نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

«نجيب محفوظ» الحاضر رغم الغياب

نوال مصطفى

الأربعاء، 01 سبتمبر 2021 - 06:09 م

لم يدهشنى الجدل الدائر على صفحات بعض الجرائد، والمواقع الصحفية حول أديب مصر نجيب محفوظ بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على رحيله فى الثلاثين من أغسطس عام 2006، هكذا تظل القامات الرفيعة، صاحبة الإنجاز الفريد حية فى الضمائر والقلوب، لا تطولها «آفة النسيان». ونجيبنا أحد تلك الرموز الشامخة فى بلادنا التى ستظل فى الوجدان لزمن طويل، وربما للأبد.

لفتنى موضوع صحفى يشمل استطلاع رأى لعدد من الأدباء والنقاد المصريين والعرب عن هيمنة نجيب محفوظ على المشهد الروائى العربى بقوة حتى الآن، وجاءت آراء المشاركين فى معظمها (إلا قليلا) تؤكد وتحلل أسباب جدارة الأديب المصرى العالمى بهذه الهيمنة والسطوة الأدبية والمهابة التى تحيط بأعماله ومنجزه الأدبى المتنوع، الغنى.

بينما تحدث البعض عن الخطأ الذى يمارسه بعض النقاد والكتاب عندما يحيطون محفوظ وأعماله بشيء أشبه بالتقديس، ويتهمون من يتناول نصا من نصوصه بالنقد الموضوعى المجرد بالغيرة، والتطاول على رمز أدبى كبير غير مسموح بالاقتراب منه أو من أعماله إلا بالتقدير والإعجاب، بل والانبهار أيضا.

أعجبنى رأى كمال الرياحى (روائى تونسى) وهذا بعض منه: «لم يكن نجيب محفوظ تجربة روائية واحدة لكى تطويها التجارب الأخرى. كان منجماً للتخييل والعطاء. اطلع على الشكل الروائى الغربى ولم يترك تياراً إلا واختبر نصه فيه؛ من الرواية الواقعية إلى التاريخية إلى الذهنية.

لم يسقط فى فخ الأيديولوجيا، وحمى نصوصه من «المباشرتية»، وظلت قوته فى وعيه باللغة، فلم يحمل اللغة الروائية ما لا تحتمل وابتعد عن الاستعارة وبلاغة المجاز والشعرية فكانت اللغة عنده براجماتية وشعريتها فى روائيتها، وروائيتها فى إيهامها بالواقعية، تماست مع العامية دون أن تكونها ونطقت الشخصيات بأصواتها وهذا هو الدرس المحفوظى المفقود فى الرواية العربية إلى اليوم».

كذلك تحدث الناقد المصرى محمد بركة عن اتجاهين متناقضين فى رؤية الأديب القدير، أحدهما يحيطه بالتقديس، والرهبة والثانى ينتقد ذلك التوجه بحدة ويرى أنه روائى كبير لكن هذا لا يعنى عدم خضوع أعماله للنقد الموضوعى.

يقول محمد بركة: «نحن بحاجة إلى طريق ثالث فى النظر إلى الإرث المحفوظى يعلى من قيمته لكن يركز على قيمة تجاوزه وعدم البقاء طويلاً تحت وصاية أبوته، تلك القيمة التى نستشرفها من تجارب الرجل نفسه فقد تجاوز جميع أساتذته ثم معاصريه، بل سعى لتجاوز ما سبق أن قدمه هو ذاته، ساعتها سيظل محفوظ مهيمناً على الفضاء الإبداعى العربى عبر الدروس المهمة التى نستخلصها من مسيرته مثل الاستمرارية والدأب والتخطيط والصرامة فى إدارة الوقت.
 أما أنا فأرى أن أدب نجيب محفوظ يوازى أدب شكسبير، ديستوفيسكى، تشيخوف، وغيرهم من رواد الرواية العالمية الذين سيظلون علامات عبر القرون، إنه أدب خلق ليعيش مثل الموسيقى الكلاسيكية لبيتهوفن، موتسارت، وشوبان.

فلماذا يرغب البعض فى إنكار القيمة الحقيقية لإنجاز غير عادى، فى محاولة لجعله عاديا، يخضع للشروط والأحكام! عندما تذهب لدولة من دول العالم التى تفخر وتحتفى برموزها، تجد بيوت الأدباء الرواد مزارات فى برامج السائحين، وتجد المرشد سواء كان شخصا أو جهازا مسجلا يحكى بفخر وتفصيل، هنا عاش دستوفيسكى، هذا هو مكتبه، تلك كانت ريشته، هذه غرفة نومه، وتشاهد عن بعد مخطوطاته بخط اليد، مصانة ومرممة بعناية، محاطة بسلاسل تمثل حواجز بين الزائرين، والتراث الرفيع الذى يجب الاحتفاظ به عبر السنين، مصانا، تتذكره الأجيال ليس فقط  أبناء البلد، بل البشر جميعا فى كافة أقطار الدنيا.

صحيح أن نجيب محفوظ صار له متحف تم افتتاحه مؤخرا، لكن هناك من يحاول التقليل من قيمة إنجازه المعجز كما وكيفا، هؤلاء الذين يضمرون حقدَا لتاريخ الرجل بلا مبرر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة