علي الرغم من مرور أكثر من أسبوعين علي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إلا أنه لايزال الحديث مستمراً علي المالك الحقيقي للجزيرتين.. وعلي الرغم من اختيار أسلوب المفاجأة لإعلان بنود الاتفاق في زيارة تاريخية لملك السعودية، استعاد فيها أو حصل علي الجزيرتين تيران وصنافير، إلا أن الأزمة الحقيقية التي تواجه البلاد واستمرارها حتي هذه اللحظة هو أسلوب الطرح والمعالجة العشوائية الذي سمح لعرض وجهات النظر المختلفة في أحقية أي من البلدين في الجزيرتين، وفتح الطريق للتراشق بين الشباب المصري والسعودي علي مواقع التواصل الاجتماعي واشعال الغيرة علي التراب المصري وخروج مظاهرات للتنديد بالاتفاقية.. وإن كان السبب الأول والأساسي فيها هو عدم اقناع هؤلاء المتظاهرين الذين يجانبهم الكثير من الحق،.. لان ما خرج عليهم في وسائل الإعلام ومعالجة الحكومة لهذا الأمر الخطير - الذي يتواكب مع مراحل صعبة تمر بها البلاد منذ أكثر من ٥ سنوات - وكـأن الحكومة تخلق أزمة وتحضر «عفريت» ولا تستطيع صرفه ولا تنفع معه المسكنات..
ملكية الجزيرتين ليست هي ما أتحدث عنه سواء كانت مصرية أو سعودية، وأنا لا أملك في نفس الوقت أن أشكك في القيادة السياسية التي اختارها الشعب بكل ثقة واطمئنان لتمتعها بالشرف العسكري الذي لا يهاب إلا الله في سبيل الحفاظ علي تراب هذا البلد.
لكن الأمر بدا مفاجئاَ وكأنك تمرر الاتفاقية ثم تدافع عن التوقيع عبر قنوات التليفزيون المصري العقيم الذي اختار لنفسه دور المدافع والإتيان بكل الضيوف الذين يقدمون الأدلة علي أنهما سعوديتان وتحولوا إلي محامين سعوديين لم يقنعوا الرأي العام المصري الذي سرعان ما أخذ يبحث عن الرأي الآخر في القنوات الفضائية، باختصار التليفزيون الرسمي لم يقنعه ولم يعد المؤثر الوحيد في عقله ووجدانه.
ومعه الحكومة التي تأخرت كثيرا في الرد وحسم حالة اللغط التي تشتعل كل لحظة عن اللحظة الأخري، وعلي استحياء يخرج توضيح ضمن بيان لمجلس الوزراء عن زيارة الملك سلمان التاريخية يؤكد ان الاتفاقية انجاز مهم، يُمكن الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من البلدين بما يوفره من ثروات ومواد تعود بالمنفعة عليهما.. وأضاف ان هذا الانجاز يعد عملا شاقا وطويلا استغرق أكثر من ٦ سنوات.. إلخ.
وأرجع البيان المبررات إلي القرار الجمهوري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٠، وكأن الاتفاقية عبء ثقيل أرادت أن تلقي به الحكومة علي عهد مبارك.. الاتفاقية تتضمن تحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الاقليمي للمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، وتم اخطار الأمم المتحدة ٢ مايو ١٩٩٠..
وإذا كان الأمر هكذا وفتح جميع الأبواب لجميع الأفواه لتدلو بدلوها في هذه القضية، حتي محمد البرادعي الذي استند مركز معلومات مجلس الوزراء في بيانه الذي صدر في ساعة متأخرة بعد يومين من بيان الحكومة - لمقال نشره عام ١٩٨٢ - بأن الجزيرتين تقعان تحت السيادة المصرية.. والاحتكام لمفيد شهاب الذي شارك في إعادة طابا إلي مصر، وخروج تصريحات لكريمة الرئيس عبدالناصر تؤكد انها وجدت ضمن أوراق والدها وثيقة سرية تثبت أن الجزيرتين سعوديتان.
وأمام هذا المشهد لم يبق أمامنا إلا الرئيس مبارك ليعلن لنا هل هما مصريتان أم سعوديتان ولم لا؟.. فهو لم يفرط في شبر من تراب مصر، حقيقة لا ننكرها.
والسؤال لماذا لم يتم الإعداد الجيد وتهيئة الرأي العام بالمستندات التي تثبت عدالة القضية؟
ولماذا تغرق الحكومة في التفاصيل والتصريحات؟ وتتحول لدور المدافع الذي يسوق المبررات، والذي يتعلق بقشة أيا كانت هذه القشة.. حتي حينما عرضت التسلسل التاريخي في بيان مركز معلومات مجلس الوزراء كان متأخرا بعد صدور الطبعة الأولي للصحف، وإذا كان لدي الحكومة هذا البيان لماذا لم يتم استغلاله بشكل جيد يخدم عدالة القضية ويحسم الأمر لصاحب الحق.
ولأن أدوات الأزمة في أيدي مسئولين في الحكومة لا يتمتعون بأي حس سياسي حتي وصل الأمر ببعضهم أن يقول أن الحكومة ليس لديها علم بالجولات التفاوضية والتي بلغ عددها ١١ جولة، فالسرية كانت مفرطة بحجة الحرص علي الأمن القومي المصري.
الحكومة حضرت العفريت بعشوائية، ولم تستطع أن تصرفه وتركت لمجلس النواب مهمة صرفه.. فهل يستطيع؟.. أم أن العفريت سوف يلبسنا جميعا