د. محمد أبو الفضل بدران
د. محمد أبو الفضل بدران


يوميات الأخبار

القُصير والمثلث الذهبى

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 25 أغسطس 2021 - 07:57 م

هل نرى عودة مناجم الفوسفات بدلا من تصدير ثرواتنا المعدنية بمبالغ زهيدة للخارج وإعادة استيراد ما بها من كنوز بملايين الدولارات؟

اتجهت شرقا لمدينة القُصَيْر العريقة فلها مكانة عزيزة فى نفسى فالقصير مدينة لها تاريخ مشرف منذ العصر القديم تتمتع بطيبة أهلها وسماحتهم وجمال بحرها واتساع صحرائها ومدنيَّتها المغلفة بأخلاق القرية وتستبشر خيرا بالمشروع القومى «المثلث الذهبى» الذى سينقل القصير نقلة كبيرة وآمل أن تتحول القصير إلى محافظة تحوى مرسى علم وحلايب وشلاتين وأبو رماد وبرنيس وما جاورها وحبذا لو أنشأنا بها جامعة متقدمة حتى تجذب أبناء مصر ليتعلموا بها ويتعرفوا على جزء عزيز من تراب مصر، وقد عانت القصير وماتزال تعانى من قلة المياه التى لا تصل إليهم إلا يوما واحدا كل ثمانية أيام وعليهم تخزينها بقية الأسبوع فى خزانات مما يجعلها عرضة للتلوث ولعل «حُمى الضنك» لا تعود للقصير مرة أخرى وقد كان تلوث الماء بالقصير سببا رئيسا لهذه الحمى القاتلة فهل نجد فى تخطيط المثلث الذهبي خط مواسير مياه من قِفط إلى القصير حتى لا ينتظروا أسبوعا كاملا لتصل إليهم المياه عن طريق خط مواسير (قنا / سفاجا) مع العلم أن هذا الخط أنشأه مثقف كبير وبرلمانى قدير من القصير تنتمى جذوره لعائلة عريقة بقفط وهو النائب العالم الراحل كمال الدين حسين عبد الرحيم (همام) الذى كان نِعم البرلمانى الرائد الذى عمل من أجل البحر الأحمر ومصر عامة.

وأتمنى من السيد محافظ البحر الأحمر إعادة طباعة كتبه فهى كنوز معرفية عن تاريخ القصير والبحر الأحمر وبونابرت والقصير والمعارك الرئيسية فى جنوب الصعيد، وغير ذلك من الكتب الكنوز والمخطوطات الموجودة لدى شقيقه الأستاذ عبد الرحيم ولدى قريبه المثقف الكبير الأستاذ محمد عبده حمدان ابن القصير وحافظ تاريخها.


هل نرى تجديد طريق قِفط القصير وازدواجه وسفلتته وإنارته بالطاقة الشمسية؟ هل نرى عودة مناجم الفوسفات بدلا من تصدير ثرواتنا المعدنية بمبالغ زهيدة للخارج وإعادة استيراد ما بها من كنوز بملايين الدولارات؟ وهذا ما نبه إليه الصديق الجيولوجى الراحل محمد الجارد رحمه الله.


هل تعود القصير إلى مجدها الناصع لاسيما أن بها شبابا يتطلع إلى التعليم وإلى خدمة بلده بكل انتماء ومحبة، وقد لمست هذا الحماس لدى شبابها الذى له مطالب آمل من اللواء محافظ البحر الأحمر أن يلبيها وأن يشاهد عدم اكتمال الصرف الصحى رغم البدء فى إنشائه قبل عشرة أعوام وحتى يرى معاناة أهلها فى المياه وعدم إيصال الغاز لديهم، فمصر لا تبخل على أبنائها الذين ضحى أجدادهم بأرواحهم فداء مصر.


قانون مجمع الخالدين


 يعد المجمع العلمى للغة العربية بالقاهرة من أقدم المجامع اللغوية حيث أنشئ فى عهد الملك فؤاد، وأَطلق الناس عليه مجمع الخالدين لعلو شأن أعضائه وتكريم الشعب لهم فهم الذين أسهموا فى وضع مجامع معاجم اللغة الميسرة للناس وفتحوا حوارا مع الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعى فصار الناس يستفتونهم فى أمور لغتهم وتأتى الإجابة شافية كافية مما أوجد صلة بين الناس والمجمع اللغوى إذ صار الناس متابعين أنشطته وإصداراته، وقد رأيت كيف يجتمع عباقرة اللغة الألمانية من الدول الناطقة بالألمانية كل عام ليروا حال اللغة من حيث الانتشار والذيوع والاستخدام وأهم المشكلات اللغوية والاشتقاقات والنحوت والمصطلحات المطلوبة وغير ذلك تسهيلا للناطقين، وهذا صنيع طيب مطلوب من جميع مجامعنا اللغوية التى ينبغى أن يجتمعوا فى بلد عربى كل عام ليوحّدوا المصطلحات ولاسيما المترجمة منها فقد اتسع الفهم بين الترجمات المختلفة ولاسيما فى المصطلحات.


أعود إلى مجمعنا اللغوى الخالد الذى أسسه الملك فؤاد الأول فى 14/12/1932 وأعضاؤه بالانتخاب فحبذا لو أن القانون القديم أضفوا عليه بعض التعديلات التى يستوجبها العصر وتفرضها الظروف حتى يعود صرحا عاليا يحرس اللغة ويسهل استخدامها بين الناس والعلوم، فكيف لمجمع كبير لا يضم كبار الأدباء والشعراء؟ إننى أدعو إلى تعديل القانون ليضمن عضوية هؤلاء اختيارا ولتكن نسبتهم إلى المنتخبين الرُّبع أو الثُّلث، وهل هناك سقف زمنى لتولى المناصب الإدارية فيه أو أنها مفتوحة حتى الموت؟.

ولماذا لا تكون المناصب الإدارية لفترتين فقط وليس لفترات ممدودة لا محدودة حتى نعطى الفرصة لأجيال أخرى تضيف على ما بناه الآباء والأجداد؟.

كما أن ميزانية المجمع فى حوجٍ إلى مضاعفتها لتمكين المجمع من تنفيذ مشروعاته الطموح التى بدأها الدكتور صلاح فضل من رقمنة إنتاج المجمع فهو الرائد ورئيس المجامع العربية، ولماذا لا يزيد عدد أعضائه إلى مائة عضو بدلا من أربعين فهموم اللغة واحتياجاتها تتطلب جهود الآلاف من علماء اللغة والأدب والفن. لماذا لا نترك روح التجديد تمر فى أرجاء المجمع فاللغة تتطور والمجمع ينبغى أن يلحق بركب التطور محافظا على جماليات التراث وروح العصر؟.


أخيرا، أليس المجمع جديرا أن تسمى محطة المترو أمامه «محطة مجمع الخالدين»؟ 


حماية اللغة العربية


 لماذا نفرط فى لغتنا العربية ولا نعتز بها؟ هذا سؤال طرحته فى يوميات سابقة لتأتى إجابته من الهند إذ أرسل إليّ البروفيسور محمد ثناء الله الندوى بروفيسور التاريخ الأدبى والبلاغة، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة على كره الإسلامية، الهند قائلا: إن سؤال تعزيز اللسان العربى المبين بما يعيد الشعور بثقة النفس فى نفوس أبناء الضاد  ليفتخروا بالانتماء إليه لغوياً وأدبيا ومعرفيا وحضارياً إنما يمس مشروعاً هائلا وثيق الارتباط بفصائل مجتمعية، بداية من البيت والأسرة وامتداداً إلى المدرسة ثم الكلية والجامعة والمؤسسات المجتمعية على اختلاف أحجامها فى التخطيط والعمل والإدارة والحوكمة.


الموضوع سيادة الدكتور موضوع كتاب وأنتم من خيرة خبرائه وحملة همومه، وتتضاعف أبعاده حين يتحدث متحدث فى سياق أبناء العروبة والمنظومات التربوية العربية وقطاعاتها وصناع القرار فيها وتشعب جهات التلقى والتنفيذ، ولا يمكن حتى تقديم خلاصة لها فى أسطر أو فقرات معدودة. لماذا يعانى أبناؤنا من مركب نقص تجاه التحدث باللغة المعيارية؟ الفقر اللغوى التربوى وجهات تتحمل المسئولية فى ذلك؟ القصور فى الفهم للتراث؟ الانبهار بالآخر الغربى أو عقدة الخواجه؟


البيداغوجية التى تثبط همة المتعلم؟ كفاءات مؤسسات التربية والمعلمين؟ العربية وعواملها؟ العولمة التربوية؟


قضايا اللغة الجامعة فى سياق تعددية الهوية والقومية اللغوية ولغة التعامل اليومى؟ السياسات التربوية فى العالم العربى فى عمق التحليل؟


هذا غيض من فيض فيما يخص المسألة فى أبعادها المتعددة.


من الأساسيات فيما أرى سعادة الدكتور أن الطفل العربى لا يسمع اللغة المعيارية من أبويه إلا فى القليل النادر. وأعرف ما لهذه المسألة والكلام فيها من خطورة فى سياقات شتى. ولكن هذا معناه أن اللبنة الأولى فى تشييد العمارة مختلة أصلا. وماذا يتعلم الطفل فى المدرسة؟ وما هو الجو التربوى والثقافى العام؟ هنا أيضا الأمر يختلف من مدرسة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، فى أبعاد مترامية، من المقرر الدراسى إلى طرق التدريس وإدارة النظام التربوى بوجه عام.


اللغة العربية اليوم لا تستقيم حتى لأبناء العروبة إلا عبر القواعد اللغوية، وفى هذا السياق ربما لم يبق اختلاف كبير بين العرب والأعاجم، إذ أنهم أصبحوا أشباها سواسية فيما يتعلق بتعلم أسس اللغة والمفردات وتقعيد جمالياتها (من البديع والقريض وعلم القوافى والتفعيلة وسواها).


على أن التقعيد يجب أن يتحرر من إرباك الوعى اللغوى للنشء الجديد بتوريطه فى الخلافات بين البصريين والكوفيين حسبما أشرتم إليه.


ولكن ليس معنى ذلك استبدالها بتمويهات وإحباطات حداثية واستحداث منكر مثلما نجده حتى فى أماكن حكومية عامة: كيف نفسر «قسم ترانسفر الترانزيت» فى مطار دولى فى بلد عربى؟


كيف نفسر: قالت المتحدث الرسمى لوزارة الثقافة السيدة فاطمة....» ؟


وهناك الكثير من إمكانيات الكلام فيما يخص النماذج النثرية والشعرية المختارة من التراث للإثراء الذهنى معجميا على الأسس السليمة، ولكن هذا لا يرادف القول بقبول مكثف لمفردات الشعراء الصعاليك والفرزدق أو مقامات الهمدانى، مثلا. أرى أن استخدام اللهجة العامية فى تدريس اللغة العربية وشرح نصوصها يزيد الطين بلة.


ومثله اكتساح جو من المزاوجة اللغوية للأديم العربى (الفرنكوفونية وقضايا اللغة الجامعة، مثلا، من بين أمثلة أخرى) فى الحقل التربوى.


هذا وأمثاله يتطلب منا الكثير من التفكير والعمل الجاد الذى لن يتحرر من تحديات كبيرة وكثيرة، كم لدينا من المسلسلات التليفزيونية باللغة العربية الفصحى؟ مركب النقص فى أبنائنا حين يتحدثون بالفصحى تتمخض عنه عوامل شتى، منها الضعف المعرفى للتراث خاصة فى العلوم والفنون والآداب والفقر المعرفى للتاريخ. إذا عرف الجيل الجديد ما صنع  أجدادهم من الأمجاد التى لولاها لما وجد العلم الحديث فى أوربا..

فهذا بالتأكيد يرسى فيهم قواعد الثقة بالنفس و الافتخار بالتاريخ ويعينهم فى كسر مركب النقص ويجعلهم يتمتعون بالشموخ نفسيا ثم لغويا وثقافيا وحضاريا. كما من الضرورى اتخاذ مشاريع مكثفة لتعزيز الملكة اللغوية فى أبنائنا، من برامج أسبوعية للكتابة والخطابة وبرامج لتنمية واصطياد الجدارات واستثمارها (جوائز مالية وبعثات وحوافز أخرى) خاصة فى المدارس والجامعات بجنب ما يمكن من هذا النوع من الأنشطة فى البيوت والأندية الخاصة.


ولا يفوتنا أمر القضاء على الفساد فى تعيين طواقم التدريس، خاصة وأننا لن نحصد سوى ما نزرع.


ويبقى الكثير سعادة الدكتور فى قضايا التسجيل للدراسات العليا وتحضير الرسائل الجامعية وجوانب العمل والتعامل فيها والتى تفرز لنا ألوانا مربية فى كثير من الأحيان.


مع عاطر الاعتزاز بكم» انتهى تعليق البروفيسور محمد ثناء الله الندوى الذى جاءنى من الهند لعله يجد آذانا صاغية فقد اتسع الخرق على الراقع.


فى النهايات تتجلى البدايات


نحنُ الشعراءْ


مجانين يعشقنا العقلاءْ

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة