نظرات العيون تفضح ما بين رامى وأم كلثوم فى قصة حب من طرف واحد
نظرات العيون تفضح ما بين رامى وأم كلثوم فى قصة حب من طرف واحد


«الأخبار» تضيء الشمعة 129 في ذكرى ميلاد شاعر الشباب أحمد رامي

الأخبار

الأربعاء، 11 أغسطس 2021 - 07:04 م

إعداد: عاطف النمر

فى التاسع من أغسطس عام 1892 جاء للحياة شاعر بعثه الله ليملأ حياتنا بالكلمة الرومانسية، وأحاسيس الشجن التي تحلق بنا فى سمو روحى يندر أن نجده الآن فى عالم المادة وانهيار الذوق العام ، اليوم نحتفى بإضاءة الشمعة 129 فى ذكرى ميلاده شاعر الشباب أحمد رامى.

التقيته مرة واحدة عندما أصطحبنى إلى بيته المؤرخ الفنى المعروف عبد الله أحمد عبد الله الشهير بميكى ماوس ، يومها أجريت معه الحوار الأول والأخير ، فبعدها بفترة قصيرة ازداد عليه المرض حتى رحل عن عالمنا تاركاً أروع ما كتب الشعراء فى الحب والرومانسية ، وأجمل ما تغنت به أم كلثوم ، وأجمل ما تغنى به المطربون والمطربات اللواتى فزن بكلماته العذبة الرقيقة التى نقلت الأغنية العربية من حال إلي حال آخر .

عندما جلست أمامه قلت له وأنا أتأمله: «جئتك بالواسطة ..بدون الأستاذ عبد الله أحمد بعد ما كانت سنحت الظروف بمقابلتك»، رمقنى بنظرات من عينيه الضيقتين وارتسمت على وجهه ابتسامة مريحة ثم قال: «أنت مكبر الموضوع قوى .. أنت يعنى مفكر نفسك جاى تقابل رئيس ولا ملك .. الحكاية مش محتاجة لواسطة .. وعموماً أهلا بكما فى منزلكما»، تدخل الأستاذ عبد الله أحمد عبد الله قائلاً: «أصله ما يعرفش بساطتك ، لم يشاهد كتاب الأغنية الذين يأتون إليك لتوجههم وتكتب لهم مقدمات دواوينهم»، أمال برأسه وهو يقول بصوت خافت: «ده واجب علينا ..تواصل الأجيال مطلوب»، اعتدل وهو ينظرلعبد الله أحمد عبد الله قائلاً: «للأسف ، صحتى ما بقتش زى الأول .. فقللت من مقابلاتى للشباب الجدد ، وأرجو الا يزعلوا منى».

كان عبد الله أحمد عبد الله قد أتفق معى الا نطيل الزيارة لكى لا نرهقه ، لهذا لم تستغرق المقابلة أكثر من نصف ساعة، سألته عن الوقت الذى يكتب فيه وفاجئني قائلاً : « أكتب عندما أجد نفسى ميالاً للبكاء!» ، قرأ الدهشة على وجههى واستكمل: «أليس فى هذا ما يثير العجب؟»، تذكرت على الفور ما قرأته عندما سئل عن الشيطان الذى يلهمه كلمات أغانيه وقصائده فقال : «أنا لا اسميه شيطانًا ، بل ملاكاً يهبط على عندما أكون فى وحدة».

قال لنا من بين ما قال فى حوارنا القصير أنه كان لا يكتب أغانيه إلا فى الليالى القمرية ، كانت تأتيه كلمات الأغانى والأشعار فى أى مكان يتواجد فيه ، وكانت متعته في بداياته أن يستلهم كلمات أغانيه وهو جالس على كرسى يهتز فى داخل الترام ، ومن الغريب أنه كان يلحن ما يكتبه ويترنم به فى داخل الترام غير عابئ بالركاب من حوله ، وقال إنه تعود أن يغنى كلماته بصوته ، ويصنع لها اللحن الذى يرضيه ، وعندما تكتمل الأغنية أو القصيدة ، كان يدونها بالقلم الرصاص على ورق من الفلوسكاب ، وضحك وهو يقول : « كنت كاتباً صيفياً « ، بمعنى أنه كان غزير الإنتاج فى فصل الصيف أكثر من الشتاء ، وقال إنه يحب أن يكتب أغانيه وأشعاره وهو جالس فى الهواء الطلق تحت السماء ، حيث تستمد قريحته الغنائية من ضوء النجوم المتلألئة أجمل تعبيرات النسيم الصيفى البديع الذى يحمل له رائحة الأزهار وكان أحبها لقلبه زهرة الفل وزهور الياسمين ، وقال أيضاً إنه كان مثل سيد درويش ، يسير وراء الباعة ، لكى يستمع لأصواتهم وهم ينادون على بضاعتهم ، وكان يحفظ ما يرددونه من أنغام وكلمات .

هذا هو شاعر الشباب ، شاعر الحب ، شاعر أم كلثوم ، شاعر الأمة التى ترنمت بكلماته وأغانيه ، كنت أظن - كما قرأت - أن أم كلثوم هى التى أطلقت عليه لقب « شاعر الشباب « لكنه صحح لى المعلومة  ،موضحا أنه نال اللقب قبل أن يلتقى بأم كلثوم عندما كان ينشر قصائده فى مجلة « الشباب « ،والذى أطلق عليه اللقب هو صاحب المجلة عبد العزيز الصيد.


سألته عن المواقف الطريفة التى قابلها عقب تخرجه من مدرسة المعلمين العليا ، أثناء عمله بعدد من المدارس فقال إنه لا ينسى أن بعض التلاميذ كانوا أكبر سناً من المدرسين ، وذات يوم وجد ناظر المدرسة مجموعة من التلاميذ يتشاجرون فى فناء المدرسة فأنهال عليهم ضرباً بعصا غليظة ، فنالت عصاه بعض المدرسين الواقفين بين التلاميذ فصاحوا قائلين : « احنا مدرسين .. مش تلامذة يا حضرة الناظر» لكنه لم يكف عن الضرب وهو يقول : « وأنا أعرف منين .. التلاميذ يقفون فى ناحية والمدرسين فى الناحية الأخرى !!»


لم يسترح رامى فى العمل بالتدريس فكانت بعثته لفرنسا هى المنقذ له من هذه المهنة ، وفورعودته تم تعيينه موظفاً بدار الكتب بقسم الفهارس الأجنبية ، وكان قد عاد من الخارج وهو يحمل ثلاث دبلومات عليا ، واكتشف أن رئيسه فى العمل لا يحمل سوى شهادة الابتدائية ، وظل رامى فى الدرجة الخامسة تسعة عشرعاماً لم يتحرك منها حتى أطلق عليه أصدقائه لقب « شهيد الوظيفة الحكومية «، وقد رفض كل المساعى لنقله إلى وظيفة كبيرة بوزارة الشؤون الاجتماعية ، حتى أنه عندما خلت وظيفة مديرعام دار الكتب ، شغل منصب المدير بقرار غير رسمى وفوجىء بعدها بتعيين توفيق الحكيم فى المنصب بدلاً منه ، وعندما بلغ سن الستين عام 1952 تقرر إحالته للمعاش لكنه طلب مد خدمته عامين فأستجابت الدولة، وفى عام 1954 عين مستشاراً أدبياً للإذاعة وعضواً بلجنة النصوص بمكافآت لم يستطع صرفها إلى جانب معاشه الضئيل إلى أن أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً يسمح له بالجمع بين المعاش والمكافأة.


كثيرة هى الحكايات الدرامية التى عاشها العاشق الولهان أحمد رامى مع ملهمته أم كلثوم ، ومن أهم هذه الحكايات الخلاف الذى حدث بينهما وأدى إلى أن يقاطعها لمدة ثمانية شهور، وقال لى الناقد الكبيرمحمد السيد شوشة إن أحمد رامى كشف له عن سبب غضب أم كلثوم منه عندما أدلى بحديث صحفى كشف فيه النقاب عن قصة قصيدته « ليلة البدر فى رأس البر» التى أستوحاها من ليلة أمضاها معها فى زورق تحت ضوء القمر، وأكدت القصة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى كتابها « أم كلثوم وعصر من الفن « الذى أشارت فيه أن أم كلثوم غضبت من أحمد رامى حين ذكرت مجلة «روزاليوسف « أن رامى أنشد لأم كلثوم قصيدة أكتشفت أنه سبق أن أنشدها لمحمد عبد الوهاب ، فلما التقت به بعدها قالت له : « أنا متأسفة أنى عرفتك !! « ، ولم يمنعه حبه لها من أن يثور لكرامته ، وآل على نفسه إلا يسعى إليها ولا يجدد لها عهداً ، وحرم على نفسه سماع صوتها من المذياع ، ونظم فيها قصيدة يدافع بها عن كرامته بعنوان : « من أنت حتى تستبيحى عزتى « ، ومع ذلك فكل ما كتبه رامى يؤكد أنه كان متيماً بأم كلثوم لدرجة الوله منذ أستمع إليها وهى تغنى قصيدته «  الصب تفضحه عيونه» التى لحنها الشيخ أبو العلا أثناء سفر رامى لفرنسا ، من هذا اليوم أحس رامى أن أم كلثوم ليست ملهمته فقط  بل هى قدره الأبدى وتوأمه الروحى ، وكل أغنية كتبها كانت عبارة عن رسالة تفضح مشاعره نحوها ، فعندما تمرض أم كلثوم يكتب « يا للى جفاك المنام عليل أليف السهاد « ، وعندما تسافر وتفترق عنه يكتب « أيها الفلك على وشك الرحيل « ، وعندما يشتاق إليها لطول بعادها عنه يرسل إليها بقصيدة « اذكرينى كلما الفجر بدا» ، وعندما تعود من السفر ويذهب ليلقاها يكتب « رق الحبيب وواعدنى «، وعندما يشعر أنها تميل إليه مجددة العهد معه يكتب « جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما أرتاح « ، وهكذا فكل أغنية وقصيدة كتبها لها وتغنت بها تروي قصة حقيقية جالت بمشاعره نحوها سواء فى رضاها عنه أو هجرها له أو قربها منه أو بعدها عنه ، وكأنه كان يستمتع بكل حالة من هذه الحالات التى تفجر بداخله ملاك الشعر ، فيبدع و هى تسحر وجدان الملايين.

أسطورة حب خرافية يندر أن تتكرر لمبدع يندر ان يتكرر ٫ اكمل حياته فى حالة حزن لا توصف ٫ وكانه عاش بجسده و ماتت روحه يوم ان رحلت ملهمته !.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة