بقلم:  د. يوسف ادريس
بقلم: د. يوسف ادريس


كنوز | ملحوظة هامشية جِدًّا

عاطف النمر

الأربعاء، 07 يوليه 2021 - 05:33 م

هذه الكتب التى أصدرتُها منذ بدأت كتابة باب «من مفكرة يوسف إدريس» في الأهرام كل يوم إثنين، ألقَتْ عليَّ شخصيًّا وعلى الحركة الثقافية والفنية المصرية والعربية سؤالًا لا يزال إلى اليوم مطروحًا ، ولا زلتُ أُواجَه بالتساؤل فى كل مكان : لماذا قلَّلتَ كثيرًا من إنتاجك القصصى والمسرحى ، وكدتَ تتفرَّغ لكتابة المفكرة ؟ صحيح إنها هامة - هكذا يقول المتحدث أو المتسائل - وتتناول أخطر القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية فى حياتنا ، ولكننا نضنُّ بكاتب القصة (وهنا يُضْفُون عليَّ ألقابًا لا أعتقد أنى أستحقها) ، نضنُّ بهذا الكاتب أن يُنفق جهده فى هذا الجانب الصحفى ، المفكِّرة ، ولا يتفرَّغ كليةً لقصصه ولمسرحه.


والحقيقة أننى كثيرًا ما أُجيب السائل «بأى كلام» ، فحين تتكرَّر نفس الأسئلة والتساؤلات مئات المرات ، وأكون مضطرًّا لنفس الإجابات ، تُصبح المسألة ليست مملةً فقط، ولكن لا فائدة البتَّةَ منها ، وغالبًا، وفى أعقاب كل محادثة كهذه ، أتأمَّل المسألة فأجد أنها مسألة هزلية تمامًا، ولا بد لوغيرنا الزاوية قليلًا أن تتحوَّل إلى «نكتة» تُميت من الضحك ،  فالمتسائل يَعترف أن القضايا التى أتناولها تُعتبَر «أهم قضايا حياتنا فى الثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع» باختصار أهم قضايا «الوجود» المصرى والعربى ، فهو إذن لا يَستنكرها، إنما يَستنكر أن تكون مكتوبة على هيئة مفكِّرة ، ولا زلت أذكر تلك الخطابات التى جاءتْنى ولا تزال تَجيئنى من أرجاء وطننا العربى ومن العرب المقيمين فى أوروبا وأمريكا ، بل ومن أجانب ، تُسائلنى وتُعاتبنى بنفس الطريقة ، وهو عتاب مُضحِك! لأن أحد النقاد قد أرسل لى مرة تعليقًا على مفكِّرة «غطاء الفانوس» يقول : لو أنك بدلًا من كتابة رأس الموضوع هكذا : «من مفكرة يوسف إدريس» كتبت قصة قصيرة بقلم يوسف إدريس ، لظَفرنا بقصة قصيرة من أبدع ما يكون. بل إنه ذكَر أن العكس يحدث لبعض الكُتَّاب غيرى ، فيكتبون : «قصة بقلم فلان»، وهى فى الحقيقة مقالة.


أعتقد أن القضية ، ما دامت قد وصلت إلى هذا الحد، قد أصبحتُ فى حاجة إلى معالجتها بحزم.


أيها القراء الطيبون، ما أكتبُه تحت عنوان «من مفكرتي» هو نوع جديد من الكتابة لم يأخذ حظَّه من الشيوع أو الاعتراف فى بلادنا العربية ، التى تُقسِّم الكتابة تقسيمًا إرهابيًّا متعسفًا ، فهى إمَّا قصة قصيرة أو رواية أو مسرحية أو مقالة.


صعب جِدًّا فى ظل هذا التقسيم الإرهابى أن أقول إنَّ هناك نوعًا خامسًا يَجمع كل خصائص هذه العائلات الفنية ، ويُسمُّونه مفكرات أو انطباعات ، أو يُغالى بعضُهم حتى ويُسميه الشكل الحديث جِدًّا للقصة القصيرة فى عالم اليوم ، فهو يجذب القارئ من أول كلمة ، وفيه دراما داخلية وموسيقى لغوية تركيبية ، وخيط فنى قصصى أكثر إحكامًا ربما من الخيوط الفنية التى تجدها فى القصص القصيرة ، وإذا كانت مكانة أى فن ودرجة رُقيِّه تُقاس أوَّلًا بمقدار فاعليته ، وليس بمقدار انتشاره ، فقد يكون الانتشار راجعًا لأسباب لا علاقة لها بفنية العمل ؛ فإنى أقولها بصراحة إن هذا الشكل الذى أكتب به ما أُسمِّيه من مفكرة د. يوسف إدريس ، شكل فنى خالص لا علاقة له البتَّة بشكل المقالة القديمة ، كما كان يَكتبها العقَّاد أو المازنى أو طه حسين ، أو الكُتَّاب المعاصرون الذين يجلسون إلى مكاتبهم وفى نيَّتهم كتابة مقال ، بمعنى عمل عقلانى له مقدماته ونتائجه العقلانية لتؤدِّى إلى «إقناع» القارئ فى النهاية بصحة رأى الكاتب.


هذه مقالات «رأي» وليست أعمالًا فنية. والفرق بين مقالة الرأى والعمل الفنى الذى أكتبه ، هو الفرق بين أى موضوع تقرؤه فى هذا الكتاب وبين هذا الموضوع نفسه لو كُتب على هيئة مقالة رأى ، لها مقدمة ومدخل ووسط وعرض ونتيجة ، والمسألة فى الحقيقة ليست موضوعى البتَّة، وإنما هى موضوع ناقد خلَّاق جريء يتفحَّص الكتب التى أخرجتُها منذ بدأت كتابة المفكرة؛ وهي: «من مفكرة د. يوسف إدريس» جزء أول وثانٍ، و«الإرادة»، و«جبرتى الستينات»، و«عن عمد اسمع تسمع »، و«بصراحة غير مُطلَقة»، و«اكتشاف قارة»، و«م. د. م»، و«عزف منفرد»، و«خلو البال» ، وإذا نظَرَ ذلك الناقد الذى أرجوه بتجرُّد أو بجرأة ، وبرؤية تستكشف وتكتشف وتخلق ، كما لا بد لأى ناقد حقيقى أن يفعل، فسوف يَطلع علينا برأى - كما ذكره الشاعر الكبير فاروق شوشة فى أمسية ثقافية - رأى فيه مفاجأة لنا جميعًا ، لكم ولي.


من كتاب «الأب الغائب»


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة