كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

استعادة الأرض المفقودة!

كرم جبر

الأحد، 22 أغسطس 2021 - 06:47 م

سمعت مرة المرحوم الدكتور زويل يتحدث فى برنامج تليفزيونى ويفسر سر نجاحه فى أمريكا.. فقال: فى أمريكا يبدأ الأستاذ العمل فى المعمل مبكراً، وبعد انتهاء عمله يكتب تقريره لمن يأتى بعده، فيكمل التجارب، ويكتب تقريراً لمن يليه.. وهكذا فريق متناغم يكمل بعضه بعضاً، بدون أحقاد أو ضغائن أو نفسنة.

أما فى جامعة الإسكندرية، حيث كان يعمل زويل، فكان يضطر لشراء بعض الأدوات من جيبه الخاص، وأيضاً "قفل" خوفاً من سرقتها، فيفاجأ فى اليوم التالى بكسر القفل والأشياء مسروقة.

الأتوبيس .. إذا وجده الركاب "فاضي" صعدوا فى هدوء، وإذا كان مزدحماً، هرولوا وأوقعوا وداسوا بعضهم، وهذا يفسر ما يحدث لنا وما نفعله بأنفسنا.

يزداد الصراع على الحياة كلما ضاقت فرص الحياة، ومن سنوات كنا نخزّن السكر والزيت والأرز بكميات كبيرة ، خوفاً من الازمات، أما الآن فنشترى كيلو أو اثنين، لأنه متوفر وموجود.

نحتاج إلى إعادة ترسيم المثل والأخلاق والضمير، وتدشين قيم المنافسة الشريفة، وغلق أبواب المحسوبية والانهيار وإشاعة روح العدل والطمأنينة، وهذا ما تحرص عليه الدولة المصرية بعزيمة وإصرار.

كلنا بلا استثناء نشكو من "الناس السيئين"، فأين هم "الطيبون"، الذين نبحث عنهم ولا نجدهم، ولماذا نتعامل كالغرباء فى الداخل والخارج؟

انفراجة الحياة، تجعل المصرى يهدأ قبل أن يتغرب، وإذا سافر لن يحمل فى حقائبه مرارة أهل وطنه، فيحاكيها مع بلدياته فى الخارج، وإذا ابتسمت له الحياة، سيزداد حباً لوطنه تواقاً للعودة إليه.

الدولة تسابق الزمن للوقوف على أرض صلبة .. اقتصادياً، بتوفير جودة لقمة العيش، واجتماعياً، بالقدرة على إشاعة روح الطمأنينة فى القلوب والأمان فى النفوس، حتى نستطيع التخلص تدريجياً من الميراث النفسى السيئ، والمتراكم عبر سنوات طويلة.

شربنا المر، حين كان بلدنا يستورد بالات الملابس القديمة، والدجاج الفاسد، وطعام القطط والكلاب لاستخدام البشر، وكان الناس يقفون طوابير عشرات الأمتار لاقتناص دجاجة مجمدة أو زجاجة زيت من مجمع استهلاكى أو علبة سجائر من الأكشاك.

فتأثروا نفسياً بسبب سوء الحياة.. ورحلوا إلى الخليج ووقعوا أسرى لأنماط استهلاكية لم يستطيعوا الاستمرار فيها: الكاسيت والسجاير المارلبورو الحمراء والعباية الصوف والمروحة والساعة الجوڤيال الملونة.

وأخطر ما تمخضت عنه سنوات الغربة هى الأفكار الحارة، فهبت على العقول ممارسات متطرفة، بعيدة عن روح التسامح والتواصل، المستمدة من جريان النيل.

لا بديل عن الاقتحام الجريء لقيم الحياة واستعادة الأرض المفقودة.. ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً.. ومعنى غلاباً: بالغلبة والقوة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة