رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

وظيفة المال الاجتماعية

رجائي عطية

الجمعة، 10 سبتمبر 2021 - 07:09 م

يتنسم المال قمة جدول القوى والقدرات، فهو وسيلة لتحقيق الكثير بالشراء وغيره.. على أن معظم الناس يغفلون عما للمال من وظيفة اجتماعية، ويأخذونه على أنه مجرد عزوة أو قوة أو شوكة.
إلاَّ أن للمال آثارا ليس فقط على الأشياء، وإنما أيضًا على الأرواح، باعتباره قيمة قد تنافس الدين، وباعتباره عنصراً فى الواقع، ووسيلة من الوسائل فى خدمة الحاجات المادية اللازمة للدعوة الدينية، وباعتباره أداة للتعبير عن العواطف بما فيها عاطفة التدين. 
فالمال قوة فى المجتمع ليس لها فى نظر الناس حدود، وهو قوة مركزة تستخدم فى تحقيق آلاف بل ملايين الرغـبات والأغراض، لذلك فقد صار الصراع على المال صراعاً من أجل القوة فـى أصفى وأيسر صورها، فهو فى مقدمة قائمة القيم فعلا وواقعا فى كل الجماعات حتى الماركسية منها، وأدى إلى سيادة « الطابع المادى » الذى هو أكثر ظهورا عند السوقة والمحتاجين وأهل الفقر والكتل بعامة، نتيجة الشعور بالاحتياج والضيق وشدة التطلع إلى التخلص أو الراحة منهما، من أجل هذا تتعاظم غالبا قيمة المال ـ حتى القليل منه ـ فى عين الفقير، ولذلك لم تستطع الأديان حتى فى عنفوانها أن تحطم مكانة المال فى قلوب الكتل الفقيرة. 
بيد أن هذه الكتل الفقيرة ليست هى التى تعطى المجتمعات طابعها عبر التاريخ، وإنما يستمد المجتمع طابعه دائما من الطبقات التى تعلو القاعدة، كما هى الحال فى الأبنية عموما، وهذه الطبقات هى التى يمكنها أن تقف من المال موقفا فيه شىء من الهدوء يسمح بالتأمل، وهى التى يمكن أن تفطن إلى أضرار المال وأخطاره وقدرته الشيطانية على التسرب إلى الروح وإتلاف الضمير. وفى هذه الطبقات ـ التى تعلو القاعدة ـ يمكن أن يتقابل الدين كقيمة مع المال مقابلة فيها صراع، فإذا فاز الدين انخفضت مكانة الغنى بالنسبة للفقير، وتراجع شأن المال، وقل أو اعتدل تهافت الناس على الثراء، وسهل من ثم بذل المال والتقرب به فى الصدقات وأنواع البر سرا وعلانية، ولم يعد الفقر من المال نقصاً يغض من قدر الآدمى فى عين نفسه أو فى عيون الناس، ولم تعد ملكية المال تزكى ـ فى ذاتها ـ قدر صاحبها، وخف بهذا جانب مهم من جوانب الصراع على الدنيا، وتسربت روح ذلك وأنـداؤه إلى الكتل الفقيرة، فيلطف من حدة ما تعانيه.
وعملية رفع الدين إلى رأس قائمة القيم، هى فى الدرجة الأولى عملية خفض لمكانة المال وسلطانه وأثره على النفوس، على أنه ليس من السهل ـ مادام الناس على ما هم عليه ـ أن يبـقى الدين مـدة طويلة على رأس جدول القيم فعلا وواقعا. ويبدو أن تصدر الدين قائمة القيم فى نفوس الناس لا يجىء إلاّ كرد فعل فى أعقاب النكبات والانتكاسات، أو فى أعقاب نوبات التكالب والسعار على الدنيا التى تجتاح المجتمعات عندما يبلغ فيها الشغف بالمادة ومتاع الدنيا حد الاقتتال، ففى أعقاب هذه وتلك تكون الظروف مهيأة للدين لأداء دوره الطيب والملطف لما يصيب المجتمعات من الأوضار !
ويجب أن يلتفت أهل الدعوات ـ فى تأثير المال ـ إلى دور الخامة البشرية، أى مجموعة الاستعدادات والقدرات والخصال التى لدى الإنسان، وهى قدرات تختلف باختلاف المكان والزمان والظروف، وترك ويترك آثاره الحتمية فى تاريخ الأديان وكيفية نموها، وعلى آثار صراعها مع المال والقوى المادية، وهو يحدد مع غيره من العوامل مستقبل أى دعوة دينية قديمة أو جديدة.
وهبوط الخامة البشرية شىء حدث ويحدث فى كثير مـن الجماعات، ويترجم عن وجوده  فى صورة خلل مزمن فى عمـل الأنظمة، وفى ذهول وإعراض الناس عن الاهتمام بالنجاح للأنظمة أو الغيرة على الخير العام. ولا سبيل إلى علاج هذا الهبوط حين يستشرى فى الخامة البشرية، إلاَّ بمحاولة تغيير النفوس ودفعها إلى العودة الضرورية اللازمة لنجاح المجتمعات والأفراد.
 ويبدو أنه فى هذا الصراع بين الدين والمال على نفوس الناس وأرواحهم، لم يدرس المسلمون الكسل وأثره دراسة كافية، ولم ينتبهوا إلى دوره الخطير فى تاريخهم، ولا إلى الصلة الوثيقة بينه وبين المغالاة والتطرف والجمود !!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة