عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

يقترفها الكبار ويدفع ثمنها الصغار

الأخبار

السبت، 11 سبتمبر 2021 - 08:16 م

لم تكن التغيرات و التقلبات المناخية فى العالم على ما هى عليه اليوم، يمكن القول إن الشهور القليلة الماضية من السنة الجارية عرفت أهم وأبرزهذه التغيرات المناخية المقلقة.
أولا، انتاب العالم رعب شديد من ظاهرة إحراق الغابات، حيث التهبت ألسنة النيران عشرات الآلاف من الهكتارات الغابوية فى العديد من أقطار العالم، الحرائق انتشرت بكثير من الرعب والهلع ، فى تركيا كما فى اليونان وفى إيطاليا كما روسيا وفى الولايات المتحدة الأمريكية كما فى أستراليا والبرتغال و إسبانيا كما فى الجزائر وتونس و المغرب.
و لم يكن كافيا الادعاء بأن هذه الحرائق تمت بفعل فاعل تعمد القيام بهذه الجريمة، ومن يتستر وراء هذا التعليل الضعيف فإنما يكشف عن جهل كبير وفظيع للمتغيرات المناخية ، أو أنه خطط لتبرير تقصير السلطات العمومية ببلاده فى مسئوليتها فى سرعة التدخل.
و لم يكن المتخصصون والملاحظون والمتتبعون فى حاجة إلى إدراج ما يحدث فى سياق معضلة التحولات المناخية ، لأنه فى نفس الوقت الذى كانت فيه ألسنة النيران تلتهم بشراهة عشرات الآلاف من الهكتارات من غابات العالم عرفت دول أخرى ، كثير منها قريب و مجاور للدول التى اجتاحتها الحرائق المخيفة ، هطول أمطار طوفانية خطيرة جدا أتت من جهتها على الأخضر واليابس.
الحرائق والفيضانات، وهما الظاهرتان المتناقضتان اللتان سجل حدوثهما فى نفس الوقت ، لم تكونا وحدهما ما أثار انتباه المختصين إلى ما يجرى ويحدث بوتيرة سريعة ومخيفة فى عالم التغيرات المناخية ، بل إنهم واصلوا اهتمامهم وانشغالهم باستمرار ارتفاع منسوب المياه البحرية على امتداد مسافات طويلة من شواطئ العالم ، ومهم فى هذا الصدد أن نسجل أن المتهم الأول والرئيسى فى كل ما يحدث ، خصوصا فيما يتعلق بالحرائق وتراجع المياه فى الشواطىء، هوارتفاع درجة حرارة الكون بمستويات مقلقة وصلت ، حسب الخبراء أنفسهم ، إلى 1٫5 منذ بداية القرن العشرين، ومن الطبيعى التذكير فى هذا الصدد أن السبب فى ارتفاع درجة حرارة الكون يعود بالأساس إلى ارتفاع نسبة ثانى أوكسيد الكاربون فى الجو، ويفسر المختصون ذلك أيضا بالإفراط فى استعمال الوقود الأحفورى فى مجالات النقل والترفيه و غيرها ، مما نقل حجم معدل نصيب الفرد الواحد من هذا الوقود إلى 12 طنا .
حيث أكد تقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة قبل أسابيع أن ( التغيرات المناخية أصبحت سريعة ومكثفة وواسعة الانتشار، وتواصل هذه التغيرات اتجاهها التصاعدى فى المستقبل لتزيد من تأثيراتها على حياة الإنسان ) ويفصل التقرير فى هذا الصدد، ويكشف عن أهم الظواهر الكارثية المرتبطة بالتغير المناخى، وحددها فى تواصل ارتفاع درجة حرارة الكون، ويتهم معدو التقرير فى هذا الشأن مستوى الانبعاثات المستقبلية للغازات المسببة ، لما سموه ، الدفيئة ، والتى ما هى إلا نتيجة للأنشطة البترولية وغيرها.
وينبه التقرير إلى أن تواصل ارتفاع درجة الحرارة فى الأرض ستكون له تداعيات على دورة المياه الطبيعية وعلى الغطاء النباتى وعلى المحيطات والبحار، وهذا لا يمكن وصفه إلا بالكارثة التى تهدد مصير العيش فوق هذه البسيطة.
طبعا ترتفع حدة الحديث عن الأخطار الكبيرة المحدقة بمستقبل البشرية جمعاء بسبب حدوث اختلالات عميقة وخطيرة فى بنية المناخ فى الكون ، ولكن يخفت الحديث بشكل كبير، ليس فقط عن الأسباب الحقيقية وراء ما يحدث ، ولكن عن المتسببين الرئيسيين عما يحدث ، لأن الأمر يتعلق بالدول العظمى ذات الاقتصادات القوية والعملاقة والتى تستحوذ على النسبة الكبرى وشبه الكاملة من المواد المفرزة لما يدمر بنية المناخ ، سواء تعلق الأمر بالوقود الأحفورى أو بباقى أنواع المحروقات، أوما تفرزه مختلف أنواع الصناعات المتطورة من أضرار بليغة جدا على المحيط البيئى الطبيعي. والأدهى من ذلك أن الأقوياء يتسببون فيما يحدث، و يتنصلون من مسئولية ما يترتب عن ذلك ، فهم يكثرون الكلام عنه داخل قاعات الندوات والمؤتمرات والملتقيات والمنتديات، ويدفعون وسائل الإعلام لتسيل عنه كثيرا من الحبر، ولكن على مستوى مباشرة التدابير والإجراءات الحقيقية الكفيلة ، ليس بوضع حد لما يقع و يجرى ، و لكن على الأقل التخفيف من مخاطره والحد من اتجاهه التصاعدى فإنها لا تبالى ، وتلهى الرأى العام الدولى بخلافاتها الداخلية، بمن دخل ومن خرج من اتفاقيات المناخ ، ومن خرج ثم عاد ويجب أن يتناقشوا فى حيثيات عودته . وهكذا يقترف الكبار ما يقترفونه من جرائم فى حق الإنسانية ويجنون الأرباح المهولة ، ويدفع ثمنها المرتفع الصغار من دول لا حيلة أمامها إلا القبول والانصياع لحيثيات نظام عالمى ظالم.
نقيب الصحفيين المغاربة

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة