الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


تعريف الإيمان في خواطر الإمام الشعراوي

الأخبار

الخميس، 01 يوليه 2021 - 06:48 م

يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في تعريفه للإيمان: «الإيمان هو الذى يجلب لك النفع، ويمنعك من الضار، وإنْ كان فيه شهوة عاجلة لك»

يقول الحق فى الآية رقم 10 من سورة القصص: «وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، والفؤاد: هو القلب، لكن لا يُسمى القلب فؤاداً إلا إذا كانت فيه قضايا تحكم حركتك، فالمعنى: أصبح فؤاد أم موسى «فَارِغاً» أي: لا شيء فيه مما يضبط السلوك، فحين ذهبتْ لترمى بالطفل وتذكرت فراقه وما سيتعرض له من أخطار كادت مشاعر الأمومة عندها أن تكشف سِرَّها، وكادت أنْ تسرقها هذه العاطفة. «إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ» يعني: تكشف أمره «لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا».

وسبق أنْ قُلْنا: إن الإنسان يدرك الأشياء بآلات الإدراك عنده، ثم يتحول هذا الإدراك إلى وجدان وعاطفة، ثم إلى نزوع وعمل، ومثَّلْنا لذلك بالوردة التى تراها بعينيك، ثم تعجب بها، ثم تنزع إلى قطفها، وعند النزوع تواجهك قضايا فى الفؤاد تقول لك: لا يحق لك ذلك، فربما رفض صاحب البستان أو قاضاك، فالوردة ليست مِلْكاً لك.وكذلك أم موسى، كان فؤادها فارغاً من القضية التى تُطمئنها على وليدها، بحيث لا تُفشى عواطفها هذا السر.

ومعنى «رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا» أي: ثبَّتْناها ليكون الأمر عندها عقيدة راسخة لا تطفو على سطح العاطفة، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل الكهف: «وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض»..إذن: الربْط على القلب معناه الاحتفاظ بالقضايا التى تتدخل فى النزوع، فإنْ كان لا يصح أن تفعل فلا تفعل، وإنْ كان يصح أنْ تفعل فافعل، فهذه القضايا الراسخة هى التى تضبط التصرفات، وكان فؤاد أم موسى فارغاً منها.

لذلك نقول لمن يتكلم بالكلام الفارغ الذى لا معنى له: دَعْكَ من هذا الكلام الفارغ أي: الذى لا معنى له ولا فائدةَ منه، ومن ذلك قولهم: فلان عقله فارغ يعني: من القضايا النافعة. وإلا فليس هناك شيء فارغ تماماً، لابد أن يكون فيه شيء، حتى لو كان الهواء.

ومنه قوله تعالى: «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ» «إبراهيم: 43» ويقولون فى العامية: (فلان معندوش ولا الهوا) وذلك لأن الهواء آخر ما يمكن أن يفرغ منه الشيء.

ومعنى: «إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ» يعني: قاربت من فراغ فؤادها أن تقول إنه ولدى «لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين» لأن الإيمان هو الذى يجلب لك النفع، ويمنعك من الضار، وإنْ كان فيه شهوة عاجلة لك، فمنعها إيمانُها من شهوة الأمومة فى هذا الموقف، ومن ممارسة العطف والحنان الطبيعيين فى الأم؛ لأن هذه شهوة عاجلة يتبعها ضرر كبير، فإنْ أحسُّوا أنه ولدها قتلوه.

ثم يقول الحق سبحانه: «وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»..قُصِّيه: يعني: تتبعى أثره، وراقبى سيره إلى أين ذهب؟ وماذا فُعِل به؟ وحين سمعت الأخت هذا الأمر سارعتْ إلى التنفيذ؛ لذلك استخدم الفاء الدالة على التعقيب وسرعة الاستجابة «فَبَصُرَتْ بِهِ» ولم يقُلْ: فقصَّته؛ لأن البصر وإنْ كان بمعنى الرؤية إلا أنه يدل على العناية والاهتمام بالمرئي.

ومعنى: «عَن جُنُبٍ» من ناحية بحيث لا يراها أحد، ولا يشعر بتتبعها له، واهتمامها به ونلحظ هنا أن أخت موسى أخذتْ الأمر من أمها «قُصِّيهِ» فقط ولم تلفت نظرها إلى هذا الاحتياط «عَن جُنُبٍ» مما يدلُّ على ذكاء الفتاة وقيامها بمهمتها على أكمل وجه، وإن لم تُكلَّف بذلك، وهذا من حكمة المرسَل الحريص على أداء رسالته على وجهها الصحيح.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة