الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي


وعد الله حق

الأخبار

الخميس، 08 يوليه 2021 - 08:58 م

«الأشُدّ: يعنى القوة واكتمال النمو، وقد حدّدوا لذلك سِنَّ الثامنة عشرة إلى العشرين «واستوى» الاستواء هو بلوغُ العقلِ مرحلةَ النضج الفكرى».

يقول الحق فى الآية 11 من سورة القصص: «وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ»، التحريم هنا لا يعنى التحريم بالنسبة للمكلَّف: هذا حلال وهذا حرام، إنما معناه أنْ يرضع من المرضعات اللائى يأتونَ بهن لتتقلب عليه المراضع واحدة بعد الأخرى، إلى أن تأتيه أمه.

والضمير فى «فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ» يعود على أخت موسى؛ لأنها ما زالت فى مهمة تتبُّع الولد، وقد سمعها هامان تقول: «هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ» فقال لها: لابد أنك من أهل هذا الولد؟ وتعرفين قصَّته، فقالت: بل ناصحون للملك مخلصون له. وفعلاً وافقوها على ما نصحتْ به؛ لأنهم معذورون، فالولد يأبى الرضاعة من الأخريات.

ثم يقول الحق سبحانه فى الأية 13: « فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»، وسبق أنْ وعدها الله: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ» وها هو أوانُ تحقيق الوعد الأول، وهو بُشْرى بتحقُّق الوعد الثانى «وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين» لكن هذا فى مستقبل الأيام، وسوف يتحقق أيضاً.
وقوله سبحانه: «فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ» يدل على أن الأسباب فى يد المسبب سبحانه، فنحن الذين رددناه، لا أخته ولا فرعون؛ لأننا نُسيِّر الامور على وَفْق مرادنا، ونُمهّد لها الطريق حتى أننا نحول بين المرء وقلبه، ولينفذ قضاؤنا فيه. وقوله تعالى: «ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» يعني: لا يعلمون أن وَعْد الله حق.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ».. الأشُدّ: يعنى القوة واكتمال النمو، وقد حدّدوا لذلك سِنَّ الثامنة عشرة إلى العشرين «واستوى» الاستواء هو بلوغُ العقلِ مرحلةَ النضج الفكرى، فلما اكتملت لموسى عليه السلام قوة الجسم ونُضْج العقل «آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين».

«ثم يقصُّ الحق سبحانه، فيقول: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ».

أراد موسى عليه السلام أن يدخل القرية على حين غفلة من أهلها، لأن بنى إسرائيل كانوا مُضطهدين، وكان القبط فى بعض المدن ذاتَ الكثافة العددية منهم يُحرِّمون على بنى إسرائيل دخول قراهم؛ لذلك اختار موسى وقت غفلة الناس، لكنه لم يدخل فى الليل لأنه لا يهتدى إلى الطريق، فقيل: دخلها وقت القيلولة والناس فى بيوتهم.»فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ» يعني: من بنى إسرائيل «وهذا مِنْ عَدُوِّهِ» يعني: الأقباط «فاستغاثه» أي: طلب منه العَوْن والنجدة «فَوَكَزَهُ موسى» يعني: ضربه بجُمْع يديه، فجاءت نهاية القبطى وأجله مع هذه الضربة، لا أنه مات بها، وكثيراً ما تحدثُ هذه المسألة فى شجار مثلاً بين شخصين، فيضرب أحدهما الآخر فيقع ميتاً، وبتشريح جثته يتبين أنه مات بسبب آخر.

ومثال ذلك: حين تكلِّف شخصاً بقضاء حاجة لك، أو تُوسِّطه فى أمر ما، فيدخل عند المسئولين ويسعى إلى أن يقضى لك حاجتك فتقول: (فلان قضالى كذا وكذا) وهو فى الحقيقة ما قضى فى الأرض إلا بعد أن قضى الله فى السماء.

لكن الله تعالى أراد أنْ يُكرم الواسطة، فجعل قضاءها موافقاً لقضائه سبحانه، فنقول فى هذه الحالة: قضى الله المصلحة معه لا به.
كان القبط كما قُلْنا يكرهون بنى إسرائيل ويُعذِّبونهم، فلما قتلَ موسى القبطى زاد غضبهم وكراهيتهم لبنى إسرائيل؛ لذلك أحسَّ موسى أن هذا العمل من الشيطان، ليزيد هذه العداوة «إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة