جـلال عـارف
جـلال عـارف


فى الصميم

عودة العقل للثانوية العامة ويبقى الأهم: أن تعود المدرسة!

جلال عارف

الجمعة، 20 أغسطس 2021 - 07:42 م

التطور المهم فى الثانوية العامة هذه السنة هو عودة العقل إلى مجموع الدرجات لتصبح فى الحدود الطبيعية بعد سنوات من دخول «المجاميع» فى مزاد وهمى يعطى درجات تفوق الـ١٠٠٪ دون قياس حقيقى لقدرات الطلبة.
بالطبع.. ليس هذا هو التطور المنشود للتعليم لكنه سيكون خطوة جيدة عندما يرتبط بما تم الإعلان عنه من أن الامتحانات كانت مقياسا للتفكير وليس فقط لحفظ ما فى الكتب. ثم سيكون تغييرا أساسيا حين يدرك الجميع «طلبة ومعلمين وأولياء أمور وإدارة تعليمية» أن طريق النجاح والتفوق لم يعد يمر عبر السناتر والدروس الخصوصية والإجابات النموذجية.. وإنما الطريق هو أن تعود المدرسة بكل قيمتها، وأن يعود المعلم بكل التقدير وبكل الكفاءة، وأن يعود التعليم راعياً للعقل وحاضنا للمواهب ودعما أساسيا لقيم المواطنة  والمساواة وتكافؤ الفرص الحقيقي.
عودة العقل لمجاميع الثانوية العامة تذكرنى بأحوال التعليم عندنا قبل أن تتحالف عليه كل عوامل الإفساد فى المجتمع لتصل به إلى الحالة المأساوية التى نحاول الآن إصلاحها فى تلك الأيام تعلمنا أفضل تعليم فى المدارس الافضل وهى المدارس الحكومية المجانية. لا دروس خصوصية ولا سناتر ولا حتى كتب خارجية فقط الكتب المدرسية والمكتبة والمعلم الكفء المتفانى فى أداء واجبه، والمدرسة التى توفر كل شىء لكى يتعلم الطلاب ويمارسوا كل ما يصقل مواهبهم فى العلوم والرياضة  والموسيقى والفنون. فى الثانوية العامة حصلت على أقل قليلا من ٨٠٪ التى كانت أقصى ما حصل عليه المتفوقون هذا العام. كنت الأول على المحافظة وضمن الأوائل على الجمهورية. أتعجب الآن من تعاملنا الطبيعى والهادئ مع الثانوية العامة على أنها مباراة ودية نخوضها بثقة  وليست «البعبع» الذى يخيف ويرعب فى هذا العام تفوقت مدرستنا العزيزة بورسعيد الثانوية فى كل المجالات. حققت نتائج طيبة فى امتحان الثانوية. وفازت ببطولات كرة القدم والسلة والهوكى على مستوى الجمهورية، كما فازت بالمركز الأول فى الصحافة المدرسية و فى التفوق الثقافي. ونافست بجدارة فى مسابقات التمثيل والموسيقي. وقدمت لمصر نجوما برزوا فى كل هذه المجالات.والأهم أن كل ذلك حدث فى أصعب ظروف يمكن المرور بها فى هذا العام واجهت «بورسعيد» العدوان الغاشم ودفعت الثمن الغالى للاستبسال فى الدفاع عن الوطن.. آلافاً من الشهداء، ودمارا للمدينة وتهجيرا لمعظم أهلها ومع ذلك عادت المدينة بعد النصر وكأنها تتحدى كل الظروف بإرادة لا مثيل لها على الانتصار للحياة، وعلى أن تكون دائما هى الافضل والأجمل وكان من نصيب مدرستنا أن تكون جزءا من هذا النصر ومن هذا الجمال!!
والذكريات كثيرة لكن ما أريد التوقف عنده هو أننا نستطيع. وأننا نملك تجربة ثرية يمكن البناء عليها إذا طرحنا جانبا ما أفرزته سنوات «تسليع التعليم» التى دمرت العملية التعليمية تماما.  وإذا استعدنا القيمة الحقيقية للتعليم كحق طبيعى للجميع، وكاستثمار وطنى فى المستقبل، وكصانع حقيقى للنهضة التى لا تتم إلا بسواعد المصريين وبعقولهم التى لا يعنيها إلا تعليم وطنى موحد تعود فيه المدرسة و المعلم والرعاية الكاملة للفكر قبل الحفظ والتلقين والجهد الذى لا ينقطع لفتح كل الأبواب أمام الموهبة والكفاءة عند أبنائنا.
الطريق طويل وصعب، لكن لا بديل عنه إلا المزيد مما رأيناه منذ سنوات حيث يتحول التعليم إلى سلعة يحكمها السماسرة، وتحل «السناتر» بدلا من من المدارس، ويتم مصادرة العقل لصالح الحفظ والتلقين، وتتحول الثانوية العامة إلى «بعبع» يحول متعة التعليم إلى كابوس مخيف!
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة