قصيدة «النهر الخالد»
قصيدة «النهر الخالد»


«النيل» ملهـم الأدبـاء

آخر ساعة

الأحد، 15 أغسطس 2021 - 02:21 م

حسن حافظ

للنيل حضوره الطاغى فى الأدب المصري، لم يتوقف عند الأدب المعاصر، بل إن النهر الخالد كان حاضرا وبقوة فى كل مراحل الأدب المصرى منذ الأدب القديم مرورا بالحقبة الإسلامية، وليس انتهاء بالمرحلة الحديثة، فهو أحد مكونات الشخصية المصرية، ونسجت الأيام علاقة خاصة بين النهر والمصريين، على مدار التاريخ المصرى، فكان النيل وبحق أحد ثوابت الشخصية المصرية، والحاضر الدائم فى المشهد الإبداعى فمنه يستمد الكاتب مداد إبداعه.. ويعود تأثير النيل فى الأدب المصرى إلى فجر الحضارة المصرية، لا ننكر أنه صاحب التأثير الأبرز فى المخيلة الإبداعية للمصريين كما يذهب حسن سليم فى كتابه «الأدب المصرى القديم»
 

العلاقة المفتوحة بين المصرى القديم والطبيعة كان النيل فى القلب منها، فهو المنظم الأساسى لحياتهم والمايسترو لدورة الحياة بداية من الفيضان ثم انحسار المياه عن الأرض الغنية بالطمى ليبدأ المصرى فى زراعتها، ثم ينتظر تحت الشمس الدافئة حتى يوم يحصد المحاصيل، لذا لم يكن غريبا أن يتحول النهر إلى معبود المصريين، والرمز الأكبر فى رسم تفاصيل حياتهم.
ولم يقتصر حضور النيل على مستوى الأسطورة مثل إيزيس وأوزوريس وهى التيمة التى استعارها توفيق الحكيم فى مسرحية «إيزيس»، وعلى أحمد باكثير فى «أوزوريس»، بل اندمج فى قصص المصريين التى تعد أعمالا إبداعية مبكرة سبقت بآلاف السنين الشكل الحديث للرواية والقصة، فمن أشهر هذه القصص قصة الملاح الغريق التى تقوم على تقنية قصة داخل قصة داخل قصة، وهو أسلوب قصصى نجده بكثافة فى بنية ألف ليلة وليلة، وتقوم القصة الأساسية على سفينة فى نهر النيل وعليها مبعوث الملك، الذى يصاب بالكآبة بسبب فشل مهمته فى النوبة، وانشغل بكيف سيبرر هذا الفشل أمام الملك، هنا يظهر مساعده الذى يحكى له عدة قصص متداخلة من أجل تهدئة خاطره.
وذكر سليم حسن فى موسوعته «مصر القديمة»، قصة تعود إلى عصر الملك بيبى الثانى آخر ملوك الأسرة السادسة، فالبطل هو «سبنى»، حاكم إلفنتين أى حارس البوابة الجنوبية لمصر، الذى قرر القيام بحملة فى أدغال أفريقية لاستعادة جثة والده «مخو»، بعدما تعرضت له قبائل أفريقية وذبحته، وبعد مغامرات فى مجرى النيل نجح «سبنى» فى مهمته واستعاد جثة والده، وكتب قصة وفائه على مقبرته التى لا تزال موجودة إلى الآن بتلال أسوان، وقد سجل «سبنى» قصة استعادة جثة والده والانتقام من قاتليه داخل جدران المقبرة، وتحولت الواقعة الحقيقية إلى قصة خيالية يقدم فيها البطل الكثير من الاحترام للنيل الذى يحمى البطل طول الرحلة.
فى العصور الوسطى، الكثير من النصوص التاريخية التى تتحدث عن النيل وعظمته وترصد الأساطير والقصص المرتبطة بالنيل، لكننا نجد أيضا التوظيف الأدبى للنيل كما فعل شهاب الدين بن العماد الأفقهسى كل ما يتعلق بالنهر الخالد فى كتابه «أخبار نيل مصر»، وكما فعل جلال الدين السيوطي، والذى تحدث عن النيل باستفاضة فى كتاب «كوكب الروضة فى تاريخ النيل وجزيرة الروضة»، كما كتب «المقامة النيلية فى الرخاء والغلاء»، وهى مقامة مكتوبة على هذا النمط الأدبى الشهير الذى أبدع فيه بديع الزمان الهمذانى والحريري، ويرصد السيوطى فى المقامة العلاقة بين النيل وحالات الرخاء والغلاء فى مصر بأسلوب أدبى شيق.
وكان حضور النيل قويا فى الأدب المصرى الحديث سواء فى الشعر والرواية، فنجد أمير الشعراء أحمد شوقي، يتغنى بعظمة النيل فى قصيدة «أيها النيل» التى ألقيت فى افتتاح الإذاعة المصرية، وغنتها سيدة الغناء العربى أم كلثوم بها بعد ذلك من ألحان رياض السنباطي، أما الشاعر محمود حسن إسماعيل فتفوق على نفسه فى قصيدة «النهر الخالد» التى غناها ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، ومن الشعراء الذين خصصوا قصائد للنيل: أحمد محرم، وحسن طلب، وعبدالمنعم عواد يوسف.
ولم يختلف الوضع فى المشهد الروائي، فقد سبق محمد حسين هيكل فى روايته «زينب» فى استخدام النيل كأحد مكونات العمل الروائي، أما عميد الأدب العربى طه حسين، فقد استخدم النيل كمكون أساسى فى روايته «شجرة البؤس»، كما يعود العميد إلى النهر ويستهلم منه فكرة سرمدية الزمن، فى روايته «ما وراء النهر»، هنا يتحول النهر إلى كائن لا نهائى شبه خالد يفصل بين عالمين، عالم البسطاء والفقراء الأنقياء وعالم القساة الذين يستعبدونهم.
وتحول النيل إلى أداة ومسرح للحكاية الروائية، كما فعل نجيب محفوظ فى روايته الشهيرة «ثرثرة فوق النيل»، فبعيدا عن أجواء الحارة المصرية المحببة لصاحب الثلاثية، تدور روايته تلك فى عوامة على صفحة نيل القاهرة، كان النيل شاهدا صامتا على الجرائم الاجتماعية التى تشهدها البلاد.
وحضر النيل بقوة فى رواية «الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوي، ورواية «شيء من الخوف» لثروت أباظة، كما استخدم بهاء طاهر فى روايته «واحة الغروب» نهر النيل كمعبر زمني، عبر تتبع رحلة الإسكندر الأكبر فى النيل إلى جنوب مصر، وكأنها رحلة للبحث عن الجذور المكونة للشخصية المصرية، كما حضر النيل فى رواية «يوم غائم فى البر الغربي» لمحمد المنسى قنديل، بينما قدم عزت القمحاوى فى روايته «غرفة ترى النيل»، تحول النيل لساحة معركة ضد مستثمرين فاسدين يريدون تهجير أهل جزيرة نيلية وإقامة مشروع استثمارى عليها، كذلك قدم سامح الجباس رواية «نادى النيل الأسود السري»، التى تنطلق من اختفاء عدة شخصيات فى قاع النيل لتنطلق الرواية بحثا عن التاريخ الضائع للبلاد.
وقدمت الروائية جاذبية صدقي، رواية «ابن النيل» المقدمة للنشء، التى كانت مقررة على طلاب الصف الأول الإعدادى حتى فترة السبعينيات، وعادت صدقى وقدمت معالجة أخرى لنفس الفكرة فى رواية «القلب الذهبي» عبر بطلتها الفتاة زين، وفى الروايتين تقدم الكاتبة محاولة لترسيخ قيم أخلاقية ودينية فى نفوس النشء.. كما كتب السيد نجم «نبوءة الحكيم آبور»، وهى رواية يقوم النيل فيها بدور البطل، الذى يشتكى من التعديات على مجراه، وذلك عبر الحكيم الشاب آبور الذى ينشر أحاديثه وخطبه بين الناس محذرا من تلويث النيل، الأمر الذى يصل إلى مسامع الفرعون الذى يأمر بالبحث عن هذا الشاب، وعندما يتأكد من فساد حاشيته، يقرر أن يرتدى ملابس العامة وينزل إلى شوارع المدينة بحثا عن الحكيم آبور، وهنا يصطدم الفرعون بالحقائق الصعبة ويعرف من آبور مكامن الفساد فيبدآن معا فى إصلاح الأمور وإعادة النهر إلى سابق عهده بعد التخلص من مسببات التلوث.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة