محمد سعد
محمد سعد


أمنية

وطني عاد

محمد سعد

الأحد، 27 يونيو 2021 - 09:04 م

مع بزوغ ضوء فجر الثلاثين من يونيو، الذى ظهر ليشقَّ عتمة الليل، انتفض الشعبُ مجاهدًا لتصحيح المسار، مدفوعًا بإرادةٍ من الله، ودعوات ملايين الوطنيين من البشر، أن يسقط حكم المرشد وجماعته إلى غير رجعةٍ، وتعود مصر إلى شعبها وتُولد من جديد، فهى عصيةٌ على الفناء، لم ولن تفقد هُويتها، أو تُغيِّر جلدها وترتدى ثيابًا فضفاضًا غير ثيابها، يمحو ملامحها، ويذهب ببريقها، إنها مصر التى تأبى طمس معالم حضارتها، وتمييع وتجريف ثقافتها، والانحراف بها إلى مناطق الظُلمات، واختطافها إلى غيابات الجُبِّ، فهى كانت وما زالت أبيةً على أن يختطفها تيارٌ سياسىٌّ، أو يستميلها تنظيمٌ إرهابى، أو تتعلَّق بمجدافها جماعةٌ مارقةٌ نالت من سفينتها فى غفلةٍ من الزمن.
عاد وطنى يمضى فى طريقه القديم على النهج القويم؛ ليبوح بنبض شخصيَّته العتيقة التى يذوب فى عشقها المصريون أجيالًا تتبعها أجيال.. لقد استردَّت مصر هُويتها ممَّن سلبوها عنوةً، واعتقدوا وهمًا أن اختطافها سيُصبح سهلًا يسيرًا، وإدخالها فى بيت الطاعة بات أمرًا محتومًا.. نعم أشرقت أرضها بشعاع نور ثورة وُلدت من رحم شمس الثلاثين من يونيو، بعد أن حمل لواءها ورايتها رجلٌ جاء من مصنع الرجال والوفاء والأمانة، والشرف والعزَّة والكرامة، ذلك الصرح الذى يحمى ويبنى ويُربِّى ويغرس ويُثمر ويمكث فى الأرض بما ينفع الناس.
فى اليوم الموعود خرجت الحشود، التى كان المصير المجهول يتملَّكها فزعًا وخِيفةً من مصيرٍ مُظلمٍ حالك السوادِ، قد يزج بها وبوطنها إلى طريقٍ اللا عودة، لتلقى ما لاقته دول جوارٍ من حولنا، تُصبح على رائحة القتل، وتُمسى على غياب الأمن، وتنام على قسوة الكرِّ والفرِّ، إلى أن حلَّ الخلاص؛ لتعود لسيرتها الأولى، وتُحطِّم حصن الخوف المنيع، إذ خرجت الحشود تنطلق من كل فجٍ عميقٍ، تمضى فى ميادنها سيرًا ورُكبانًا وفوق الأعناق، لترتفع راية أم الدنيا كما كانت عالية خفَّاقة، وليذهب أعداؤها وكارهوها إلى الجحيم.
فى هذه الملحمة التاريخيَّة، كان المواطنُ هو البطل الشعبى، رمز النضال وحصن الأمان، وباعث الأمل الذى آمن أن مصر لم تنجرف فى ركاب تيارٍ، ووقف يُؤمن بالقضاء والقدر فى لحظةٍ اتخذ فيها قرار الانتفاضة، فمصر تُناديه من الأعماق، وعيونه ترنو إليها، وتتطلَّع نحوها، بل وتستجدى حاضرها وماضيها، وقد استفحل الخطر واشتدَّ، والهُوية تذوب رغم أنف الجميع، ولا تعرف إلى أين المستقر، حتى كشف القدر عن وجهه فى اللحظات الفارقة من عمر الأوطان، كانت لحظات فاصلةً بين الحياة والموت، وكان المصرى وحده قابضًا على روحه بين راحتيه، فقد تفيض إلى بارئها إذا ما حان وقت اللقاء، ولكن كان الإيمان يغمره ويُحرِّك مشاعره؛ بأن فى يده مصر أمانة، فكيف يخون حامل الأمانة أمانته؟.
دعونا نعود بذاكرتنا أيامًا قبل الثلاثين من يونيو، كنَّا مع إشراقة كل شمسٍ ننتظر فاجعةً وكارثةً.. ننتظر روحًا طيبةً طاهرةً تصعد عاليةً، ليس لها ذنبٌ اللهم إلا جسدٍ أضناه السهر، ظلَّ يحرس فى سبيل الوطن، فكان جزاؤه موارة الثرى.. يقينًا هى فواجع كثيرة ضربت الوطن فى مقتلٍ، خلال عامٍ واحدٍ فقط، كانت مصر فى خطرٍ حقيقىٍّ، تُحاك لها مؤامرات جماعة الإرهاب والقتل وسفك الدماء فى الداخل، وتترصَّدها مُخططات المُتربصين فى الخارج، كلاهما يقف على مشارف الحدود، يسعيان بكل قوةٍ لهدم الوطن.
يجب أن نعترف أن عام الجماعة كانت فيه الصدور ضيِّقةً حرجةً؛ كأنها تصعد إلى السماء محبوسة الأنفاس، لم يكن فيه رجال المرشد مخلصين للوطن، بل كان ولاؤهم فقط لجماعة السمع والطاعة، أما الوطن فجثَّةٌ مُسجاةٌ على حفنة ترابٍ عفن، تلك الغاية التى تكشف عن سوء مقصدٍ، وخُبث صنيعٍ، وشرود ضميرٍ، فكان لزامًا أن تهب رياح 30 يونيو لتضمد جراحًا غائرةً برزت بشدةٍ فى جسد الوطن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة