عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة


حديث الإسبوع

لا نملك إلا أن نتعايش مع كورونا بشروطنا

الأخبار

الإثنين، 05 يوليه 2021 - 07:27 م

بقلم/ عبدالله البقالي

يبدو أن الفيروس الخبيث الذى هز عروش العالم استحلى المقام فوق كوكب الأرض، بل أبدى مقاومة عنيفة ضد الجهود العلمية التى بذلت فى مختلف أرجاء المعمور لحد الآن، والأكثر من ذلك تميز بقدرة فائقة وخارقة على الخصوبة والإنجاب، إذ ما إن تبدو مؤشرات أولية حول بداية نهاية نوع أو جيل أو سلالة من أنواع وأجيال و سلالات هذا الفيروس حتى يسارع بإنجاب متحول أو متغير جديد يهدد بعودة الأوضاع إلى نقطة الصفر، واضعا بذلك الجهود التى يبذلها العلماء و الخبراء، و تخصص لها إمكانيات مالية طائلة، فى دائرة ضيقة مهددة بأخطار حقيقية.

 

فهذا العالم الذى ساد الاعتقاد لفترة طويلة أنه يتسلح بالعلوم و المعارف والتجهيزات العلمية الخارقة، والتى مكنت من رصد مختلف المتغيرات فوق الكرة الأرضية، عجز لحد الآن على وضع حد لنشاط فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة يلقى بظلال الموت على البشرية برمتها. 


بعد أكثر من سنة و نصف من حروب ضروس ضد عدو خفى، خلفت ملايين القتلى ومئات الملايين من المصابين، وألقت تداعياته على الأوضاع الاقتصادية فى العالم متسببة فى خسائر مالية تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث.

 

وما كاد العالم يتنفس الصعداء بعد توالى إعلان الدول والشركات عن التقدم الكبير الحاصل فى مسار توفير لقاحات فعالة ضد الوباء، حتى تناسلت أجنة جديدة من الفيروس، حملت أسماء كثيرة، و خرجت إلى الوجود من مواقع مختلفة من خريطة العالم، وأضحى الحديث عن موجة رابعة تهدد الكون، يشغل الأوساط العلمية والشعبية فى مختلف أنحاء الكرة الأرضية، و بدأ الكلام من اليوم عن احتمال وقوع سيناريوهات أكثر سوءا بعد فترة وجيزة.


فقد نشر معهد باستور الفرنسى دراسة حديثة قبل يوم واحد من نهاية الشهر الماضى من السنة الجارية تحدث فيها عن سيناريوهات خطيرة تهم الوضعية الوبائية فى فرنسا بداية من الخريف المقبل، حيث من المتوقع أن تعود معدلات الإصابة بالفيروس إلى الارتفاع خصوصا للفئة العمرية ما بين 12 و 17 سنة. و نبهت الدراسة إلى أن مستوى الانتشار سيبقى مرتبطا بمعدلات تلقيح المواطنين، إذ إن عدم تحقيق المناعة الجماعية، التى تحددها منظمة الصحة العالمية فى تلقيح 60 بالمائة على الأقل من مجموع سكان العالم، ينذر بارتفاع مهول فى الإصابات التى قد تعود إلى ما عرفته فرنسا فى السنة الفارطة، و توقعت فى هذا الصدد أن يسجل معدل إصابات يصل إلى 2500 حالة يوميا.


من جهة أخرى لم تخف صحيفة « الواشنطن بوست » توجسها مما هو قادم فى الولايات المتحدة الأمريكية، و إن كانت بحدة أقل مما حفلت به دراسة معهد باستور الفرنسى، حيث قالت الجريدة «إن الخبراء لم يحسموا بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية و الدول التى تعرف وتيرة إصابات شبيهة على أعتاب موجة رابعة جديدة من الوباء، أم أن العالم يعيش اللحظات الأخيرة للأزمة التى دخلت شهرها الرابع عشر ؟» لكن مدير مركز دراسات الأمراض المعدية بجامعة مينيسوتا السيد أوستر هوم، و الذى يشغل فى الوقت نفسه منصب مستشار الرئيس الأمريكى بايدن المسؤول عن فريق العمل المكلف بمحاربة فيروس كورونا، يرى غير ذلك، و يتنبأ فى مقابلة له مع قناة « إن بى سى » بأن يشهد الأسبوعان القادمان أكبر عدد من الإصابات المبلغ عنها على مستوى العالم.


من جهة ثالثة حذر 26 باحثاً سويدياً من موجة رابعة متوقعة قد تضرب السويد ومناطق أخرى من العالم فى بداية الخريف المقبل، ونبه الباحثون فى مقال علمى نشرته صحيفة « داغينز نيهيتر » إلى أن الموجة الرابعة ستصيب الأطفال، واستدلوا بأن معدلات وفيات الأطفال بسبب الإصابة بالفيروس ارتفعت بصفة تدريجية ما بين السلالات و الموجات.


المركز الأوروبى للوقاية ومراقبة الأمراض ذهب بعيداً فى توقعاته، حينما أكد أن نسبة 90 بالمائة من الإصابات بفيروس كورونا فى أوروبا ستكون فى الخريف المقبل من سلالة « دلتا » الهندى، الذى لا يزال يطرح إشكاليات عميقة تتعلق بمنسوب فعالية اللقاحات المضادة للفيروس.


إشكالية أخرى تهم الجوانب الأخلاقية هذه المرة أفرزها تناسل سلالات الفيروس. فمعلوم أن العالم يواجه حاليا تحديات أخلاقية صعبة مرتبطة بعدالة توزيع اللقاحات، حيث لم يعد خافيا أن الدول العظمى والغنية التى استطاعت تملك اللقاحات، تعطى الأسبقية والأفضلية لشعوبها على حساب التوزيع الإنسانى العادل بين مختلف شعوب العالم، و كان الأمل معقوداً، على أنه حينما تحقق هذه الدول المناعة الجماعية لشعوبها ستبادر بتمكين باقى شعوب العالم من اللقاحات، إلا أن القدرة الفائقة التى أبداها الفيروس على إنجاب سلالات و متغيرات جديدة قد تدفع حكومات الدول العظمى إلى التراجع عن هذه الالتزامات بالحفاظ على اللقاحات إلى ما بعد تحقيق المناعة خوفا من القادم الأسوأ، و بالتالى فإن الإبقاء على هيمنة الأقوياء على اللقاحات يهدد فى العمق التطلع إلى القضاء على الوباء، لأن القضاء عليه يفرض مواجهته فى مجموع الخريطة العالمية، و مادام هناك مناطق لم تحقق المناعة، فإنه يصعب التصديق بالتغلب على الفيروس، و بالتالى فإن الدول العظمى تساهم فى بقاء هذا الفيروس على قيد الحياة يتمتع بلياقة عالية على إنجاب السلالات ما دامت مقاربة تعميم اللقاحات تمييزية، بل عنصرية إلى حد بعيد.


خلاصة القول، الفيروس مازال مستمرا ضيفاً ثقيلاً بين ظهرانينا، و لا نملك غير القبول بالتعايش معه، و يبقى الأمل الوحيد بالنسبة إلينا هو أن نتعايش معه بشروطنا، وليس بالشروط التى يمليها و يفرضها علينا، و ذلك بالالتزام بالتدابير الوقائية التى تحد من خطورته.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة