حنين واشتياق بين زعيم وزوجة عاشقة
حنين واشتياق بين زعيم وزوجة عاشقة


جيهان السادات في مذكراتها: حلمت طويلا بالحج إلى بيت الله الحرام

الأخبار

الأحد، 18 يوليه 2021 - 08:09 م

كتبت: فادية البمبي

تساءل البعض عن أسباب كتابه مذكراتها بالإنجليزية، وأشار عدد من النقاد إلي أن السيدة الراحلة جيهان السادات رفيقة درب الرئيس الراحل أنور السادات قد حاولت أن تكشف فى مذكراتها هذه المكتوبة بالإنجليزية عن تمسكها بجذورها الشرقية، وتشبثها بالهوية المصرية، وارتباطها بالحضارة العربية الإسلامية، واعتزازها بالقيم الروحية التي ألهمت الشرق ترابطه الأسرى ودفء علاقاته الاجتماعية.

واعتبر المنصفون أن توجه جيهان السادات إلي الغرب بكل هذه الحقائق فى حياتها استلزم كتابتها بلغته الأثيرة .. الإنجليزية، وكانت شجاعة من السيدة الراحلة أن تكشف للغرب عن اعتزازها بشرقيتها ،وتمسكها بقيمها الروحية التي قد يعتبرها العالم المادي معاني حالمة وعبارات رومانسية قد لا تعجب الكثيرين هناك.

 

قلت للمذيع الشهير: زوجى يضربنى ٢٤ مرة يوميًا!

كشفت السيدة جيهان السادات فى هذه المذكرات التي حملت عنوان «أملي فى السلام» عن أسرارا عديدة فى حياة بطل الحرب والسلام الزعيم الراحل أنور السادات وفى مقدمة هذه الأسرار أن عملية أغتيال السادات فى السادس من أكتوبر عام 1981 لم تكن المؤامرة الأولى علي حياته، فقد سبقتها العديد من مخططات الاعتداء علي حياته، وعلي الرغم من ذلك تقول جيهان : لم يمسسه الخوف من الهجمات أو يحثه على مراعاة المزيد من التدابير الوقائية كارتداء سترة ضد الرصاص أو زيادة أفراد الطاقم المخصص لحراسته، لقد سلم دائما بأن عمره بين يدي الله وأنه لا يوجد مخلوق يمتلك القوة على تغيير ما قضى به الله،كان على صواب ولا شك، فجزء من الحياة هو بأننا ولدنا لنموت، تقبلت تلك الفكرة غير أنني لم أمتنع عن الشعور بالقلق على أنور، ومما يدعو إلي السخرية أني لم أتخيل قط حياتي بدونه رغم تصوري لوقوع المأساة؛ لم أستطع العيش بعد وفاته إلا بنعمة الله.

وتواصل جيهان البوح عن مشاعرها وأفكارها فى هذه المذكرات-التي صدرت ترجمتها العربية بقلم هالة صلاح الدين حسين عن دار الشروق- قائلة :نص القرآن على أن الحب بين الرجل وزوجته منحة من لله:» وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَأيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، وكانت آية من أجلي أيضا، إن زوجي وأبنائي الأربعة وأحفادي والآن أبناء أحفادي تذكرة يومية بإحسان الله، الحق أن توقير الزواج والأسرة يحتل مكانة محورية فى الإسلام.

غير أن الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، هو أكثر التجارب تقديسا فى حياة أي مسلم،ومنذ أن كبرت بما يكفى لاستيعاب معنى الحج، كنت أحلم باليوم الذي أزور فيه مكة لأؤدي المناسك، حلمت بالمقدرة على الذهاب فى شبابي وأنا قادرة جسديا على الاضطلاع بالمشاق الجسدية الركن الإسلام الخامس، ذهبت إلى العمرة أكثر من مرة، لكني لم أقصد مكة للحج من قبل، باح إلي قلبي خلال عطلة أسرتي فى صيف ١٩٩٧ بأن الحجة التالية ستكون حجتي، أردت أن آخذ أولادي معي، فقط لو كانت لديهم الرغبة نفسها، فمما يبطل الحج ويتعارض مع الروح المطلوبة لأدائه بالنسبة لأي مسلم أن يقوم بهذه الرحلة الأكثر قدسية وإجلالا لأي سبب آخر ،وتحكي السيدة - التي كرست الشطر الأكبر من حياتها لإعادة تأهيل مصابي العمليات الحربية - عن هذه التجربة الفريدة فى حياتها عندما تحقق حلمها بزيارة أم القرى لأداء ركن الإسلام الخامس وتصف مشاعرها فى هذه اللحظة الروحية الرائعة قائلة:كنت مجرد بقعة فى هذا البحر البشري، وعيت تمام الوعي بأن هناك ما يربو على مليون رجل وامرأة وطفل جاءوا من كل أنحاء العالم يخامرهم نفس إحساسي، كشفت تعابير وجوههم ونظرات عيونهم نفس الشعور بالرهبة ونفس الشعور بالمهابة العميقة، تشابكت أيدي الأزواج والزوجات، أشعت وجوه المرضى وكبار السن بالارتياح والسكينة لمعرفتهم أنهم قد سلموا من الألم، استشعر قلبي إحساسًا طاغيا بالسلام والسعادة، كنت أحقق حلمي، حجتي، وأولادي إلى جانبي ، هذا هو ديني،وتندهش السيدة الراحلة من أجل ذلك حين يسألها الإعلامي الأمريكي الراحل بيتر جينز -الذي كان يستقر فى القاهرة خلال فترة رئاسة السادات - أثناء حواره معها قبل عشرين عاما من صدور مذكراتها،وتروى جيهان حكاية ذلك السؤال العجيب الذي فاجأها به «جينز» قائلة:بعد نحو عشر دقائق من حوارنا، صوب إلي نظرة تشي بمنتهى الحدة، نظرة أصبحت أتعرف على دلالتها بأن المذيع يهم بطرح سؤال غاية فى الأهمية: «السيدة السادات».. تمهل جينز : «كم مرة يضربك الرئيس فى اليوم؟»، أجبته بوجه لا يحمل أي انفعال: «أربعا وعشرين مرة فى اليوم!»، بدا جينز وكأني ألقيت على رأسه دلوا من المياه الباردة، ولمدة ثوان ظل الصمت يلفنا، وفى النهاية ارتسمت على وجهي ابتسامة طفيفة، وبعد لحظات أغرقنا فى الضحك حتى أن المصور اضطر إلى وقف التصوير، ومنذ حينها، تمنيت كثيرا أن يظهر هذا الحوار، رغم أنه عطل الحوار الرسمي، حتى يرى الأمريكيون أنه حتى فى تلك الأيام فإن تصورهم عن المعرفة التقليدية لدى المسلمات فى حاجة إلى فحص دقيق.

الحياة كأرملة

ومن أبرز محطات المذكرات تلك السطور التي تحكي فيها السيدة الوطنية الراحلة عن حياتها كأرملة وتصف مشاعر التحول من تجربة الزوجة الهنيئة إلي حال العيش كأرملة فقدت زوجها حيث تقول : فجأة أصبحت أرملة، واضطررت أن أواجه الحياة وحدي، وقد اختبرتني بأكثر مما كنت أتخيل، ولطالما شعرت بالفجيعة والخوف،مات أنور، ومات معه جزء مني،مع أنني كنت ميالة بالطبيعة إلى إبقاء نفسي مشغولة، فإن الانغماس فى العمل لم يكن خيارا، فتحت الضغوط والادعاءات الكاذبة التي انطلقت ضد عائلتي بعد اغتيال أنور، رجاني أبنائي أن أترك أغلب مشروعاتي المدنية. إذ لم يتحملوا فكرة تعرضي للضغط والاتهامات الكاذبة،ولم أكن أريد أن أزيد معاناتهم أكثر مما هي عليه، كانوا يريدون حمايتي وأردت فعل الشيء نفسه، لكن أن أترك العمل الذي أحبه، والذي كان طوال زواجي مميزا لي، فهذا مؤلم، شعرت أنني تائهة، وبلا فائدة، أنهكني الحزن، بل كاد يسيطر علي،عرفت أنني بمثل ما فقدت أنور، فإنني لا أستطيع الحياة بمفردي، كأرملة رئيس مصر الراحل،كنت أصلي لعل شيئا ما يأتيني ليساعدني على إجابة سؤال «ماذا بعد؟»، لم أكن أتوقع أن تعرض علي وظيفة للتدريس فى الولايات المتحدة.

إنجاز أعتز به

وتواصل السيدة الراحلة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس رحلة البوح ورواية مذاكراتها متحدثه عن الأسهام البارز الذي أسعدها كثيرا أن يكون من ضمن انجازاتها حيث تقول: سعدت أيما سعادة منذ عدة سنوات بالمشاركة فى تعاون كورالي أوركستري، موشحة دينية للسلام فى أربعة أجزاء مع الملحن ليبي لاسين. كان الناتج عرضا ضخمًا للمسرح تحت عنوان، الرابع فى اليوم، الذي افتتح فى توين سيتيز فى مينيسوتا، كنت جزءا من العمل، وعليه كتبت عبارات أعتبرها فلسفتي فى السلام، عبارات فى جوهرها نوع من الصلاة. وأنا أود أن أشارككم إياها الآن: «كلنا بشر غير معصومين، كلنا فانون وضعفاء. تلك الحقيقة، تتلاعب بنا جميعا الأساطير وأنصاف الحقائق، وبدون أرواحنا، يجب أن نتذكر أن البشر هم بشر وأن الله خلقنا على شاكلته، نشترك جميعا فى حلم واحد، حلم من الانسجام والسلام العالمي، هيا نحافظ على حلمنا حيا، ونناضل معا لتحقيقه، هيا نوحد أفعالنا فى اتجاه واحد ونحرك العالم، يوما بعد آخر، ناحية هدفنا، أقولها لكم أيها الإخوة والأخوات: إن بمقدورنا حقا أن نساهم فى صنع السلام وإعادة التشييد وتسوية الخلافات، ومع من المأساوي أن العصر المهتاج الذي نعيش فيه يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن نتآزر رجالا ونساء كيد واحدة، فالسلام، السلام الحق، ليس نتيجة لتوازن كفتي الرعب أو وقفة تكتيكية فى سباق التسلح أو نبذ ساخر لحاجة البشر وطموحهم إلى قوة متمكنة، إن السلام رغبة فى تحقيق ذات المرء بمنح مرمى ومغزى إبداعي لحياتنا القصيرة. إنه اعتراف منا بأننا ولدنا لنموت، وأننا جميعا إخوة وأخوات بحق، وجزء من تصميم للخالق الرءوف إلى الأبد».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة