مفيد فوزي
مفيد فوزي


يوميات الأخبار

سلامة موسى قال للمرأة: أنت إنسان قبل أن تكونى أنثى!

الأخبار

الأحد، 27 يونيو 2021 - 08:16 م

بقلم/ مفيد فوزي

كونى انسانا كما انت امرأة ولكن لا تقتنعى بكونك انثى زاهية الملابس، مصففة الشعر، تتمخطرين بالذهب والماس

نهار بعيد..
أتذكر تفاصيله. كان «إسماعيل الحبروك» رئيس تحرير الجيل زمان يقدمنى لكامل «بك» كامل الشناوى. كنت أكتب الأخبار بصياغة أدبية وهذا ما لفت نظر كامل بك. ولم يكن لى مكتب فكنت أجلس فى صالة أخبار اليوم بجوار رجل عجوز لكنه كان يتمتع باحترام واجلال. كنت أتدرب فى آخر ساعة مع زملاء آخرين وكان المسئول عنا الصحفى الكبير صلاح هلال، وكان صموتا! ذات مرة سألت عن الرجل العجوز الذى يتقرب منه كبار محررى آخر ساعة وبعض رموز أخبار اليوم وعرفت أن اسمه «سلامة موسى». وادهشنى ان ليس له مكتب وعرفت أن ذلك بناء على طلبه وانه يفضل الجلوس وسط الشباب. قال لى: أين مكتبة أخبار اليوم: اذهب إلى الفجالة وهو من أحياء القاهرة المشهورة بالمكتبات واسأل عن كتبه وهى رخيصة الثمن: «عقلى وعقلك أو هؤلاء علمونى». فى اليوم التالى سألت عن رقم الترام الذى يذهب إلى حى الفجالة ونجحت فى العثور على المكتبات التى تتجاور وكأنها «بتونس بعض»!


سألت عن كتب سلامة موسى باهتمام، فأجابنى صاحب المكتبة بسؤال: انت عايز كتاب المفكر سلامة موسى؟ وقلت بجدية: نعم!
وبالفعل ذهبت إلى البيت وكنت أعيش سنوات الجامعة عند خالتى فى شارع رائف بالترعة البولاقية. كانت لى غرفة خاصة هى كل عالمى وكان للحجرة مفتاح. وقد سهرت أقرأ عقلى وعقلك لسلامة موسى ولاحظت انه يكتب بصيغة مباشرة ولا يستخدم بإفراط الاستعارات أو التشبهات. ذات مرة تعرفت على الرسام مصطفى حسين الذى قدمنى لأحمد رجب وسألني: مكتبك فين؟ وشاورت. «أنا أجلس بجوار هذا الرجل! وصاح أحمد رجب كعادته: سلامة موسى جامعة لوحده! وبالطبع شعرت بالسعادة لأنى عندما جلست بجوار المفكر سلامة موسى بادلنى الحوار فاستخدمت أحد مصطلحاته فى كتابه «عقلى وعقلك» وانفرجت اساريره وسألنى: هل قرأت كتابى عقلى وعقلك؟ قلت بحماس وعندى ثلاث اسئلة قال بأدب جم: وأنا اسمعك! قلت: هل العقل جينات أم يتغذى بالمعرفة. والسؤال الثاني: هل العقل هو المخ؟ والسؤال الثالث هل العقل يلقن العاطفة بدروس فى المنطق؟ أخد سلامة موسى يتفحصنى جيدا بإعجاب وأجاب عن الاسئلة التى كانت فيما أعتقد تبشر بمحاور مبكر..! لكن العلاقة مع المفكر الكبير سلامة موسى توطدت وتعمقت وأصبحت متعة العمر أن اجلس فى مجالسه. هنا فى أخبار اليوم أو فى جمعية قبطية هدفها التثقيف. صرت أدمن الاصغاء لكل ما يقوله سلامة موسى!

***

وحين رحل سلامة موسى بكيته بحرقة واتذكر أنى عصر ذلك اليوم الحزين ذهبت إلى حى الفجالة واشتريت بقية مؤلفات سلامة موسى وعند زيارة خاصة من عبدالحليم حافظ لى فى بيتى بشارع الروضة وقد جاء مهنئا لى بعودتى للعمل بعد «فصلى» فى الحقبة الناصرية بسبب مقال. وكان لعبدالحليم موقف لا انساه أمام السيد صلاح نصر مدير المخابرات.

المهم لاحظ عبدالحليم أن كتب سلامة موسى على أرفف مكتبة خشبية. وطلب منى عبدالحليم أن تكون كتب سلامة موسى نواة لمكتبته فى بيته بالعجوزة قبل أن يذهب ليعيش فى الزمالك مع أخته علية وفردوس بنت خالته وشحاتة زوجها أما الجانب الآخر من المكتبة فكتب لإحسان عبدالقدوس ودواوين شعر لصلاح عبدالصبور وكتب من اهداء مصطفى أمين وأنيس منصور! وبالفعل اهديت «حليمو» كما اناديه 7 كتب لسلامة موسى.

فرح بها عبدالحليم وقرأ كتاب «هؤلاء علمونى» ثلاث مرات، حيث يحكى سلامة موسى تجارب ذهنية لأسماء كبيرة فى الفكر يقول عنهم سلامة موسى «هؤلاء كان لهم الفضل فى تكوين رؤيتى ونظرتى للحياة».
وفى عام ما، شب حريق محدود فى شقتنا وكنت متزوجا والتهمت النيران بعض الشرائط الاذاعية المهمة وبعض الكتب.. الكتاب الوحيد الذى كتبت له النجاة من كتب سلامة موسى هو «المرأة ليست لعبة الرجل» ولاحظت خطابا بخط سلامة موسى يبدو انى احتفظت به وكتبت له النجاة من الحريق، يكتب فيه: على المرأة أن تحيا لنفسها أولا ثم لمجتمعها وزوجها وابنائها. كما على الرجل أن يحيا حياته مثل المرأة لنفسه أولا ثم لمجتمعه وزوجته وأبنائه.

والرجل لا يتخصص للزواج وكذلك المرأة يجب ألا تتخصص فى الزواج ذلك أن حياتنا نحن «الرجال والنساء» أغلى وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص وليس من حق أحد فى الدنيا أن يقول للمرأة عيشى فى البيت طيلة عمرك لا تختلطى بالمجتمع ولا تؤدى عمل المحامى أو الطبيب أو الصانع أو الكيمياوى أو الفيلسوف، انما اقصرى كل قوتك وكل وقتك على الطبخ والكنس وولادة الأطفال!!
لا أدرى ظروف هذا الخطاب ولا لماذا احتفظت به فى أحد كتب المفكر العظيم سلامة موسى وهو «لست لعبة الرجل»!
ملحوظة جانبية «كتاب لست لعبة الرجل» ثمنه 23 قرشا!! ان سلامة موسى الذى انتصر للمرأة نقول لها: انت شريكته إذا شئت ولست خادمته! انت أم الرجل واخته وزوجته وزميلته ولكن لا تكونى خادمته أو لعبته.. انت ثمرة ألف مليون سنة من التطور فلا تنسى قدرك وتحيلى شخصيتك إلى لعبة.. انت أغلى فى تقدير الطبيعة من أن تكونى لعبة أو خادمة. انت انسان له عقل قبل أن تكونى انثى وظيفتها الولادة. كونى انسانا كما انت امرأة ولكن لا تقتنعى بكونك انثى زاهية الملابس، مصففة الشعر، تتمخطرين بالذهب والماس لا تكونى لعبة يلهو بك حتى إذا شبعنا منك عزفنا!

***

يقول سلامة موسى فى خطابه للمرأة: لا تنفصلى عن المجتمع. ان عمل المرأة يزيد احساسها الاجتماعى ويربى ضميرك. لقد وجدت كاتبا اوروبيا يصف حبيبته «يا أخت قلبى» ووقفت عند هذا التعبير الجميل معجبا ومتأملا المعنى «الحنون» انه لفرق عظيم بين كاتب يفكر فى المرأة فيذكر الحية والسم أو يذكر اللؤم، وبين كاتب يقول «يا أخت قلبى»؟ ما معنى أن نفرض على المرأة البقاء فى البيت لكن احساسها الاجتماعى يكون ناقصا اذ هو محدود بجدران البيت ولذلك لن تحس ما نحسه نحن الرجال من المسئولية واليقظة والقيم الاجتماعية. ويحكى سلامة موسى انه «اتاحت لى الظروف أن أجد نفسى فى غرفة واحدة فى مبنى الشهر العقارى بالقاهرة وكان جميع الموظفين «ستات ليس بينهن موظف رجل واحد وكلهن حائزات على شهادة الحقوق.. لا نعومة ولا خشونة بل جدية ووقار ولا تبرج! لقد شعرت بالغبطة الشديدة فإن مجتمع الغد سيرى المرأة وزيرة وقاضية ومكتشفة.
هكذا كان التفكير المستقبلى لسلامة موسى!
ويتساءل المفكر الخالد: ما هى الغاية من الزواج؟ ويجيب: انها سعادة الزوجين وانجاب الأطفال وتربيتهم. وخير من يربى هو المرأة المتعلمة التى اختلطت بالمجتمع فى مستوياته المختلفة فهى تعرف «المناخ الاجتماعى». تعرفه ولا تجهله كامرأة لم تؤد خدمة اجتماعية قبل الزواج!
وقرأت لسلامة وهو يقول فى خمسينيات هذا القرن: نريد وزارة للعائلة وسيكون لهم أرفع المهام وأنبلها. انها سوف تهتم بالتفاصيل الدقيقة السامية فى تكوين الأسرة المصرية قبل أن يهددها يمين الطلاق! سيبتعد شبح الطلاق كلما زادت مساحة الاتفاق والفهم. سيكون الرجل إذا تثقف أكثر فهما ولن يراها مجرد انثى يكشف عن مفاتنها! ليتذكر الرجل الزوج انه «زميل زوجته وليس رئيسها»!
الشأن العام
وسط تحديات سياسية كبيرة..
١ ــ  حق الأخ على أخيه. بمراعاة مصالحه.
٢ ــ مساحات الفهم فى دول شقيقة لشقيقاتها.
٣ ــ إعمار غزة ونجدة لبنان انسانيا والتعنت الإثيوبى
فى سد المناهدة.
٤ ــ التلبك المعوى داخل ليبيا والزيارات رايح جاى.
٥ ــ حقوق الغاز فى المتوسط. والطمع الدولى المستتر.
٦ ــ شطرنج القطبين بايدن وبوتين.
وسط كل هذا، الدولة بتوجيه فارسها السيسى تؤمن مخزونها الاستراتيجى من السلع الأساسية وتؤمن منظومة الصوامع للمواد التموينية ومنظومة المخابز وتناول الخبز. إنه رئىس «قلبه فى مكانه الصحيح».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة