محمد زيان
محمد زيان


تونس إلى أين ؟.. سيناريوهات المستقبل  

محمد زيان

الأربعاء، 25 أغسطس 2021 - 02:22 م

 دخلت تونس في مرحلة جديدة من التأزم على المسرح الداخلي، في وقت لا تزال هناك تأزمات واقعة في علاقاتها الخارجية مع دول لاتزال تنظر بعين الريبة لما جرى من خطوات رئاسية لوقف تمدد الاسلام السياسي في البلاد، وتصحيح مسار الدولة المتراجعة في منظومتها السياسية والاقتصادية، حتى الثقافية، والأمنية في جانب كبير، ولاتزال تعمل هذه الدول على تعطيل المسار السياسي الذي بدأته تونس منذ ٢٥ يوليو المنصرم . 

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه على الساحتين الداخلية والخارجية، هو تونس إلى أين، وما هي السيناريوهات التي سيلبسها الواقع السياسي والاجتماعي خلال القادم من الأيام ؟، هذا من  المنظور الداخلي، وكيف تبدو تراتيب البيت التونسي؟، وعلى أي شكل تبدو ملامح علاقات الكتل السياسية والمعارضة في علاقتها مع رئيس الجمهورية؟، وما مستقبل النظام السياسي في البلاد، خاصة بعدما أعلنت السلطات المسئولة عن تعرض الرئيس لعملية اغتيال حال وجوده في احدى المدن الساحلية ؟، هل دخلت على الخط جماعات وتنظيمات تعاهدت مع نهضة الغنوشي بنصرتها بعدما قوضها "قيس سعيد " بقراراته "، ما يعني أن جماعات موالية لتنظم الاخوان المسلمين سيساند بشكل أو بأخر بالدفع بعناصر إرهابية لمساندة النهضة والانتقام من صاحب " تصحيح المسار" على شاكلة ماجرى في بلدان عدة ؟ وما موقف الرئيس والسلطات التونسية من هذه التنظيمات بعدما أعلنته حول استهداف رئيسها ؟ هل ثمة تصعيد من الجانبين سيحدث ؟، وهل ستكون هذه  هي النقطة التي ستنزلق عندها الأمور إلى ما هو أسوأ ؟ 

هذا بعض من الأطروحات التي تلقي بظلالها على معطيات المشهد في تونس ، بعد تحول نوعي في استهداف الرئيس ،  وردة فعل الرئاسة بتمديد العمل بقراراتها الممثلة في تجميد عمل البرلمان واقالة الحكومة ، لحين تسوية الأوضاع قانونياً وقضائياً وسياسياً ، بل واقتصادياً ، وما الشكل الذي ستكون عليه ملامح الدولة والقوى السياسية ، والتعامل مع الارهاب في تونس؟.

وقد تتجه الأمور في تونس إلى سيناريوهين إطارين محتملين على أرض البلاد يحملان بداخل كل منهما سيناريوهات مصغرة ومدمجة لطريقة سير الأمور داخل البلاد  ، منها  الإحتواء ، والحوار ، والتصعيد والتصعيد المضاد ،  والموائمة أو التوازن ، بما يجعل الساحة التونسية عرضة للاضطرابات في المستقبل ، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريو ثالث  عام وهو الوساطات والتدخلات الخارجية لاستقرار الأوضاع ، وهذا سنعرضه بايضاح من خلال السطور التالية : 

قبل البدء ، قادتني التطورات الحاصلة في تونس إلى طرح السؤال المهم ، هل ينتهي الإسلام السياسي بعد قرارات " قيس سعيد " في تونس ؟ 
لكن الاجابة على هذا السؤال ليست بالمهمة السهلة أو البسيطة ، إذ تحتاج معطيات كثيرة يجمعها الباحث ويدخل بها الى ماكينة التحليل السياسي وفق الظرف والواقع وتاريخ التجربة الديمقراطية في تونس مقارنة بما جرى في المنطقة العربية التي هزمت هذه الجماعات الارهابية المتدثرة بالدين ، المندثرة بوعي الشعوب وجرأة الحكام . 

تقود التجارب الى القول أن الاسلام السياسي هزم في مواقع عدة ، منها مصر في عقر دار التنظيم الأخطر والضارب في عمق الصراع بالمنطقة ، مابين جماعات تلبس زي الاسلام وقشور الدين وتصورات وتأويلات للسياسة والحكم ،، وبين نظم حكم لها تاريخ وعمق ضارب أياً في الادارة والحكم. 

ولعل المشهد الذي يساعدنا في سياق التحليل  التحليل السياسي لما أضحت عليه الأمور الآن ، وتطوراتها مقبلاً هو مشهد يمكن أن نسميه ب " الضياع " ، حين وقف الشيخ العجوز قائد حركة النهضة التي اغتالت رجال السياسة والرأي في تونس على باب البرلمان يستجدي الدخول ، بينما لم يعد ينفع ولوجه الى قاعة الديمقراطية والتشريع ، وهو المحمل بنصوص وقسم تعادي المرأة والديمقراطية ومجريات الحداثة ، ما يقود إلى وضع تصوراتنا حول مستقبل هذه الجماعة ووجودها على أرض تونس ، وفي مدخلاتها السياسة خلال المستقبل القريب ، بل واستشرف ما قد تكون عليه ملامح المعادلة السياسية المستقبلية بالنظر الى السيناريوهات التالية : 

السيناريو الأول : " سيناريو الحسم "، بحيث تحسم تونس معركتها مع الإرهاب وجماعات الاسلام السياسي المتدثرة بالدين لاضفاء شرعية دينية على ما تفعله والباسه الثياب المقدسة لخداع البسطاء والعامة ، وتمضي البلاد في طريقها الى المستقبل دون جماعات دينية لها صفة الشراكة في العملية السياسية ، وتخرج النهضة وأخواتها من المشهد وفق قرار سياسي وشعبي معاً.

 وهنا يمكننا أن نقول أن هذا السيناريو يقود إلى قيام تونس وانتصارها على الفاشية الدينية، والقضاء 
على مرحلة التراجع الاقتصادي والسياسي والصحي الذي آلت إليها الأوضاع خلال العشرية السوداء - إذا جاز لنا استخدام المصطلح - تحت حكم شيوخ الظلام والارهاب ممثلين في حركة النهضة، وبالتالي وخروج الحركة الارهابية من المشهد نهائياً وإلى الأبد، وتخرج النهضة من المعادلة السياسية. 

السيناريو الثاني :  ونطلق عليه " سيناريو الموائمة السياسية "، وهو الفعل والفعل المضاد مع ردات الفعل التي جرت على الأرض والتوازنات التي تحاول الحركة الارهابية التوصل اليها واقرارها ، حيث تمحور حركة النهضة  في إطار المشروع السياسي الجديد، ضماناً لعدم خروجها من المشهد خاسرة ، وذلك عبر حوار استرضائي مع القيادة التونسية تذعن فيه النهضة لشروط قاسية تتناسب مع فشلها وإمكاناتها وإرهابها ، ولن تتجاوز في أقصى مكاسبها إلا أن تحافظ على عدم الزج بها في السجون وعدد قليل من المقاعد في البرلمان، وهو سيناريو تحاول النهضة وشيخها الولوج فيه وعمل مقدمات استرضائية لضمان عدم فتح ملفات الاغتيالات والزج بها وبقياداتها في السجون. 

السيناريو الثالث: وهو سيناريو الفوضى"، أي انزلاق الاوضاع الى مواجهات مسلحة تتمدد وتتسع دائرتها إلى ما يقارب الحرب الأهلية، ويكون الحسم فيها للدولة التونسية بقواتها المسلحة والشرطة والشعب، ويكون بمثابة خروج الحركة الجماعة من المشهد في تونس الى غير ذي رجعة، مع العلم أن القول يتحقق هذا المشهد معناه إدخال قوى وفاعلين من خارج حدود تونس، قد يكون في شكل دول داعمة لميليشيات مسلحة أو استحضار التنظيم الخاص لحركة النهضة ودعمه وتسليحه لمواجهة الدولة، وإمداده بالأموال وتهريب الأسلحة له من تركيا وقطر مثلاً - باعتبارهما الدولتين المتحالفتين والمتداخلين مع النهضة - ولكن يرجح أن هذا السيناريو بمثابة هلاك للحركة على أرض تونس وفقدها كل ما في يديها من أوراق ، بينما لاتزال تراوغ للبقاء في عمق المشهد السياسي . 

السيناريو الرابع: هو  " انطلاق الماكينة السياسية " ، أي وضع تعديلات دستورية وإجراء استفتاء وانتخابات، بحيث قد يستغل الرئيس سعيد الأزمة للدفع بما يصفه بأنه «تسوية دستورية مفضلة» لديه، وهي تحويل النظام في البلاد لنظام رئاسي بناءً على انتخابات، لكن مع تضاؤل دور البرلمان، وهذا سيناريو يرجحه مراقبون كثيرون مع تطعيمه بحوار سياسي ومدخلات جديدة لكي تعمل هذه الماكينة لانتاج حالة من الاستقرار في تونس. 

السيناريو الخامس: هو " سيناريو الحوار "، وفيه يتم إدخال لاعبين سياسيين للإحلال محل حركة النهضة من أجل استمرار المسار السياسي، واعادة ترتيب البيت السياسي التونسي، وربما الاتحاد العام  التونسي من أجل الشغل هو المرشح ليكون بديلاً عن حركة الغنوشي واخوانه، وبالتالي دخول تونس مرحلة سياسية جديدة بلا أحزاب ولا حركات فاشية دينية، وبتراتيب سياسية تؤصل للاستقرار ، وتعمل على سريان التيار والحركة وعودة الحياة السياسية للتدفق بسلاسة ، وهو يكمل السيناريو سابقه . 

أخيراً : تبدو تونس مقبلة على عملية تغيير شامل في نظامها السياسي والاجتماعي ، فمنذ قامت ثورة ٢٠١١ وجاءت بالاسلام السياسي وحركة النهضة إلى الحكم ، ولم يتغير شيء إلا إلى الأسوأ ، وبالتالي فإن ما يمكن أن يكون قريباً للتحقق هو ازاحة حركة النهضة الارهابية من المعادلة السياسية تماماً ، ومحاكمتها من خلال ملفات الفساد المالي والاخلاقي وملف الاغتيالات والتسفير وتبييض الارهاب وموالاة تنظيم "داعش " عبر خلق ظهير سياسي له في البرلمان ممثلاً في حزب الكرامة ، وايداع هذه الحركة في السجون بتهم كثيرة منها اراقة الدماء وقتل المعارضين السياسيين أمثال الذي اغتالته النهضة بست رصاصات أمام منزله بولاية أريانه في ٦ فبراير ٢٠١٣ م ، و " محمد البراهمي " في ٢٥ يوليو من نفس السنة ، وتقود الأمور إلى تعقيدات في المشهد السياسي التونسي ، لكن يرجح أن تشهد الدولة انتصابه ووقوف في وجه التحريك الارهابية التي حكمتها عشر سنوات ، معتمدة على قوة وجرأة القرارات الرئاسية ووجود القوات المسلحة والشرطة والشعب إلى جانبها بالنظر إلى الأوضاع المتردية ، ما يجعل تونس مقبلة على تغيير جذري في نظامها السياسي ، لتدخل إلى المستقبل وقد قضت على أخر نفس الاسلام السياسي وجماعة الاخوان الارهابية وذيلها المتمثل في حركة النهضة ، ليمر هذا الخريف أسوداً على طيور الظلام ونسل البنا. 

وقبل أن أنهي بان سؤلاً مهماً يجب طرحه ، وهو هل هناك ضغوط خارجية على تونس لانهاء حالة تصحيح المسار ، ووساطات تهدف إلى إعادة إدماج النهضة والابقاء عليها حتى ولو بالقليل من العمل في المهد السياسي ؟ ضماناً لعدم انزلاق دول بعينها في التخطيط والدعم للنهضة وأخواتها لعرقلة الاصلاح السياسي في تونس وممارسة الاغتيالات وتسفير للشباب ، و تدمير الأوضاع بهذا الشكل ؟، فضلاً عن ارتباط هذا التخطيط والدعم بتنفيذ جرى في داخل العمق التونسي ، وفي دول على مقربة من الحدود التونسية ، وآخرى في منطقة السيلان - الربيع العربي - وذلك عبر الزج بالشباب للجهاد وإسقاط الأنظمة بأسم الدين ؟! ويبقى الارتباط بين ماحدث في أفغانستان مؤخراً هو الرد على الدول التي تشكك في الاجراءات التي اتخذتها تونس لوقف تمدد فيروس الاسلام السياسي، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على تطور التجربة .

اقرأ أيضاً | قيس سعيد: تونس دخلت مرحلة جديدة .. ولا عودة للوراء

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة