سلمى قاسم جودة
سلمى قاسم جودة


لحظة وعى

سلمى قاسم جودة تكتب : ثــوار الأدب

آخر ساعة

الأحد، 04 يوليه 2021 - 10:34 ص

الكلمة هى الخلاصة المجوهرة للفكر.. المحملة بالنبوءات.. هى الباقية الكاشفة، العابرة للأجيال، القرون، الزمان والمكان فى خفة وخلود لتستقر فوق عرش الأبدية، تسجل، تمدح، تدين، تترجم وتترنم، الكلمات أشعلت الثورات شرقا وغربا، صفحات الكتب اكتظت بالثوار، الأحرار والأوغاد، النبلاء والشطار، الأبطال والخونة، فكان الحالم، الطامح والطامع، الكلمة فعل.. هكذا قال جان بول سارتر.. وهنا أذكر كلمات محمود درويش «أتمنى لك اليأس يا حبيبتى لكى تصيرى مبدعة، اليائسون هم المبدعون.. لا تنتظرينى ولا تنتظرى أحدا.. انتظرى  الفكرة ولا تنتظرى المفكر.. انتظرى القصيدة ولا تنتظرى الشاعر.. انتظرى الثورة ولا تنتظرى الثائر.. المفكر يخطئ والشاعر يكذب والثائر يتعب».

على طه أول بطل ثورى فى تاريخ الأدب العربى، ميلاده من خلال رواية «القاهرة الجديدة»، للعظيم نجيب محفوظ فى ١٩٤٥، وتحولت فيما بعد إلى الفيلم السينمائى «القاهرة ٣٠»، كان الأستاذ ينادى بالتغيير فقام بدور المبشر لثورة ١٩٥٢ أيضا من خلال «بداية ونهاية»، حيث تنضح الأجواء بالفقر المدقع، القهر ثم الضياع، على طه بذر بذور الثورة، رفض الواقع الاجتماعى والسياسى المهترئ، ولقد اختار النضال الثورى القائم على الإيمان بالعلم بدل الغيب، والمجتمع بدل الجنة، والاشتراكية بدل المنافسة، وهو بحق النموذج بامتياز للثورى النقى المؤمن بالثقافة الذى يحترم المرأة ويراها ندا له، فهو يتمنى لإحسان شحاتة حياة كريمة بجواره، ولكنه ألقى بنفسه فى أحضان الفلسفة المادية لهيجل واعتنق التفسير المادى للحياة، وهو النقيض لمحجوب عبدالدايم الانتهازى العدمى صاحب الشعار الأشهر «طظ».. ويتغير موقف محفوظ من ٥٢ ليتحول من التبشير إلى المحاكمة والإدانة، فنجده فى «ثرثرة فوق النيل» يحمل نبوءة هزيمة ٦٧ فى طيات صفحاته، وفى «ميرامار»، ها هو سرحان البحيرى عضو الاتحاد الاشتراكى وكيل وأكيل الشركات المؤممة يسعى إلى التهام الثورة والأنثى زهرة، هو الانتهازى المتعجل للاستفادة من ثمار يوليو، أما حسنى علام صاحب شعار «فريكيكو» فهو أيضا العدمي، المعربد فى غياهب الضياع، فالحياة هى مجرد سفرة من الشهوات منزوعة المبادئ، هو يشبه محجوب عبدالدايم، ولكنه يمتلك الثروة المرصودة للملذات.. ويستمر محفوظ فى محاكمة الثورة وإدانتها فى «الكرنك»..

العوامة فى «ثرثرة فوق النيل» والبنسيون فى «ميرامار» دنيا مغلقة لفحتها رياح الفساد والخيانة، فسرحان البحيرى ومنصور باهى هما عماد الثورة ولكنهما أعدى أعدائها، ولقد أدان نجيب محفوظ دوما مبدأ تفضيل الولاء على الكفاءة وأهل الثقة لا أهل المعرفة، تلك هى البوابة الرجيمة لولوج «المديوكر»، أصحاب القامات الضئيلة المفضية إلى الهزائم.. فى قلب يونيو المفضى إلى ثورة الثلاثين، كنا نتصدى لجريمة السطو على هويتنا، اغتصاب الوعى. وأرجع دوما مقولة الفنان التشكيلى جويا: «عندما ينام العقل تولد الوحوش»، لم يستطع بعد، الأدب اللحاق بثورة يونيو، وهى التصحيح ليناير التى تعرضت للسرقة أو «الكليبتو قراسي»، أو ما يُعرف بسرقة الثورات أو السطو على السلطة من قبل الفاشية الدينية.. الأدب يحتاج إلى بعض الوقت لتبلور الأحداث ولكى تتجلى كل الحقائق إلا قليلا.

نعود لأدب ما قبل ٥٢، وهاهو يوسف السباعى قلب الثورة ونبضها، ففى ١٩4٧ و1948 كانت «يا أمة ضحكت» و«أرض النفاق» و«نائب عزرائيل»، وهو الوحيد الذى لم يتحول فؤاده قط عن عشقها، وفيما بعد كتب «رد قلبي» وأيضا شخصية على ابن الجناينى العاشق، المتمرد والثائر فهو المولع بالأميرة الشبيهة بأزهار الجلاديول القابعة فوق ربوة النبل الطبقى والروحي، وجد السباعى أن الرومانسية هى بمثابة العصا السحرية لإذابة الفوارق بين الطبقات.. تقول بنت الشاطئ عن السباعى  فى «أرض النفاق»: «فلا يقولن قائل إن كل الأقلام فى مصر كانت مأجورة للطغاة، وإن الكتاب جميعا كانوا فى ركب  ذوى الجاه والسلطان من أعداء الشعب  وعملاء المستعمر وجبابرة الإقطاع، وهذه أرض النفاق تشهد بأنه كان فينا من حملوا أمانة القلم بلا جبن ولا نفاق».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة