كثيرا ما نقابل ونسمع عن شبابنا المغتربين فى دول أوربا وأمريكا وكيف نجحوا ولمعوا فى مجالات عديدة، ودائما ما يستهوينى الحديث مع مثل هؤلاء الشباب لكى استدل منهم على مقومات النجاح لديهم، ويشغلنى أيضا لماذا لا نرعى مثل هذه الكفاءات فى بلادنا ؟ أليست مصر أولى بشبابها الكفء؟ وهل تهرب الكفاءات حسب كلمات عالمنا القدير الدكتور أحمد زويل أن الفرق بيننا وبين الغرب أن الغرب يقومون الفشل بل نحن نحارب النجاح؟ ففى أثناء زيارتى للمنظمة العالمية للشفافية كجزء من برنامج ورشة العمل لطلاب الجامعة الألمانية فى برلين سعدت جدا عندما علمت أن رئيس هذه المنظمة شاب مصرى (د.هارون عطا الله) وهو الذى يقود فريق الخبراء الباحثين فى المنظمة من مختلف الجنسيات وقام بالعرض والشرح للطلاب والرد على أسئلتهم. وأحسسنا جميعا بالفخر أن يكون مصمم محطات قطار برلين بهذه الدقة المتناهية هو المهندس المصرى هانى عازر. وفى كل مرة أقابل الكفاءات المصرية الناجحة يجذبنى الحديث معهم عن أسباب نجاحهم فى بلاد الغرب واستنتجت أنها ليست فقط فى البيئة الخارجية المحفزة للعمل والإدارة الجيدة لمؤسساتهم بل يساهم فيها المقومات الشخصية اللازمة للنجاح مثل الانضباط والايجابية وتحدى الصعوبات والمحن والفشل وغيرها والتى تعد من ثقافة المجتمع الغربى. ولعلى أتطرق فى مقالى من خلال من استنتجته من الأحاديث المتعددة مع شبابنا المغترب عن بعض الركائز المهمة لإدارة الصعوبات والمحن فى حياتهم كأحد مقومات النجاح.
الإحساس بالألم جزء لا يتجزأ من الحياة ويجعلنا أنضج: لابد أن نعى أن الشعور بالألم لمرض أو فقدان عزيز علينا أو الإحباط بسبب الفشل شىء طبيعى يجب أن نتقبله ونتعايش معه، فالشعور بالألم يمنحنا الشعور الإجبارى بالقوة الداخلية التى لا تأتى لنا إلا بعد أن نكون خضنا فى مراحل معينة للتعامل معه « فالشيء الذى لا يكسرك يجعلك أكثر قوة»، لقد تعلمنا من الصغر أن الألم شيء مضر أو شيطاني، ولكن الحقيقة أنه شعور إجبارى لابد أن يأتى فى حياتنا مثل الشعور بالحب أو الطمأنينة... فلا بد أن نكون واقعين ونتقبل وجود الألم أينما كان مصدره فى حياتنا ونتوقعه لأن ذلك سيخفف من وطأة الشعور به.
سعادتنا فى أسلوب تفكيرنا: ليس من المنطقى أن نتوقع أن تكون الحياة صافية وهادئة وعلى وتيرة واحدة، ولكن لابد أن نتوقع أن الحياة بها من الأمواج العاليه والهادئة معا، فتوقعنا ذلك يجعلنا أكثر استعدادا وتقبلا لكل ما تأتى به من مصاعب. ولكن لا تجعل الأوقات العصيبة تفقدك الأمل بأن الأوقات أو الظروف الأحسن ستأتى.
كن شجاعا ولا تجعل الخوف يسيطر عليك ويمنعك من التحرك للأمام: الشعور بالخوف دائما ينبع من مبالغتنا به، فلا بد من التعرف وتحليل مصادر الخوف لدينا للتحكم فى هذا الشعور السلبى ومواجهته بالتحدث به مع المقربين لنكون أكثر دراية للتعامل مع هذه المشاعر مستقبلا.
لابد أن نعى أننا لا نستطيع أن نغير مواقف نحن غير مسئولين عنها: فسعادتنا وراحة البال تعتمد على رغبتنا فى تحمل مسئولية حياتنا، وعلى تحكمنا فى الظروف، فدائما تعامل على أنك قائد وبطل حياتك وليس ضحية حياتك.
لابد أن نقيم الايجابيات والسلبيات بموضوعية لكى نكون عادلين فى تقييمنا للأمور: فأحيانا عندما تنتابنا المواقف الصعبة فى حياتنا ننسى كل النعم والايجابيات التى منحنا بها الله سبحانه وتعالى من صحة وعائلة ووظيفة ونندب حظنا فى بعض الأشياء التى فقدنها والتى عوضنا الله بها أضعاف أضعاف. فالشعور بالطمأنينة والسعادة لا تتحقق بكثرة المال أو المنصب أو الجاه إنما هو من صنع تفكيرنا.
تحقيق الأشياء العظيمة فى حياتنا يتطلب بعض الوقت: لو أدركنا كل أهدافنا فى الحال، فمؤكد أن تخمد عزيمتنا ونحرم أنفسنا من الشعور الشيق بانتظار النجاح. فالصبر والتصبر ليس معناه الانتظار بل معناه الصمود ومواصلة العمل الجاد للتغلب على الصعاب والتركيز على الأهداف.
وليس من الضرورى أبدا أن تكون لامعا أو مشهورا لتنجح: فهناك الكثير من الأشخاص المتواضعين ويعملون فى صمت ، ولكن عليك أن تجتهد وتتعلم من أخطائك وتكون صادقا مع نفسك فى تقييم ذاتك.
فكل هؤلاء الشباب الذين صنعوا النجاح فى الغربة تعلموا كيف يديرون أنفسهم، ودائما نتذكر بأن بعد العسر يسرا وما ضاقت إلا وفرجت.