداته لمواجهة الإرهاب والمخططات التى تحاك ضد مصر، وثانيها التفويض الاقتصادى بدعم مشروع قناة السويس الجديدة فى مشهد أبهر العالم، ثم المشهد الأبرز بصبر المصريين على الإجراءات القاسية للإصلاح الاقتصادى بما فى ذلك تعويم الجنيه، وتجلى المشهد الرابع فى تأييد واضح لمشروعات التنمية التى لا ينكرها إلا جاحد، وجاءت الخطوة الخامسة والأخيرة بتجاهل المصريين لدعوات مشبوهة بالثورة والعودة للشارع، بما أكد أن الشعب حسم قراره ولم تعد تنطلى عليه الخدع ومحاولات الوقيعة، وأنه خلف القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى من أجل تحقيق هدف واحد، وهو إعادة بناء وطن يحتاج إلى جهود عظيمة ليخرج من مأزق مشاكل وأزمات متراكمة لم يتم التعرض لها على مدار عقود طويلة، من أجل الوصول إلى لحظة يعيش فيها المصرى بكرامة وعزة، وهو ما آمن أنه لن يتحقق إلا بالتكاتف والعمل لخلق واقع أفضل ظنه البعض فى خانة المستحيل، لكن شمس النهار الجديد بدأت فى الشروق على حياة المصريين.

وعى غالبية الشعب المصرى سبق الجميع ورسم الطريق، لم ينخدع بمحاولات جماعة "الإخوان" لسرقة ثمرة ثورة يناير، فقام بثورة يونيو وألقى بالجماعة من سدة الحكم، ثم وضع ثقته فى قيادة البلاد، وأعلن عن تفويض شعبى فى 27 أغسطس لمواجهة الإرهاب والمخططات التى كانت تحاك ضد مصر لجرها لفوضى تنهى الدولة ومؤسساتها وتعود بالبلاد إلى عصور الظلام، فكان مشهد خروج المصريين المليونى أول إشارة عن رغبة حقيقية فى انتخاب قيادة وطنية تكون قادرة على مواجهة التحديات القاسية التى تواجه البلاد، فى مواجهة مليارات تدفع من قوى إقليمية من أجل جر مصر جرًا إلى فوضى الحرب الأهلية انتقاما من شعب خلع "الإخوان" التى ثبت خيانتها للمجموع الوطني.

ظهر معدن الشعب المصرى بوضوح عندما طلب الرئيس عبد الفتاح السيسى من المصريين الاكتتاب من أجل تمويل حفر قناة السويس الجديدة فى سبتمبر 2014، وعلى الفور ظهرت الطوابير أمام فروع البنوك المصرية، كان الإقبال أسطوريا، لم يتوقع أحد أن يكون اندفاع المواطن المصرى بمثل هذه الحماسة، خلال ثمانية أيام فقط تم جمع 64 مليار جنيه، تحت مسمى شهادة استثمار قناة السويس الجديدة ذات العائد 12.5%، لكن المغزى والرسالة وصلت للجميع بأن المصريين يقفون خلف القيادة السياسية ويعطونها تفويضا اقتصاديا لمواجهة التحديات والبحث عن طريق للخروج من تداعيات سنوات الثورة التى عززت من حدة الأزمة الاقتصادية.

أعطى المواطن المصرى درسا عظيما فى تفهم قرارات صعبة وقاسية، عندما استوعب إجراءات الإصلاح الاقتصادى المعلنة فى نهاية العام 2016، وهى إجراءات ضرورية لإطلاق عجلة الاقتصاد المصرى المعطلة منذ 2011، وتوقعت منابر لا تتمنى الخير لمصر أن تؤدى القرارات غير الشعبية بما فيها من تعويم الجنيه، أن تؤدى إلى ثورة جياع واندفاع الملايين الغاضبة ضد هذه القرارات، لكن المفاجأة التى أذهلت الجميع تمثلت فى أن الشعب الذى يدرك خطورة اللحظة وصعوبة الأوضاع وضرورة مواجهة مشاكل متراكمة منذ عقود، فصبر وقرر مواصلة العمل لتحقيق واقع أفضل وضمان مستقبل نتخلص فيه من الكثير من العشوائية ومظاهر الفقر، وهو الموقف الذى أعلن الرئيس السيسى أكثر من مرة احترامه وتقديره له، ووجه الشكر غير مرة للشعب الذى صبر على قسوة الإجراءات الإصلاحية لإيمانه بأنها الطريق الوحيد لإنقاذ الاقتصاد المصرى من أزمته.

لم يقتصر الصبر المصرى على تداعيات الإجراءات الاقتصادية الإصلاحية، فلم تكد عجلة الاقتصاد تدور حتى تعطلت بسبب تفشى فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) فى العالم، فعزز من تباطؤ الاقتصاد العالمي، ووجه ضربة قاصمة للسياحة العالمية وبالتالى لقطاع السياحة المصرى أحد أهم مداخيل العملة الصعبة للاقتصاد المحلي، لكن رغم استمرار الأزمة إلا أن الاقتصاد المصرى أثبت كفاءة واستوعب الأزمة، بحسب الدكتور يمنى الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس، التى قالت لـ"آخر ساعة"، إن الاقتصاد المصرى نجح فى عبور أزمة كورونا بأقل الخسائر.

وأشارت الحماقى إلى أن الاستمرار فى المشروعات القومية والبنية التحتية مع تقديم منحة للعمالة غير المنتظمة، أدى لمنع حدوث حالة ركود فى السوق المصرية، ما ساعد فى امتصاص صدمة كورونا، وهو ما كشف أن الإصلاح الاقتصادى الذى بدأت فيه مصر منذ 2016، كان خطوة موفقة مكنت البلاد من استيعاب المتغيرات الحادة، ما تجلى بوضوح فى تحقيق الاقتصاد المصرى معدلات نمو إيجابية لينضم لمجموعة قليلة من الاقتصاديات العالمية التى حققت نموا فى ظل انكماش الاقتصاد العالمي.

التماس المواطن تحقيق إنجازات ضخمة فى زمن قياسى فيما يتعلق فى بنية الطرق والكهرباء وشبكات الصرف وبناء المدن الجديدة، وافتتاح المصانع واستصلاح الأراضى الزراعية وإلغاء مصطلح العشوائيات بتوفير سكان آدمى لسكانها بعد إخضاعها للتطوير، كل هذا فجر طاقة الأمل فى غد أفضل، لذا لم يكن غريبا أن يتجلى المشهد الرابع فى مصر الجديدة فى الحديث لأول مرة عن إنجازات ملموسة هنا وهناك، وسرعة التعاطى مع أزمات المواطنين فى مختلف المجالات، مع التسليم أن هناك الكثير من الأزمات المزمنة والتى تحتاج إلى الكثير من العمل، لكن الشعور العام بأن هناك إرادة بأن تكون الحكومة فى خدمة الشعب كحقيقة وليس شعارا.

ولم يكن غريبا أن يشعر المواطن المصرى بأن ما يتحقق على الأرض يزعج أعداء الوطن، الذين يريدون جر البلاد جرا إلى الفوضى، لكن هذه المحاولات التى قادها ممثل فاشل وتنظيم إرهابى تتلقى فلوله الأوامر والأموال عيانا بيانا من قوى إقليمية، تحطمت سريعا على صخرة الشعب المصري، الذى أدرك درس الثورات جيدا، وأن ليس كل من يرفع شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية يريدها حقا، بل أنه لافتات تخفى رؤوس الشيطان التى تسعى للانقضاض على الوطن بعد تدمير مؤسساته، فجاء المشهد الختامى برفض المصريين لدعوات التظاهر المشبوهة التى لا تخفى أهدافها الشيطانية، وهو موقف يرى فيه الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تأكيدا عميقا على مدى وعى الشعب المصرى واستفادته من الثورات التى مر بها خلال السنوات الماضية، فضلا عن تعلمه من الثورات التى تحولت إلى حرب أهلية فى عدد من البلدان العربية المجاورة.

وتابع صادق لـ"آخرساعة": "الشعب المصرى أدرك جيدا أن تغيير الوضع لن يكون إلا بالعمل، وأن الثورة دورها انتهى ولم تعد طريقا يمكن الاعتماد عليه فى تغيير الأوضاع للأحسن خاصة أن التجارب السيئة للثورة من أجل الثورة فى المنطقة العربية خير شاهد على هذا الأمر"، لافتا إلى أن عدم الالتفات الشعبى للدعوات الداعية للثورة أو التظاهر يؤكد على مدى الوعى الذى وصل إليه جموع المصريين من ناحية، والثقة التى بات يتمتع بها النظام السياسى فى الشارع من ناحية أخرى، وذلك كله بعد أن شعر المواطن بالتحسن الحاصل على الأرض فى مختلف المجالات.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة