رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

شطط ضرير !

رجائي عطية

الجمعة، 23 يوليه 2021 - 06:16 م

منذ نحو اثنى عشر عامًا، وتحديدًا فى ديسمبر2008، وقع حادث بالمنيا أدى إلى سقوط أتوبيس مغاغة بترعة الإبراهيمية، وغرق للأسف سبعون غريقًا .. وبين الأحزان التى شملتنا جميعًا، فوجئت بإحدى الصحف الخاصة تخرج علينا فى 16 ديسمبر بمانشيت سماوى على صدر الجريدة، يقول : 
« عقاب إلهى لأحمد ضياء الدين ( وكان محافظًا للمنيا ) على دفاعه عن تعذيب ضباط الشرطة للمواطنين ؟! »
  والعجيب فى هذا المانشيت وصف المأساة التى طالت سبعين نفسًا من الأبرياء الذين لم يرتكب أحدهم وزرًا بأنها أى المأساة : « عقاب إلهى » .
وبداهة لا يمكن أن ينزل « عقاب إلهى » بأبرياء، والله لا يعاقب أحدًا بوزر أو ذنب آخر، فلكل إنسان طائره فى عنقه، وكل امرئ بما كسب رهين، ولا تزر وازرة وزر أخرى .. فإذا كانت الجريدة تنسب الوزر إلى « محافظ »، فإن شيئًا لم ينزل به حتى يتصدر المانشيت « عقاب إلهى » !! وإنما راح ضحية الحادث سبعون غريقًا أبرياء لا ذنب لهم فى حادث مأساوى وجف له قلب مصر ! 
هل بوصلة العقاب الإلهى لا تعرف طريقها وتخطئ هدفها، فتودى بحياة سبعين بريئا ليغرقوا فى قاع ترعة الإبراهيمية على مذبح عقاب السيد المحافظ عقابا إلهيا؟!
ما ذنب هؤلاء الغرقى السبعين أن تذهب حياتهم عقابا إلهيا للسيد المحافظ، وما ذنب الزوجات والأمهات الثكلى، والأطفال الذين يتموا، أن يكابدوا رحيل ضحاياهم ويحتملوا تبعات رحيلهم على حياتهم وأقواتهم ومعايشهم ومصائرهم ومعاناتهم من بعدهم؟!
ذكرنى هذا الربط المخيف الضرير، بقالة لأحد علماء الدين أطلق فيها أن ضحايا إعصار مدمر ذهب بحياة مئات الألوف فى دولة غربية، بأنه ما كان جزاءً (إلهيا!) وفاقا للعالم على خروجه على الدين! 
هل التزمنا بحدودنا البشرية وأدركنا كم هو مخيف وضرير أن ننسب الحوادث والكوارث والملمات إلى عقاب إلهى، بينما لا صلة ولا رابط ولا سببية بين ضحايا الحادث أو الكارثة أو الملمة وبين ما يعتقده المعتقد صح أم أخطأ فى أوزار وخطايا آخرين لا علاقة للضحايا بهم أو بأوزارهم!!
هل يستطيع مخلوق أن يستقرئ الإرادة الإلهية، وأن يرد وينسب إليها ما يريد أو ما يعتقد ؟! أليس هذا تطاولا على المشيئة الإلهية، ورجما فيما لا يجوز فيه الرجم؟!
وهل يدرك الراجم أن «شخصية المسئولية» ركن ركين فى مبادئ القرآن الحكيم، فإذا خرجـت ظاهريا ! عن هذه الحدود، فلعلةٍ لا يعرفها ولا يدركها المخلوقون، فالله تعالى يقول فى محكم تنزيله: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه». ويقول: «كل امرئ بما كسب رهين».. ويقول فى عدة سور: «ولا تزر وازرة وزر أخـرى».. ويقول : «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يــره». مؤدى هذا المبدأ القرآنى أن الواحد لا يؤخذ بوزر غيره، وأن الأمة لا تؤخذ بوزر أخرى، وأن الوزر موقوف على مقارفه لا يمتد خارجه ولا يمس سواه! لا يمكن لمخلوق أن يفترض ناهيك عن أن ينسب شيئا كبر أم صغر إلى إرادة الله، ناهيك بأن يكيفه ويستقرئ أسبابه حسب معتقده أو هواه. مخيف وضرير أن نصدر للناس أن الضحايا السبعين الأبرياء الذىن ابتلعتهم مياه ترعة الإبراهيمية عند مغاغة، كانوا قرباناً لعقاب إلهى! أرادت المشيئة الإلهية إنزاله بالسيد محافظ المنيا!! هذا الشطط الضرير يصيب بالحول معتقدات الناس، ويمثل أسوأ مواساة لأسر الضحايا الأبرياء الراحلين!!
من المؤسف أن تضل «بوصلة» جريدة تخاطب الآلاف هذه الضلالة، ويتوه منها أن الأصل الواجب هو التوجيه والإصلاح والتنوير، وليس الغرق فى هاوية «المسايرة» التى ترضى غرائز الضالين وأصحاب الهوى، وتثير أشواق النميمة، ولا تسعى إلاَّ لاستجلاب زيادة التوزيع، حتى وإن بثت الحول والعماء ونشرت مدركة أو غير مدركة عوامل الفساد والإفساد والضلال!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة