فى مثل هذه الأيام.. من كل سنة.. تخرج علينا مجلة ∩تايم∪ الأمريكية.. بنتائج استفتاء تجريه حول الشخصية السياسية البارزة التى حققت الانجازات المبهرة خلال العام ويرتاح لها الرأى العام رغم اختلاف اللغات. وتفرق الأجناس. بكل ما لها وما عليها.
وجرت العادة أن يحتل هذا النبأ المكانة الفريدة فى الصفحات الأولى من صحف العالم.. ومعها صورة الشخصية المختارة بالألوان.. وتدخل كل البيوت.. وتتحول إلى حديث المجالس.. ويشغل الرأى العام فى القرية الكونية التى نعيش فى احضانها.
فى سنة ١٩٧٧.. وقع الاختيار على الرئيس الراحل أنور السادات.. بعد زيارة للقدس فى نوفمبر ١٩٧٧. وكان هو رجل العام.. باجماع غير مسبوق من جانب وكالات الأنباء وكبريات الصحف الأوروبية والأمريكية.. وكانت العادة.. كما يحدث حتى الآن.. ان تختلف الآراء من دولة إلى دولة.. ومن صحيفة إلى مجلة.. ولكن ∩رجل عام ١٩٧٧∪ لم يختلف عليه.. اثنان.
الآن نحن أمام اسطورة سياسية.. سوف تحمل لقب شخصية عام ٢٠١٥.. وهى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل.. التى خلعوا عليها لقب مستشارة العالم الحر.
وجرت العادة أن تحتل صورة ∩شخصية العام∪ غلاف مجلة ∩تايم∪ الأمريكية بالألوان.. فتدخل ملايين البيوت.. وان يتصدر النبأ كافة البرامج الحوارية فى اجهزة التلفزة ويجرى النقاش بين ضيوف هذه البرامج حول ما يتعين أن يكون عليه رجل الدولة.. من مواصفات تتسم بشجاعة اتخاذ القرار.. وكونه طرازا ونموذجا وقدوة فى حسن الأداء وجميل الاخلاص والصدق فى كل ما ينطق.. وتسلط الأضواء على ما حقق وما انجز.
بالنسبة لانجيلا ميركل تلخصت الأسباب التى دفعتها لحمل اللقب فيما ابدته من مرونة وقدرة على القيادة فى أزمة اللاجئين السوريين والاضطرابات فى الاتحاد الاوروبى بشأن العملة الموحدة والأزمة المالية الطاحنة التى واجهت اليونان.. وقدرتها على تحويل المهمات إلى طريق الصواب بنعومة فائقة.. لا يتمتع بها الكثير من الساسة.. سواها.
اود ان اضيف إلى ما تقدم.. القضية الأهم بالنسبة لنا.. وهى دفاعها عن المسلمين الذين يعيشون فى ألمانيا.. وسعيها لادماجهم ورفض فكرة الابعاد والاقصاء.. والدفاع عن الائمة والدعاة الذين يلقون المواعظ فى ٢٦٠٠ مسجد ∩الفين وستمائة مسجد∪، علاوة على العشرات من المراكز الإسلامية المنتشرة فى جميع الولايات الالمانية.
وفى الوقت الذى دعت فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة بطرد المسلمين ومطاردتهم.. بعد الاحداث الإرهابية التى شهدتها فرنسا.. خرجت انجيلا ميركل بروشتة صائبة حملت جملة لا.. للطرد.. نعم للاندماج!
بل إن انجيلا ميركل.. تعاملت فى شهر أكتوبر الماضى مع قضية العثور على اسلحة ومدافع رشاشة بأحد المراكز الإسلامية بمدينة برلين الألمانية.. يتبع احد التيارات السلفية.. بما تتسم به من حكمة.. واكتفت بالتحريات التى قامت بها الجهات المنوط بها مكافحة الإرهاب ومصادرة الأسلحة.. وكانت ٦٠ مدفعا رشاشا من طراز ∩عوزي∪.. ولم ترتفع إلى مستوى التعميم.. واعتبار ما تردد ايامها من أن كل مسلم هو مشروع ارهابي.. هو تعميم مرفوض.. والامثلة من هذا القبيل تضيق السطور عن تناولها.
ما علينا..
المهم.. ان انجيلا ميركل حصلت على اللقب الذى تستحقه.. وجاء فى وقته المناسب.. قبل ان يتم الاعلان عن ترشيحها لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة.. بعد انتهاء مدة الأمين العام الحالى بان كى مون.. وقبل ان تصبح اول سيدة تشغل هذا النصب الدولى المرموق.. وبالمناسبة نقول.. ان انجى لاتزال تفكر.. ولم تتخذ بعد قرارا بشأن قبولها لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة أو الاعتذار عنه.. فهى حتى الآن لم تقل نعم ولم تقل لا.. ولاتزال تقف بين نعم.. وبين لا.. موقف المتردد الزاهد فى المناصب.. ووجع الدماغ.
وانجيلا ميركل يقال لها انجى من باب الدلع.. كما كان يفعل العرب فى سالف الأزمان عندما كان يقال اسم ∩سكني∪.. لسكينة. وبثن اسم لبثينه.. وهو ما نقصده اليوم من ∩ديدي∪.. لدريد.. و∩سوسو∪ لسنية الخ.
وانجى من مواليد المانيا الشرقية فى ١٧ يولية سنة ١٩٥٤ لاب يعمل قسيسا. وحصلت فى المانيا الشرقية على درجة الدكتوراه فى الكيمياء وعملت كباحثة.. إلى أن بدأت لعبة السياسة فى المظاهرات التى اندلعت فى المانيا الشرقية.. وسقوط نظام ايريك هونيكة وشاركت فى أول انتخابات حرة جرت فى المانيا الشرقية حيث تعرفت بها فى برلين سنة ١٩٨٩.. وفازت فى هذه الانتخابات التى خاضتها ضمن فريق الحزب المسيحى الديمقراطي.
وحققت فيها فوزا كاسحا.. استطاعت بسببه ان تشارك كوزيرة لشئون الأسرة فى حكومة المستشار هيلموت كول الذى كان يناديها باسم ∩الآنسة∪ إلى أن نجحت فى اسقاطه والاطاحة به.. وان تتولى رئاسة الحزب.. وتخوض معركة الانتخابات لمنصب المستشار واصبحت اول سيدة تتولى هذا المنصب فى المانيا.. على مر التاريخ.. إلى أن أصبحت الآن هى اقوى سيدة فى العالم.. اقوى من ميشائيلا زوجة الرئيس الأمريكى اوباما شخصيا!
وعندما تولت منصب المستشار تغيرت كافة قواعد المراسم.. وانقلبت رأسا على عقب.
ولم يعد مسموما لزعماء العالم ان يأخذوا مستشارة المانيا بالاحضان والقبلات.. كما كان يحدث من قبل.. واصبحت القاعدة هي:
اصافحك آه.. ابوسك لا!
جميع مطبوعات المستشارية التى كانت تحمل جملة ∩مكتب المستشار∪، القيت فى زبالة التاريخ.. وتم تزويد المستشارية بمطبوعات جديدة تحمل جملة ∩مكتب المستشارة∪.
جميع اللافتات الارشادية التى تنتشر فى حديقة المستشارية اصبحت تحمل إلى مكتب المستشارة بدلا من إلى مكتب المستشار.
والاهم من ذلك كله انه جرى تغيير الطراز المعمارى داخل مكتبها ليتناسب مع مستشارة من الجنس الناعم.
المكاتب ومائدة الاجتماعات فى مبنى المستشارية كانت مصممة لمستشار رجل منذ بسمارك وحتى شرويدر.. أما الآن وقد اصبحت المستشارة سيدة فان المكتب بكل ملفاته الداخلية والحمامات ودورة المياه.. وشكل مائدة الاجتماعات وارتفاعها قد ازيلت بالكامل.. وقال الخبراء ان طريقة الرجال.. اثناء العمل تختلف عن طريقة المرأة.. واحتياجات المرأة.. تختلف عن احتياجات الرجل.
وتدور الايام والسنوات.. وتصبح انجي.. شخصية عام ٢٠١٥.. وتصبح صورها الملونة فى ملايين البيوت داخل المانيا وخارجها.. وتصبح على ابواب تولى منصب السكرتير العام للامم المتحدة.. ولم يبق سوى كلمة منها تقول فيها ∩نعم∪!
وهكذا جاء اختيار انجى كشخصية عام ٢٠١٥ تتويجا لمكانة المرأة فى ربوع العالم.. ورفضا كونيا.. لثقافة حصر دور المرأة فى المجتمع على الشهوات والعياذ بالله.