المفكر الاسلامى ثروت الخرباوى
المفكر الاسلامى ثروت الخرباوى


خاص| الخرباوى: «محفوظ» عشق تفاصيل مصر بعد جراحة نفسية للشخصية المصرية

عبدالنبي النديم- صفوت ناصف

الأربعاء، 01 سبتمبر 2021 - 02:32 م

-الإخوان الإرهابيون حاولوا اغتياله جسمانيا ومعنويا .. وشمتو فى موته

-محفوظ توقع حكم الإخوان لمصر.. إلا أن الشعب استعاد وعيه سريعا فحذفهم من قائمته للأبد

 

صرح المفكر الإسلامي ثروت الخرباوى لـ«بوابة أخبار اليوم» أن أدب نجيب محفوظ تحول بالرواية المصرية والعربية إلى العالمية، وأن أديب نوبل لم يترك شاردة ولا واردة إلا وكتب عنها، كانت مصر في خاطر نجيب محفوظ، وكانت روايته كلها تدور حول مصر وعنها، مصر عبر التاريخ، ومصر الحارة الطيبة، ومصر في ثورة 1919، ومصر التي تواجه الطغيان، ومصر بشخوصها المختلفة، وكانت بداية كلمته عن مصر في روايته المجيدة «كفاح طيبة» التي كتبها وهو مقبل على الثلاثين، وبعد أكثر من ستين عاما من هذه الرواية مات محفوظ وهو في الرابعة والتسعين، وحين مات رثته الدنيا كلها، وسارت مصر في جنازته، إلا أن الإخوان الإرهابيون شمتوا في موته، وكانوا قد حاولوا اغتياله قبل ذلك، وفشلوا في ذلك، فحاولوا اغتياله معنويا، وفشلوا أيضا، ألا إنهم في كل عمل يفشلون!!

 

 

أضاف الخرباوي، أن نجيب محفوظ كتب عن مصر كلها، وأجرى جراحة نفسية للشخصية المصرية، أبدع وهو يحكي لنا عن مصر في أوائل القرن العشرين وهي واقعة تحت الاحتلال تسعى للخلاص والحرية، كتب ذلك في العديد من رواياته إلا أن أكثرها إبداعا روايته الأسطورية «الثلاثية» والتي أظن أنها هي «الرواية الأم» في الأدب المصري، والتي يجب على أدباء مصر أن يقولوا "كلنا خرجنا من ثلاثية نجيب محفوظ" كما قال أدباء روسيا "كلنا خرجنا من معطف جوجول" أما روايته المذهلة "الحرافيش" فهي الحكمة عندما تتحول إلى حياة روائية، وهي الحارة المصرية الحقيقية، ولك أن تعلم، أن نجيب محفوظ لم يترك شاردة ولا واردة في مصر إلا وتناولها في رواياته وقصصه، حتى أنه كتب عن الإخوان، وتناول العديد من شخصيات التطرف، كتب عن سيد قطب وتحولاته الفكرية، وشخصيته المضطربة، ترجم محفوظ هذه الشخصية بضيق أفقها وتطرفها في رواية «المرايا» ووضعها في شخص سماه "عبد الوهاب اسماعيل" جعله أديبا وشاعرا ثم إذا به يصبح متطرفا لدرجة تكفير المجتمع، كانت شخصية عبد الوهاب اسماعيل قريبة الشبه من شخصية سيد قطب، وكانت تحولاته وكأنها تحولات قطب رصدها لنا محفوظ في "المرايا" التي رصد فيها عشرات الشخصيات وأبدع تصويرها، إلا أنني أظن أن جانبا من هذه الشخصية كان يقارب شخصية القيادي الإخواني "عبد الفتاح اسماعيل" الذي كان شريكا لقطب في قضية 1965 والذي تم تنفيذ حكم الإعدام فيه مع قطب ولكنه لم ينل نفس الشهرة وإن كان يقاسمه في نفس الأفكار، وأظن أن محفوظ الذي كتب المرايا عام 1971 استمد اسم هذه الشخصية من عبد الفتاح اسماعيل، فكان عبد الوهاب اسماعيل أحد أبطال الرواية.

 

 

وأضاف المفكر الإسلامي، أن ثمة رواية أخرى تعرض فيها محفوظ لشخصية إخوانية، هي رواية «الباقي من الزمن ساعة» وهذه الرواية تدور حول حامد برهان وزوجته، حيث حلوان ذلك الحي الذي كان في يوم من أيام مصر منتجعا صحيا، وروى لنا محفوظ في روايته عن محمد ابن حامد برهان الذي كان شابا عاديا ثم انخرط في جماعة الإخوان قبل ثورة يوليو، وكيف تغيرت حياته وكأن الانخراط مع جماعة أو جمعية ترفع شعارات الدين تفرض على المنتمين إليها أن يسلكوا طريقا مختلفا عن باقي المتدينين، وفي هذه الرواية اعتبر محمد حامد برهان أن الثورة هي ابنة الإخوان، بل هي صنيعتهم، فتحمس لها وتحمس لرجالها، لا بحسب أنها تقدم لمصر شيئا مختلفا يواكب العالم، ولكن فقط لأنه ظن أنها ثورة إخوانية! ثم عندما أيقن أن الثورة تسير في طريق يختلف عن طريق الإخوان ركن إلى السلبية، وكأنه تلقى ضربة كونية أفقدته اتزانه ودعته إلى تلك السلبية، فيصير بذلك عبئا على مجتمعه لا فاعلا فيه.

 

وأكد المفكر الإسلامي ثروت الخرباوي، في روايات محفوظ تجد شخصيات إخوانية صريحة، إلا أنه لم يعبر عن انتمائها التنظيمي واكتفى بالتعبير عن توجهها، ففي رواية «القاهرة الجديدة» التي تحولت إلى فيلم تحت عنوان «القاهرة 30» يضع محفوظ شخصية الوصولي «محجوب عبد الدايم» والشيوعي الذي يؤمن بالماركسية «علي طه» والصحفي أحمد بدير، كل هؤلاء بجوار شخصية الإخواني «مأمون رضوان» الذي يقول: «إن الله في السماء وقد أنزل دينه الإسلام على الأرض لكي يحكم كل الناس، هذه هي مبادئي» فيرد عليه الشيوعي قائلا: «إنني أعجب أن تؤمن بهذه الأساطير»، وفي ذات الوقت كان محفوظ حريصا على ألا يطلق على مأمون رضوان صفة الإخوانية بشكل صريح ولكنه وضع له الصفات المؤهلة لإخوانيته، إذ أنه جعله رافعا لشعارات الجماعة، فهو ينكر كل الأحزاب، ولا يعترف بقضية مصر الكبرى وقتها وهي «الجلاء التام أو الموت الزؤام».

 


وبتلك الشخصيات وضع نجيب محفوظ يده على مصر كلها، وظلت هذه الشخصيات تتكرر في حياتنا إلى أن قامت أحداث يناير 2011 ، فكان هناك الوصولي الذي استطاع أن يعيد طرح نفسه مرة أخرى بعد أن كان مؤيدا للنظام السابق الذي قامت عليه الثورة، وهناك الثوري الاشتراكي الذي يرى أن الدين ما هو إلا أساطير، وهناك الشاب الحائر الذي يبحث لنفسه عن مكان تحت الشمس، وهناك الإخواني الذي استطاع أن يحتوي كل هؤلاء فيطرح شعارات دينية، وبها يمارس الوصولية في أشد صورها، فيتحالف مع الشيوعي بعض الوقت وهو يدرك أن الشيوعي ييقول عنه أنه يؤمن بأساطير، وبذلك يجد الإخوان لأنفسهم مكانا تحت الشمس في رابعة النهار، فقد كانت شمسهم هي «شمس الحكم».

وأضاف المفكر الإسلامي، في رائعة محفوظ ودرة أعماله «الثلاثية» يرصد محفوظ تطور حياة السيد أحمد عبد الجواد، وأحفاده، فيصبح واحد منهم، وهو عبد المنعم إخواني يطلق لحيته، ويشارك في أعمال الإخوان ويدمن قراءة الكتب الدينية في الوقت الذي يكون فيه شقيقه أحمد شيوعيا، بما يعكس حالة انقسام حادة داخل الأسرة المصرية، وقد أصابت حالة الانقسام هذه مجتمعنا في الفترة الأخيرة وخاصة بعد ثورة يناير، وإن كانت انقسامات شخصيات محفوظ هينة لينة لا تتعدى المناقشات والحوارات، وهي بالقطع غير انقساماتنا التي أصبحت تنتهي بالقنابل والرصاص والخناجر!.

أما المقدمة التي أدت لهذا التعاظم في الانقسام فقد لمسها محفوظ في الثلاثية حينما ترجم التعاليم الدينية التي كان عبد المنعم يتلقاها من شيخه الإخواني الذي كان يبصم على شخصيته بكلمات حسن البنا التي يقول فيها :"تعاليم الإسلام وأحكامه شاملة، تنظيم شؤون الناس في الدنيا والآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية الروحية أو العبادة دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف" يضع محفوظ هذه التعاليم على لسان شيخ إخواني اسمه الشيخ المنوفي إلا أنها هي ذاتها إحدى كلمات البنا التي ألقاها في أحد المؤتمرات الإخوانية وصارت جزءً مما يسمى بالرسائل.

وأختتم المفكر الإسلامي، أن نجيب محفوظ مات قبل أن يحكم الإخوان مصر ولكنه كان قد قال قبل موته يبدو أن الشعب المصري يريد أن يُحْكَم بالإخوان! وحدث ما توقعه محفوظ، إلا أن الشعب استعاد وعيه سريعا فحذف الإخوان من قائمته إلى الأبد.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة