إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة:

سؤال الوباء الغائب

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 16 سبتمبر 2021 - 06:26 م

على طول التاريخ حروب بين شعوب وامبراطوريات راح ضحيتها آلاف وربما ملايين من البشر، ورغم ذلك لا يكف الإنسان عن إشعال الحروب. كانت الحروب  يوما هى الطريق الوحيد لكل امبراطورية صاعدة، فتزحف ويتسع مجالها الحيوى فى بلاد قريبة أو بعيدة. المجال الحيوى فكرة سياسية بسيطة جدا، فلكل منا مجاله الحيوى، يبدأ بأن يتمطى الشخص بذراعيه ولا يصطدم بشىء جواره، وإذا وجد شيئا يعوقه فيبعده بيديه ليفرد ذراعيه إلى نهايتهما. لذلك نكره الزحام. ويمكن أيضا مع المراهقة أن يتسع المجال الحيوى بإغراءات الجمال حول الشاب أو الشابه، ويجد أن مجاله الحيوى يمتد ليشمل فتاة يحبها أو فتى يحبه. هذا النوع الجميل من المجال الحيوى تستمر به الحياة، ويكون الإخفاق فيه موجعا، لكن لصاحبه وليس لبقية البشر. جيلنا نشأ بين أغان وأفلام عاطفية رائعة جعلت من الحب الرومانسى مجالا حيويا للبنات والبنين، وصار الشاب منا وقتها يعتبر أن حياته كلها يمكن أن يكرسها لفتاة أحبها وغايته رضاءها. لم تكن هناك مساحة للتحرش كما هى الآن فى وقت ملأت فيه العشوائيات فى المبانى والسلوك فى البلاد. فضلا عن نوع الأغانى التى لم تعد تعرف العتاب الرقيق، بل الهجوم والشماتة وإظهار القوة . لكن هذا لا يبعدنى عن سؤال الوباء. مقابر القتلى والشهداء فى الحروب تملأ كل بلاد العالم، وتزداد حتى لو انشغلنا بعد ذلك عنها. لكن الإنسان لم يكتف أن يمتد مجاله الحيوى من الحب إلى الغزو، بل امتد ليشمل كل الحيوانات والطيور والأسماك وكل المخلوقات البرية والبحرية وفى الفضاء. مهما قرأنا وعرفنا عن جمعيات حماية الحيوانات فالإنسان لا يتوقف عن صيدها ليأكلها، أو اقتنائها لتزين بعض حدائقه للفرجة عليها بعد أن حكم عليها بالحبس، هى التى كانت تمرح بين الغابات والأدغال والجبال والوديان. أليست هذه ذنوب يرتكبها أفضل مخلوقات الأرض. صحيح أن الله سخر لنا كل هذه المخلوقات لتستقيم حياتنا غذاء أو فرجة ومتعة، لكنها فى النهاية تتم من قبل الإنسان بلا أى شعور بالذنب، بل عادة بالفخر. هذه المخلوقات التى لو دققت إلى ما تصطاده منها لوجدته ينظر إليك، وفى نظرته قد تجد شيئا من الحزن أو العتاب!. هل كان الوباء الذى يتباعد فى السنين فى حياة البشر، ثم يظهر ويحتارون فى تفسيره بعيدا عن الانتقام الإلهى من ظلم الإنسان لمخلوقات لا تستطيع أن تدافع عن نفسها. أعرف أن هذا تفكير غريب، لكنى كثيرا ما أفكر فيه. هذا الكون قام على التوازن البيئى فالمخلوقات غير البشرية حين تقل، يؤثر هذا على التوازن لأن لكل مخلوق منها دورا فى الحفاظ على البيئة، فكثير منها إن لم تكن كلها، تأكل بعضها ليستقيم الكون، ولا يتغلب فيه جنس أو نوع على بقية الأجناس والأنواع. الكورونا ليست أول وباء يحل بالبشرية، فكم حل الطاعون الذى أخذ أكبر مساحة فى التاريخ، ثم الانفلونزا الإسبانية فى عام 1918 التى أصابت خمسمائة مليون فى العالم، ومات بسببها الملايين. شملت بلادا أذنبت أو لم تذنب فى حق بلاد أخرى تماما كالطاعون ثم الكوليرا وانتهت، ولابد أنها تركت السؤال، لكن لم يقف أحد عنده لأن فرحة انتهاء الوباء تُنسى الإنسان كل جرائمه. الوباء هو العدو الوحيد الذى يتسع مجاله الحيوى ليشمل كل العالم، فهل يعرف العالم وسكانه كم الخطايا التى ارتكبوها. بالطبع يتم إشاعة الصبر والقوة بأن هذا اختبار من الله، لكن تكرار هذا الاختبار لا يعنى أن الانسان يعيش على خطيئة مهما بدا عكس ذلك.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة