‫لوزير الدعاية النازى جوزيف جوبلز عبارة مأثورة تقول «إعطنى إعلاماً بلا ضمير، اُعطِكَ شعباً بلا وعى».. ويبدو أن بعض الإعلاميين ممَن فقدوا ضميرهم المهنى يؤمنون بهذه المقولة ويكرسون كل جهودهم لتغييب وعى الجماهير عبر الإصرار على تزييف الحقائق وترديد الأكاذيب، عملاً بنصيحة أخرى لأستاذهم جوبلز تقول «إكذب ثم إكذب حتى يصدقك الناس»!!.. والواضح أن هؤلاء وجدوا فرصة ذهبية فى الإنفلات الذى يسيطر على الساحة الإعلامية وداسوا على كل القواعد والمعايير التى تضبط الأداء وتُرَشِده، وهو ما يؤكد الحاجة الماسة إلى الإسراع بإنشاء نقابة للإعلاميين تكون بمثابة المظلة والمرجعية التى تحدد الحقوق والواجبات وتحفظ آداب المهنة وتضع ميثاقاً للشرف المهنى..
‫وما يحدث فى سوق الإعلام المصرى ليس بالفريد أو المُستَغرَب.. فبعد كل الثورات الكُبرى تحاول قوى الثورة المضادة العودة بالأمور إلى ما قبل نقطة إنطلاق الثورة، كما يقول منظر الثورة البلشفية ليون تروتسكي..أى العودة إلى أسوأ مما كانت عليه الأمور قبل إندلاع الثورة!!.. وأول ما تفعله قوى الثورة المضادة هو شن حملة ممنهجة لتحقيق هدفين رئيسيين.. أولهما تشويه وشيطنة الثوار وتحميلهم عواقب إخفاق الثورة وتدهور أحوالهم المعيشية.. وثانيهما العمل على غسل أدمغة الشعب بغرض تبييض وجه النظام القديم وتنظيف سمعة رموزه.. وهذا هو بالضبط ما تحاول تحقيقه حالياً معظم الفضائيات الخاصة، وأغلبها مملوك لفلول مبارك ويحتل شاشاتها مخبرون معروفون ومذيعون ومذيعات كانوا مجرد جوارى وخدم فى حاشية مبارك وساهموا فى فساده وفى تلميع صورته وكانوا جنوداً فى حملة التمهيد للتوريث وتلميع الوريث.
‫وإذ صارت الأمور «سداحاً مداحاً» إقتحم الحقل الإعلامى العديد من الدخلاء وإستنَ بعض مقدمى البرامج بِدعة «المنولوج الفضائى» حيث ينفرد النجم بالمشاهدين ليخطب فيهم ويعظ ويُفتى دون علم ودون حسيب أو رقيب.. وبلغ «جنون الفضائيات» أن ترك كثير من الصحفيين والباحثين مجالات تخصصهم ليقدموا برامج بلا معنى!!.. والمُحزن أننا خسرنا باحثين مرموقين تركوا مراكز البحوث جرياً وراء أموال وأضواء الفضائيات وتخلوا عن وطن أحوج ما يكون للبحث والدرس!!.. وإذا كان للكاميرا سحرُ لا يُقاوم وجاذبية قادرة على إغواء النخبة وكسر الثوابت والمحرمات، فأولى بها أن تسحر عقول عامة الناس وتُفقدهم توازنهم.. ومع تفشى البرامج المشبوهة التى يقدمها إعلاميون مصريون ولبنانيون وتروج لشركات النصب على المواطنين وللفضائح الجنسية والدجل وتحضير الأرواح والخوض فى الأعراض، سقطت كل الخطوط الحمراء إلى حد ظهور فلاح مع ابنته التى تعرضت لجريمة إغتصاب وقبوله الخوض فى تفاصيل الجريمة على الملأ، فى سقوط أخلاقى يلامس حد الجنون.
‫وهناك مَن يتعجبون «كيف نجحت شخصيات مشبوهة وبذيئة ومتخلفة عقلياً فى الإنتخابات البرلمانية.. وباكتساح»؟!!.. وأقول لهؤلاء «فتشوا عن الفضائيات التى باتت تشكل عقلية جماهير تصدق كل ما يُقال لها !!..أما البرامج الرياضية فهى الأكثر تخلفاً وخطراً لأنها تخاطب الشباب بشكل خاص.. وعندما طالبتُ فى هذا المكان بمحاكمة الإتحاد المصرى لكرة القدم لم يكن ذلك بسبب فضيحة مباراة السنغال فى الإمارات أو فشل المنتخبات المصرية فى تحقيق أى إنجاز فحسب، ولكن أيضاً لأن إتحاد اللعبة ضعيف وتحكمه المصالح وكان جُل هَمّْ رئيسه وبعض أعضاء مجلس الإدارة الوصول للبرلمان.. أما أعضاء الإتحاد وخاصة من الشباب «الوارثين» فهم مشغولون بتقديم برامج للتربح وتصفية الحسابات ونفاق القيادات وبث أفكار سطحية ومدمرة تزرع الجهل والتعصب ولا تعرف ألف باء الإعلام.. وهذا تضارب مصالح فَجْ وفاجِر يتعين حظره إذا كنا جادين فى محاربة الفساد والسعى للنهوض بالرياضة.. ووضع حد لفوضى الإعلام وجنون الفضائيات.