الشاعر الدكتور محمد حلمي حامد
الشاعر الدكتور محمد حلمي حامد


الأدب فعلًا خلٌاقا ينشأ ويؤثر فى المجتمع ..والشعر مبدأ والتزام خلقي واجتماعي

حوار| الشاعر محمد حلمى: لا بد من دراسة كيفية ذهاب الدعم المالى للمثقفين إلى مستحقيه

عبد النبي النديم- صفوت ناصف

الأربعاء، 11 أغسطس 2021 - 01:49 م

دعم الدولة للثقافة لا يصل لمستحقيه .. والأمل فى دعم الدولة للجامعات لدفع عجلة مستقبل الثقافة


الدكتور محمد حلمي حامد شاعر مصري، ولد بحي السيدة زينب بالقاهرة، أحد المهتمين بالفن والأدب والثقافة دراسة وعملا وهواية، كتب في الفن الأدب والثقافة ونشر القصائد في الدوريات العربية، له سبعة دوواوين: قصائد برية (1981) – طقوس (1986)- خماصا تؤوب الطيور(2011) - رسم نائلة (2012) - رداء قديم (2013) - تراب السكة (2015) – هنا بيتى (2021) ، ومن مؤلفاته العلمية في مجالي الفن والتصميم: موسوعة بناء الشكل المرئي في سبعة أجزاء +– قراءات فى الفن الحديث – قراءات فى تاريخ الحضارات – الفن في العصور الوسطى في أوروبا– ضوء على حرف ( نقد أدبى تحت الطبع).


رأس تحرير مجلتين ثقافيتين من مجلات الماستر، هما الأرض منذ 1977 حتى 1981، وجذور من1984 الى 1986، وكان يرسم ويحرر هذه المجلات، وشارك بالعديد من الدراسات الأدبية فى مؤتمرات الثقافة الجماهيرية، وقام بدراسات نقدية للعديد من الفنانين التشكيليين ومعارضهم فى مجلتى ابداع والقاهرة، فكنت أول من قدم دراسة عن الفنان محمد عبلة ومحمد عبد المنعم زكى وخميس خلف وغيرهم، رأست تحرير وصممت مجلة منف الثقافية الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة الربع سنوية فى اعدادها العشرة الأولى قبل سنوات ، كما رأست تحرير مجلة (نوافذ أدبية) التى تصدر عن ثقافة القليوبية، كما حرر وأشرف وصمم أغلفة سلسلة (كتابات نون) التى أصدرت أكثر من مائة إصدار بالجهود الذاتية منذ بدايتها فى عام 2010.


«بوابة أخبار اليوم» أجرت الحوار التالي مع الشاعر الدكتور محمد حلمي حامد حول المشهد الثقافى المصري والعربي..

 

في البداية .. لماذا توقف كتاب نون؟ 

انشغلت بالعمل الأكاديمي، إضافة إلى أن إرتفاع أسعار الورق ومستلزمات الطباعة أثقل كاهل المؤلف، حتى أصبحت بعض الكتب تخرج في عشرين أو ثلاثين  كتاب، وهو ما رأيته بلا جدوى..

 

درست الفنون كما درست الآداب في إلى أى مدى مزجت بينهما؟ وهل يؤثر الأدب في المجتمع؟

إن مفهوم الأدب بوصفه فعلا خلٌاقا، ينشأ ويؤثر فى الناس والمجتمع ومن ثم يغير فى بنيته، فالشعر عندى ليس موهبة أو هواية فقط، بل مبدأ والتزام خلقى واجتماعى وتطوير مستمر، والعمل الأدبى ليس مغلقا محدودا ومحددا، وأنما هو منفتح متعدد متباين ندًا للقارئ المبدع، يكتمل به ومعه وفيه، ويستمر فاعلا فى الزمن متغيرا معه ومتجددا أبدا بفعل القراءة التى هى كتابة جديدة له فى كل مرة، ورغم أن العمل يقوم بالفرد من ذاته وجوانيته وخياله الابداعى، إلا أنه يخص الجميع أى كل أنسان على الأرض وجد وسيوجد، ولذا فإن الأدب فى بنيته الإنسانية الإجتماعية يدعونا ويعلمنا قبول الآخر بل ومحبته، ويرفعنا من هاوية التناحر إلى فضاء التمازج والتعاون، عندما تكون أنت والنص جسدا واحدا لا يفرقه إنسان.


 
ماهو الشعر فى مفهومك؟

الشعر يتحوّل باللغة من إشارية، إبلاغية، إلى إيحائية، رمزية، تحيل على الواقع ومشاكله وتناقضاته، بقدر ما تحيل إلى عالم خيالي له وجوده اللغوي / الدلالي، وهذا ما بعث عبد القاهر الجرجاني لأن ينادي بأن الألفاظ خدم للمعاني، وأن المعاني مالكة الألفاظ، وأقام الحجة في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة.

يقول صلاح عبد الصبور «الشعر صوت منفعل، إنسان يتميز عن الآخرين بقدر ما يتشابه معهم، والانفعال المدرب هو عدة الشاعر فلست أحب لنفسي ولا لأحد من الشعراء أن يكون صوته مندغماً ضائعاً في الأصوات الأخرى»، ويقول محمود درويش في بيان له  بعنوان «أنقذونا من هذا الشعر»، «أعرف تمام المعرفة ما ليس شعراً، ما ليس شعراً بالنسبة لي، هو ما لا يغيرني».

 أما أنا فأميل غالبا إلى استخدام إيقاعات البحور الصافية ذات الوحدات الإيقاعية الموحدة، فهى أصلح للتوظيف مع النص الحديث، لأنها موحدة الايقاع، وفي التوحيد الإيقاعي ضغط يزيد وحدة الموضوع فيقلل حشوه، فيجدد الإيقاع من داخل التفعيلة، كما أحب استعمال التراكيب كثيرة الدوران على الألسن، إن الشاعر يبث الحياة في هذه الألفاظ حين يضعها في الموضع المناسب من التركيب الشعري، لتمنح لغته الشعرية – وهي لغة مغرقة في الاقتراب من المتن اليومي للكلام – سيماء التراث، وتوقظ الذاكرة اللغوية التاريخية لدى المتلقي.

 

ما هو رأيك في قصيدة النثر؟

هى جنس فني يستكشف ما في لغة النثر من قيم شعرية، ويستغلها لخلق مناخ يعبر عن تجربة ومعاناة، من خلال صور شعرية عريضة تتوافر فيها الشفافية والكثافة في آن واحد، وتعوض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثل والتناظر معتمدة على الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تحسُّ ولا تُقاس.
وبينما كان رواد الشعر الحر(التفعيلة) معنيين بصلتهم الوثقى بالتراث الشعري والعروضي العربي، فإن من رواد قصيدة النثر من لم يهتم بهذه الصلة، بل إن منهم من صرح بالاغتراب عن هذا التراث العربي، يقول أنسي الحاج: أشعر بالغربة في المقروء العربي، قراءة العربية تصيبني بملل لاحد له، وما أبحث عنه أجده في اللغة الفرنسية؛ لأن الفرنسية هي لغة (الانتهاك) بينما العربية لغة (مقدسات) .
ومثّلت القصائد الشعريّة المترجمة إلى العربيّة نموذجا لقصيدة النثر بخلوّها من الوزن والقافية، في المقابل حاول نفر منهم تعويض النشأة الأجنبية لقصيدة النثر اصطلاحا وتعريفا وشروطا قائمة كلها على نماذج من الأدب الفرنسي، فلجأوا إلى التراث العربي القريب ناسبين قصيدة النثر إلى جبران ومصطفى صادق الرافعي والبعيد، مفتشين عن نماذج لابن حزم، أبي حيان الأندلسي، وابن عربي. ولذا لا أكتبها فهى تتعارض مع قناعاتى الجمالية، غير أنى لا أرى بأسا فى أن يكتبها غيرى.

 

حركة النقد وما يشوبها من مجاملات والتعامل مع المبدع وليس النص الإبداعي.. فما رؤيتكم؟

نفتقد رجاء النقاش ومندور وعلى شلش وكل متذوق حقيقى يستطيع فك مفردات النصوص، أما هؤلاء المعجبين بتصاوريهم ، فلن يتركوا إلا صورهم، نقدت كثيرين على استحياء، ونقدنى كثيرون ممن أجلهم مثل د. محمد حسن عبدالله ود. عوض الغبارى ود. حسام جايل ود.محمد متولى والأساتذة شوقى عبد الحميد ومحمد غازى التدمرى رحمه الله وآخرون، والمساحات المتاحة لعرض النقد والكتب أقل من انتاج النقاد، علاوة على انعزال الدراسات الأكاديمية عن الحياة الأدبية.

 

وأين نحن من أدب الأطفال وماذا يحتاج العمل الأدبي للأطفال في مصر؟
      
يعجبنى أداء الأديب محمد عبد الحافظ ناصف فى المركز القومى للطفل، فهو طاقة إدارية جبارة، أينما حل أشعل المواقع الثقافية حركة ونشاط، ومنذ أقيمت المسابقات لأدب الطفل قبل عقود، أضحى منتعشا وبارزا وأنتج أسماء مميزة، وهو ما شجعنى على كتابة الشعر للطفل فى ديوانى (هنا بيتى)، وهى تجربة ممتعة وتحد صعب لا أعرف متى أعود إليه، فالاهتمام بنشر الشعر عامة ضئيل، وشعر الطفل لا يجد تشجيعا ولا نشرا.

 

وما هي رؤيتكم للمشهد الثقافي الراهن؟

أطالب بإعادة النظر والحرص فى إنفاق وزارة الثقافة على قطاعاتها المختلفة، لأن ما تنفقه الحكومة من مال الشعب، فهذا يفسد الثقافة، وهو شكل تخبطى يكرس للتكلس وتجبس كل شيء في مصر، ولا بد من زيادة رقعة الحراك، وتوفير النفقات غير المجدية، ودراسة كيفية ذهاب الدعم المالى للمثقفين إلى مستحقيه, وأن هناك قصور في القطاع الثقافي وجهاز للتعمية الثقافية، نهاية بالمجلس الأعلى للثقافة، فى الوقت الذى نلحظ ضعف تمويل وأداء قطاعات أخرى مثل هيئة الكتاب والمركز القومى للفنون ودار الكتب وضعف فى توجهات المركز القومى للترجمة، الذى ما زال يترجم نيتشة وبودلير وكتبه لا يشتريها أحد، رغم الخصم الكبير عليها، ومطلوب توجيه هذا المركز لخدمة النهضة العلمية فى مصر بدعم وتوجيه من الجامعات، كى لا تصبح كتبه تدور فى فلك تحصيل الحاصل.

انني أوجه إليك سؤلا كصحفى مسئول عن صفحة ثقافية فى مؤسسة قومية.. هل تعرف الفائدة العائدة على البلد من وجود لجان العمارة والبيئة والتاريخ؟ بل والشعر والقصة فى المجلس الأعلى للثقافة؟ ماذا يقدم هؤلاء غير احتفالات تذكارية وندوات تشبه أى ندوات فى أى منتدى، والوزيرة غير قادرة على إحداث أى تغيير، الحراك الثقافى الحقيقى تقوم به الثقافة الموازية الأهلية مثل ندوات نقابة الصحفيين دار الأدباء ورابطة الأدب ..وإتحاد الصالونات.

 

والحل يا دكتور؟

في ظل غياب رجال كـ«ثروت عكاشة ويحى حقى ويوسف السباعى ورفاعة الطهطاوى»، الأمل فى أن توجه الدولة الجامعات للقيام بدورها، وزيادة أنشطتها الثقافية، وتركيز اهتمامها لدفع عجلة مستقبل الثقافة، بعيدا عن وزارة الثقافة ومكاتبها. 

الجامعات هي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها أداء أي مجتمع سواء كان خدميا أو إنتاجيا‏..‏ وتحديث وتطوير وتفعيل أداء الجامعات ومكوناتها هو الطريق الرئيسي لإحداث التنمية الحقيقية‏، إيمانا بقضية العلم واعتدادا بدوره في بناء النسق المستقبلي لهذه الأمة، لكونه المدخل الطبيعي لتحقيق حلم المجتمع المصري في أساتذته وعلمائه‏، فالجامعة جزء حي من المجتمع تتأثر به وتؤثر فيه، تستلزم بالضرورة مشاركتها بالرأي في قضايا النشر والخدمات حتى تستطيع أداء واجبها نحو المجتمع على الوجه الأكمل.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة