هجوم فيينا
دراسة هامة تكشف شبكة الإخوان فى النمسا وأوروبا
الأحد، 19 سبتمبر 2021 - 02:59 م
مى السيد
..لا يخفى على أحد، وحقيقة لا ينكرها عاقل، أن جماعة الإخوان الإرهابية، هى الأكثر نفوذًا بين كافة التنظيمات الإرهابية ليس لكونها الجماعة الإرهابية الأقدم فى العالم بين كل تلك التنظيمات ، ولكن بسبب النظام والأسلوب المعقد الذى تتبعه كافة أفرع الحركة فى مختلف بلدان العالم، وهو الأمر الذى جعل استئصالها أمنيًا أمرًا مستعصيًا، بدون الاستئصال الفكرى أولا، هذا ما جاء في دراسة مفصلة عن نشأة الجماعة وتطورها وكيفية توغلها فى المجتمع الغربى للمفكر والكاتب الإيطالى لورينزو فيدينو الخبير فى الإسلاموية فى أوروبا وأمريكا الشمالية؛ حيث أظهرت تلك الدراسة أن أسلوب الجماعة يعتمد فى المقام الأول – بالنسبة للمجتمعات الغربية – على الأسلمة التدريجية للمجتمع المتواجدة فيه، لكى تشكل فى النهاية مجتمعًا إخوانيًا يحكم كافة جوانب الحياة الخاصة والعامة لأعضائها، ومن ثم تشكل كيانًا سياسيًا طبقا للنظام الشامل والكامل الموضوع من وجهة نظرهم.
يشرح «فيدينو» فى دراسته كيفية هذه السيطرة الإخوانية ففى كل مكان تتوطن فيه هذه الحركة، تؤسس نقاباتها الخاصة وجمعياتها الطلابية وأطبائها وعمالها ومؤسساتها المصرفية الإسلامية، يصعب بعدها على البلد المضيف التخلص منهم، بعد أن أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع، الذى يحمل أعضاؤه جنسية البلد المضيف.
إذا أردنا أن نتخذ بلدًا أوروبيًا كمثال لتنفيذ سياسات الجماعة التى تبدأ بالتخفى ثم التوغل لتصل بعد ذلك إلى مرحلة السيطرة.. نجد أن النمسا هى البلد الوحيد تقريبًا الذى تمكن الإخوان من تطبيق أجندتهم حرفيًا فيها، وأصبحوا فاعلين فى المجتمع ويمتلكون منظمات وجمعيات لها تأثير بالغ، ليس على المستوى الحكومى فقط، بل امتد تأثيره ونفوذه للاتحاد الأوروبى.
وبينت الدراسة أنه فى عام 1960 ظهرت جماعة الإخوان المسلمين فى النمسا، حيث نمت شبكاتهم وتطورت، وتكيفت تكتيكاتهم وتغيرت أولوياتهم.. لقد أنتجوا بشكل مباشر أو غير مباشر العديد من المنظمات التابعة ، والتى يلعب بعضها أدوارًا مركزية فى تطور الإسلام النمساوى. وكان لهم دور أساسى فى نمو المجتمعات الإسلامية فى النمسا.
وحتى نتعرف على كيفية توغلهم وتمكنهم تقريبا من النمسا، وكما تقول الدراسة؛ علينا أن نشير فى البداية إلى أن الإخوان فى الخارج يتكونون من 3 فئات، ويختلف ارتباطهم مع المجموعة الأم، حيث الفئة الأولى وتسمى « البيور برزر» وهى أعضاء الإخوان من أبناء الشرق الأوسط الذين هاجروا إلى الغرب وتوطنوا فيها، أما الفئة الثانية فهم أفراد تربطهم علاقات شخصية قوية بالإخوان ولكنهم يعملون بشكل كامل بمعزل عن أى هيكل إخوانى، والفئة الثالثة وهى منظمات متأثرة بأفكار الإخوان أسسها أفراد مع بعضهم البعض، وقريبة جدا ايديولوجيا من الحركة الإخوانية، ولكن تنظيميًا ليس هناك تشابه بينهم على الإطلاق.
وكشفت الدراسة عن مفاجأة صادمة، حيث أن تلك الفئات الثلاثة متواجدة تقريبًا فى النمسا منذ عقود، مما أدى إلى إنشاء شبكة متطورة من الكيانات، والجمعيات الخيرية والأكاديميات التعليمية والشركات، مما أدى إلى وجود سلطة شبه موازية داخل الدولة، بفضل حصولهم على موارد كبيرة ومهارات تنظيمية، ليصبحوا محاورين متميزين للنخب الغربية داخل المجتمعات الإسلامية الغربية.
ومع مرور الوقت أصبح هناك منظمات نمساوية مرتبطة ببيئة الجماعة، هدفها الوحيد هو العمل على دمج كل تلك الكيانات على أهداف ثابتة، ووصل الأمر إلى وجود أصوات عديدة وكثيرة داخل المجتمع السياسى ترى أن التواصل مع الجماعة يعمل على تجنب التطرف، وفى كثير من الأحيان النجاح الانتخابى.
وبعد الأحداث الكبيرة الإرهابية فى أوروبا كشفت الدراسة عن حدوث تناقض هائل بين أوساط السياسيين النمساويين للإخوان المسلمين، وأيضا ممثلى الدولة، فمن ناحية هناك أصوات انتقادية للجماعة داخل وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، كما وصفت أجهزة الأمن النمساوية علنًا جماعة الإخوان؛ بأنها تشكل تهديدًا لهم وللتماسك الاجتماعى للمجتمع النمساوى.
فجوة أخرى سلطت دراسة المفكر والكاتب الإيطالى لورينزو فيدينو الضوء عليها بين المؤسسات وبعضها؛ وهي تبادل المعلومات، حيث أكدت أن وكالات الاستخبارات فى عدد من الدول الأوروبية يتم إطلاق يديها حول التنظيمات أو المجموعات التى يمكن أن تشكل تهديدًا على المجتمع .. إلا أنه فى النمسا يوجد تفويض واسع نسبيا للمخابرات يسمح لها بالنظر فى ملف جماعة الإخوان وشركاتها الفرعية المحلية، ولكن ليس بنفس مفهوم نظرائها فى جميع أنحاء أوروبا، ففى النمسا لا تشارك وكالة الاستخبارات معرفتها بالأوضاع مع الحكومات إلا إذا طلب منها ذلك، وفى المقابل لا يكلف المسئولون الحكوميون عناء الاتصال بالاستخبارات للحصول على تقييمهم، كما إن التباطؤ البيروقراطى، والعقبات القضائية، والمنافسات داخل الحكومة تسهم أيضا فى مشاكل هائلة فى تبادل المعلومات.
مخادعون
وحول ذلك يقول بهجت العبيدى الكاتب المصرى المقيم بالنمسا -مؤسس الاتحاد العالمى للمواطن المصرى فى الخارج- أن الإخوان استطاعوا أن يخدعوا العديد من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى فى القارة الأوروبية، هذا الذى أخذ فى الانكشاف بعد الضربة القوية التى وجهها الشعب المصرى وقيادته الحكيمة المتمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى، حينما واجه الحرب القذرة التى شنتها جماعة الإخوان على مصر وشعبها ومؤسساتها وقيادتها، هنا استيقظت الدول الأوروبية للخطورة التى يمكن أن تواجهها.
وأضاف بهجت العبيدى؛ أن من الدول التى كان تنشط فيها جماعات الإخوان بشكل ملفت، بل واتخذت منها مكانًا لتمركزها كانت دولة النمسا التى تعتبر مدينة جراتس عاصمة مقاطعة شتايرمارك المقر الرئيسى لجماعة الإخوان ليس بالنمسا فحسب بل فى القارة الأوروبية، لدرجة أنه كان قد تم تداول أنباء عن نقل المقر الرئيسى للجماعة من لندن إليها.
وذكر بهجت العبيدى أن هناك أسبابا جعلت جراتس بالنمسا مركزًا لنشاط جماعة الإخوان منها؛ الوجود التاريخى للإخوان بها حيث أنه يمتد لعشرات السنوات استطاعت خلالها جماعة الإخوان من تكوين كوادر لها من جنسيات متعددة تقيم فى البلاد، إضافة للقوانين النمساوية التى كانت تسمح لهم بالتمدد وإقامة النشاطات المختلفة التى تجند من خلالها الأتباع، فضلا عن تسللهم إلى العملية التعليمية، وقدرتهم المالية التي تسمح لهم بإقامة المساجد التى لها دور تعليمى يتم من خلاله جذب المسلمين الراغبين فى تعلم الدين الإسلامى واللغة العربية، كل ذلك تحت غطاء قانونى يسمح به الدستور النمساوى والقوانين النمساوية، بالإضافة لشبكة العلاقات التى نسجتها الجماعة مع العديد من الشخصيات والمؤسسات بالإضافة لدفعهم ببعض المرشحين فى الأحزاب المختلفة.
ولمواجهة خطورة الجماعات الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان اتخذت النمسا العديد من الخطوات كان من بينها سن قانون جديد الإخوانى ليحل محل القانون القديم الذى كان قد أقره الإمبراطور النمساوى فى العام ١٩١٢ والذى ساوى بين المسلمين وبين أتباع الطوائف الدينية الأخرى فى مملكة الدانوب دون أن تكون هناك مؤسسة للمسلمين تعمل كمظلة لهم.
حيث منع القانون الجديد الدعم المالى للمنظمات والمساجد والجمعيات الإسلامية من الخارج، كما منع استقدام الأئمة من خارج النمسا، حيث اشترط أن يتلقى الأئمة تعليمهم فى المؤسسات النمساوية، وكان ذلك، فى رأينا، هو بداية تجفيف منابع الإرهاب وبداية الحد من خطورة انتشار الجماعات الإرهابية بالنمسا. كما تم حظر التنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان فى حربها للقضاء على الإرهاب الذى ذاقت ويلاته النمسا، فى العام الماضى حينما تعرضت فيينا لضرب إرهابية أذهلت الشعب النمساوى المسالم.
كما تم إقرار قانون جديد يستهدف تعزيز جهود الدولة النمساوية لحظر أنشطة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان، وكانت الحكومة النمساوية قد نشرت منذ عدة أشهر «الخريطة الوطنية للإسلام» التى تحدد أسماء ومواقع أكثر من 600 مسجد ومؤسسة وجمعية إضافة إلى مسئولين وروابطهم المحتملة، والتى كانت قد تم إعدادها بالتعاون مع جامعة فيينا ومركز توثيق الإسلام السياسى.
جماعة محظورة
ومن ناحيته أكد محمود الأسيوطى نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين فى النمسا؛ أن جماعة الإخوان جماعة محظورة فى النمسا بقرار من مجلس النواب وأصبحت غير متواجدة نهائيا ككيان، وهم دائما ما يروجون لرواية تخلق بيئة خصبة للتطرف، من خلال استخدامها للضحية وتبرير العنف.
وتابع الأسيوطى؛ «قبل حظر الاخوان وداخل الدوائر الأكاديمية والسياسة الأوروبية والنمساوية، كانت الجماعة الإرهابية تتبع أسلوبًا استراتيجيًا لا يخلو من الخلاف والسياسة، وتجلس تلك الدوائر خلال أوقات النقاشات الحادة حول التطرف والهجرة الجماعية واندماج الإسلام فى المجتمعات الأوروبية، ومعرفة ما إذا كانت تشكل الجماعة تهديدًا أم لا، ولكن كانوا دائمًا بدون قرار.. هذا الارتباك الذى يحدث فى كثير من الأحيان نتج عن سياسات متضاربة،.. ولكن مع فهم طبيعة الأمور تم حظر الجماعة ومحاصرة كياناتها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة