راشد الغنوشي
راشد الغنوشي


إخوان تونس.. وحتمية المواجهة المسلحة

أخبار الحوادث

السبت، 21 أغسطس 2021 - 11:13 ص

تقرير يكتبه /عمرو فاروق 

مازالت  سيناريوهات الأزمة التونسية الأخيرة مفتوحة، ومليئة بالكثير من التوقعات في ظل دخول أطراف وقوى إقليمية خارجية كطرف أساسي في المشهد، لا سيما في ظل العلاقات الوثيقة بين السفير الأمريكي بتونس، دونالد بلوم، ورجال حركة "النهضة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم راشد الغنوشي.
يتمتع السفير الأمريكي دونالد بلوم، بعلاقته واسعة مع قيادات ورموز الجماعات الأصولية بشكل عام، بحكم عمله الدبلوماسي في عدد من الدول، منها توليه منصب القائم بأعمال مكتب ليبيا الخارجي عام 2018، والمستشار السياسي للسفارة الأمريكية بكابول بين عامي 2012 و2013، ومستشار الشؤون الاقتصادية والسياسية بالسفارة الأمريكية بالقاهرة بين عامي 2009 و2012، والمدير المدني لخلية العمل الاستراتيجي ببغداد عامي 2007 و 2008. 
 

الساعات الأخيرة شهدت لقاء خاصا على العشاء جمع بين السفير الأمريكي وراشد الغنوشي في بيته (وفقا لمصادرنا)، للوقوف على تداعيات قرارات ثورة "تصحيح المسار"، التي نفذها الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو 2021.
سبق لقاء العشاء مباشرة  تصريحات رسمية صادرة عن البيت الأبيض، تحث الرئيس قيس سعيد على "احترام الديمقراطية وإجراء حوار مع الأطراف السياسية"، ما يعني أنها لم تؤيد بعد قرارات الرئيس التونسي التي اتخذها بناء على الدستور وتصحيحا للأوضاع الداخلية التي شهدت اخفاقا اقتصاديا وسياسيا على يد حركة "النهضة" الإخوانية، ومخططها في السيطرة على الأجهزة التنفيذية والحيوية بالدولة.
لم يكن اللوبي الإخواني التابع للتنظيم الدولي في واشنطن ببعيد عن المشهد، والذي لعب دورا خلال اللحظات الراهنة، بحكم الإتصالات المباشرة مع الإدارة الأمريكية، لإجبار الرئيس التونسي على التراجع عن قراراته، والاحتفاظ بالمكاسب السياسية التي حققتها حركة "النهضة" الإخوانية.


ثمة ترتيبات على مستوى التنظيم الدولي، بدأت بحملة بيانات رسمية من فروع الإخوان في المغرب والجزائر وليبيا، وكذلك المؤسسات الإخوانية مثل "اتحاد علماء المسلمين"، فضلا عن محاولتهم في تصعيد موقف أوروبي رافض لقرارات الرئيس التونسي، عن طريق الإتصال بعدد من دوائر صنع القرار وممثلي البرلمانات الأوروبية والمنظمات الحقوقية الدولية، بما يخدم مساعيهم في إدانة التحركات السياسية الأخيرة في العمق التونسي، ووصفها بأنها إنقلاب على الشرعية الدستورية.
خيارات الإخوان في تونس بين الحل السلمي والجلوس على مائد التفاوض السياسي، أو الإنحراف تجاه العنف الممنهج، لم تحسم بعد، وتتوقف على الكثير من العوامل أهمها استيعابهم للمشهد السياسي واقعيا، في ظل إنهيار مكونات التنظيم في العديد من الدول العربية، ومدى قدرتهم في الرضوخ للضغوط على مستوى القوى السياسية والدوائر الشعبية التي عانت منذ تصدر الجماعة للمشهد السياسي التونسي على مدار السنوات الماضي، فضلا عن موقف وضغوط الدول الراعية للإرهاب، ومحاولتهم استثمار الأزمة التونسية بما يحقق مكاسبها الإقليمية والدولية.
لن تتنازل الإدارة الأمريكية بسهولة عن دعم حركة "النهضة" الإخوانية، كونها تراها النموذج الوحيد الذي استطاع الصمود والقدرة على البقاء منذ أحداث "الربيع العربي" في يناير 2011، والتي تمت بتخطيط الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما ممثل الحزب الديمقراطي، وعملت على تصعيد الجماعات الأصولية إلى السلطة، والهمينة على الحكم في المنطقة العربية.
وكلاء الإخوان وحلفائهم في المنطقة العربية، عملوا على نقل الأزمة التونسية من مربع الخلاف السياسي، إلى ساحة المعركة الدينية، وتصدير الحالة على أنها مؤامرة على الإسلام والشريعة، وكأن قيادات الجماعة منزهة عن النقائص، ولديهم تفويض إلهي بحكم شعوب العالم، في إطار يوحي بالغرور والإستعلاء الديني.


لا فرق بين "إخوان مصر"، و"إخوان تونس"، على المستوى الفكري والثقافي والتنظيمي، ولا على مستوى الممارسة السياسية ومحاولة التماهي مع القوى الليبرالية واليسارية، فجميعهم قوالب بشرية متطابقة صنعت في حظيرة التنظيم السري، إذ أن المنبع الأيديولوجي واحد، والأدبيات الفكرية والثوابت العقائدية متماثلة ومتقاربة تماما.
التاريخ الدموي لجماعة الإخوان، يضع سيناريو العمل المسلح الخيار الأقرب لحركة "النهضة"، وحتمية الإتجاه لتطبيق استراتيجية "إخوان مصر"، في التعامل مع الأزمة من خلال إثارة الفوضى وإرباك المشهد الداخلي اعتمادا على نظرية "خرطوم الأباطيل"، وصناعة "مرتكز ربعاوي"، وصناعة حالة توحي بالإنقسام السياسي والجغرافي، والزج بالدولة التونسية في أتون الحرب الأهلية تحت مظلة دولية، لا سيما أن البيانات الصادرة عن الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، رمادية الموقف وتضع المشهد أمام نهايات مفتوحة.


خطوات التنظيم الدولي لمواجهة الأزمة التونسية، دخلت مرحلة التنفيذ التدريجي من خلال الترويج والإيحاء كذبا عبر منصاتهم من أن مصر والإمارات محرك أساسي في المشهد التونسي، وأن ضباطا مصريين وإماراتيين تواجدوا في عمق الساحة التونسية قبيل قرارات 25 يوليو، وأن رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، (المدعومة من الإخوان)،  تعرض للضرب، بهدف الإنصياع لقرارات قيس سعيد.


حملة التشكيك في قرارات الرئيس التونسي ووصفها بـ"الإنقلاب" من قبل المنصات الإعلامية للإخوان، تتشابه بشكل كبير مع حملات التشوية والشائعات التي نفذتها تلك الأبواق الإعلامية مع الدولة المصرية والرئيس السيسي منذ ثورة 30 يونيو 2013، التي أسقطت حكم الإخوان في مصر.
ثقافة الإغتيال والعمل المسلح ليست بدعة جديدة على جماعة الإخوان، لكنها عرف راسخ  ومتبع مع كل من يختلف أو يعارض توجهاتهم، منذ حسن البنا وحتى اللحظات الراهنة، بداية من القاضي أحمد الخازندار، والنقراشي باشا، وأحمد ماهر باشا، والرئيس جمال عبد الناصر، مروروا بعنف مرحلة الثمانينات والتسعينات، وصولا إلى ارتكابهم مئات العمليات الإرهابية ضد المدنيين والشرطة، يعتمد الإخوان في العمل المسلح على نوعين من التنفيذ، أحدهما فردي مباشر، والأخر يتم بالوكالة من خلال صناعة كيانات أو خلايا مسلحة (حركة حسم ولواء الثورة نموذجا)، مع إخفاء هوية الإنتماء التنظيمي للإخوان، لضمان الحفاظ على الحالة الدعوية والسلمية للجماعة وأهدافها.


لا يمكن فصل ما يدور في العمق التونسي عما يحدث في المنطقة العربية، ومحاولة ترتيب المشهد السياسي بما يضمن لجماعات الإسلام السياسي موضع قدم خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل المعركة الحتمية بين الولايات المتحدة الأمريكية، والصين وتوظيف واستثمار أزمتها مع مسلمي الإيغور، ومنح حركة طالبان وتنظيم القاعدة قبلة الحياة.
عاشت الدولة التونسية في متاهة سياسية على مدار 10 سنوات متصلة، لم تتمكن فيها من التعافي، في ظل الهيمنة المطلقة لجماعة الإخوان على مؤسسات وأجهزة الدولة تحت شعار "المغالبة" لا "المشاركة"، كونها لا تؤمن بالعملية الديمقراطية ولا بالممارسة السياسية، لكنها تعتبرهما وسيلة فاعلة في تحقيق مآربها والوصول للسلطة، تطبيقا لحتمية"التمكين"، و"استاذية العالم".
إذا كانت ثورة 30  يونيو 2013، أوقفت المدى الإخواني، وغيرت ميزان القوى الإقليمية، وأعادت وضعية الخريطة السياسية في مصر والمنطقة العربية، فإن قرارات "ثورة تصحيح المسار" التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد، في 25 يوليو 2021، بمثابة "السقوط الأخير"، لرجالات وفروع التنظيم الدولي في الشرق الأوسط، كونها تمثل ترجمة حقيقية لحالة الرفض الشعبي  والفشل السياسي لجماعة الإخوان، وتفككها تنظيميا وإرتباكها فكريا.


ستظل ثورة "تصحيح المسار"، وقرارات 25 يوليو 2021، مخلدة في ذاكرة ووجدان الشعب التونسي، لكن تبقى معضلة الخلاص من تنظيم الإخوان مرهونة بتضافر داخلي واصطفاف وطني، والتحام شعبي، ولن تجدي معها الأيادي المرتعشة، والنفوس المتخاذلة. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة