ما يتبقي لنا مجرد ذكريات. نستعيدها كالأحلام مرات ومرات ويستعصي علينا تذكرها بعد ذلك. ثم نصبح نحن مادة للذكريات حتي نسقط من الذاكرة ونسكن النسيان. نحاول استعادة بعض ملامح ما مر بنا معا.. هنا تحاورنا، اتفقنا كثيرا واختلفنا وضحكنا.. آمال عريضة عاشت وحيت بيننا.. مرت بنا أفراح وأتراح ثم عدت وعدي وأصبح ذكري.. أتذكر سخريته الدائمة ممن حوله حتي من الموت نفسه كان لا يتمالك نفسه ضحكا كأنه يحاول الانتصار علي الموت حتي في لحظات مرضه يتذكره مرددا الحمد لله والابتسامة الساخرة العابرة لا تفارقه..!

لا يتوقف عن الحكي والدعابة كلما جلست معه.. يذكر جدته الطيبة كنزا للحكايات الساخرة، يغترف منها يرويها ضاحكا ساخرا.. يتذكر حين فقدت نظارته الطبية صغيرا وكان ذاهبا لامتحان الابتدائية، بحث عنها في كل ركن، لم يعثر عليها، تعقد الأمر بات مهددا بعدم ذهابه للامتحان فلا يستطيع القراءة بدون النظارة. تسللت جدته خارجة للميدان الفسيح حيث بائع لعب الأطفال، ابتاعت له نظارة حتي يرتديها بدلا من الضائعة ويتمكن من الذهاب للامتحان.. رجعت الجدة للبيت سريعا مبتسمة: وجدت لك نظارتك.. مدت يدها بالنظارة.. تناولها.. صرخ إنها ليست نظارة طبية، إنها لعبة ياجدتي.. زعقت فيه الجدة: إنها نظارة.. أنت الذي لا تريد الذهاب للامتحان.. أخذ اللعبة ولم يتمالك نفسه ساخرا..!
حين رحلت زوجته قلّت حكاياته.. ولم تقل سخريته أبدا ممن حوله ومن نفسه.. مخزون ذكرياته كان يكفيه ما تبقي من العمر.. أنشأ صفحة خاصة علي «الفيس» يروي بها تفاصيل حياته صورا معها ومع أبنائه.. ضمت صفحته سريعا آلافا من الأصدقاء.. تحولت صفحته إلي منبر يدعو فيه للحق والخير والتآخي.. صار له أصدقاء من كل أنحاء العالم، يستمعون إلي نصائحه المعجونه بخبرات السنين.. وفجأة تحول إلي مجرد ذكريات عاشت بالدنيا وعلي الفيس لحظة..!