جريمة على ورق
جريمة على ورق


جريمة على ورق

جودت عيد

الخميس، 23 سبتمبر 2021 - 08:50 م

ايام أو أسابيع، وانتهى بعدها من كتابة اخر حلقات مسلسلى العائلى «الانتقام» ، قد تقرأ وقتها عن بطل القصة فى صدر صفحات الحوادث، وتتناقل جريمته عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، البعض قد يتعاطف معه ، وآخرون لن يرحموه، وسيطالبون بإعدامه عندما يعلمون من الضحية.


حينها ستعلم اننى البطل، وان الضحية هو الشخص الذى كان سببا فى عذابى انا واسرتى، على مدار 10 أعوام، أصابنى خلالها مرض نفسى وتشنج عصبى ، فأصبح الموت قريبا منى ، فى اى وقت مضى.
 

انا الان أضع سيناريو الموت ، فكل ما يهمنى ، ان يتعذب ذلك الشخص قبل ان يموت ، ان يذوق جزءا ولو قليلا من الغم والحزن واليأس وقلة الحيلة التى أغرقنا إياها عندما لجأنا اليه او حاولنا حتى الاقتراب منه .


أعددت نفسى جيدا لهذه اللحظة ، قرأت على مدار عامين كاملين كل افلام الانتقام وسيناريوهاتها ، تفحصت فى المكتبات عن اقسى وافظع جريمة انتقام حدثت فى العالم ، وأصبحت مشاهدا مدمنا افلام الرعب التى تذاع على كل وسائل الإعلام قديما وحديثا .


نعم لقد انتهيت اخيرا من السيناريو ، سأكشف عن بعض صفحاته ، لكن رجاء لا تحاول أن تترجم ما بين السطور ، ففعل غير ذلك قد يكون مصيرى الموت منتحرا ، او مصابا بتشنجات عصبية فغيبوبة ثم وفاة .


فى ليلة ممطرة من شهر يناير عام 2010 ، دخل الاب «رجل فى بداية الخمسينيات من عمره ، يرتدى جلبابه الصعيدى» الى المنزل مسرعا ، ،كانت ترتسم على وجهه ابتسامة النصر ، نظر الى ابنائه الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم ما بين « الـ10 والـ 12 و3 سنوات»،ووالدتهم «سيدة صعيدية ربة منزل» وأخبرهم فى كبرياء ،قائلا «باركو لأبوكم ..حاتجوز الاسبوع الجاى».


لم يستوعب الابناء حديث ابيهم ، هلل الطفل الصغير بابتسامته التى لم تفارقه ، فى حين لم يبد الطفلان الآخران اية استغراب ، أما الزوجة ، اكتفت بالنظر الى زوجها ، لم تستطع ان تنطق او تسأله لماذا فعل ذلك؟ .


خرج الأب من المنزل دون ان يحلل المشهد أمام عينيه ، فقد كان قاسيا مع أبنائه ، هو» سى السيد « فى رواية بين القصرين الذى لا يستطيع أحد أن يقول له لا، ولا تستطيع الزوجة أن تقاطعه ، أو حتى تعبر عن غضبها .


بعد أسبوع جرى حفل الزفاف ، تزوج الرجل الخمسينى من سكرتيرة مكتبه ، و رغم انه يعيش فى الصعيد إلا انه يمتلك شركة عقارات لها فروع فى 4 محافظات ، ويملك عشرات الأبراج السكنية فى القاهرة والاسكندرية .


علم الجميع بالزوجة الجديدة ، استسلموا للوضع ، انتقل بعدها الأب للعيش فى محافظة القاهرة بالقرب من ابراجه السكنية العملاقة ومع زوجته الجديدة وتناسى أسرته فى الصعيد .


مر عام كامل لم يسأل خلالها الزوج على زوجته وأولاده فى الصعيد ، كان يكتفى ببضعة جنيهات يلقيها إليهم احد العمال فى شركته هناك.. ساءت حالة الطفل الصغير ، ازداد مرض ضمور المخ على جسده ، أصبح عاجزا عن الحركة ، لا يستطيع ان يتكلم او حتى يتواصل مع والدته وشقيقيه ،اعاده المرض إليهم طفلا مولودا من جديد ، يحتاج الى رعاية و أموال وأدوية بصفة مستمرة ..

ظهر العجز على الأسرة ، قرر الابن الأكبر «بطل القصة» السفر الى والده فى القاهرة ليخبره بحاجة شقيقه للعلاج فقد ساءت حالته وأوشك على الموت.


فى صباح اليوم الثانى كان الشاب منتظرا والده أمام شركته فى أحد شوارع الجيزة ، وصل الأب ، لم ينتبه الى ابنه الجالس أمام باب الشركة ، دقائق ودخل الابن إليه ، ناداه ابى ، استدار الاب فى عجلة من أمره ، فوجئ بابنه الأكبر أمامه ، بادله بسؤال غريب ، مين قالك تسافرلى مصر ، مش محمدين بيديكم الشهرية ؟


لم يتمالك الشاب نفسه ، بكى ، ثم اتكأ على ركبتيه وامسك يد ابيه وظل يقبلها ، ويتوسله ان يأتى معه لزيارة أخيه الصغير، الذى التهمه مرض الضمور العقلى واصبح لاحول له ولاقوة، عاجزا حتى عن الكلام والحركة ،بل اختفت ابتسامته التى لم تفارقه منذ ان جاء الى الدنيا .


سحب الاب يده من فم الابن ، جلس على كرسيه بكبرياء ، ثم نادى إلى الساعى فى الشركة ، وطلب منه إحضار 2000 جنيه من الاستاذ محمد فى الخزينة واعطاءها إلى هذا الشاب، بعدها استدار الى الابن وأخبره الا يأتى الى هنا مرة اخرى .


عاد الابن الى أسرته حزينا ، كان يحلم ان يأتى والده معه، ويزور شقيقه ويعطف على والدته لكنه وجد الجحود منه ، ورثته زوجته الجديدة الكراهية اتجاه ابنائه ، عزلته عن عالمهم ،واوجدت رجلا جديدا يرتدى بذلة، بعد ان كان الجلباب كل حياته .. فى صباح ليلة الخامس من شهر فبراير عام 2013 ، أخبر محاسب الشركة فى الصعيد ام الابناء ، ان زوجها طلقها، وأنه سيزيد الشهرية الى ألفى جنيه من ضمنهم علاج الطفل الصغير ..

 

لم تصرخ الأم ، لكنها كانت مستسلمة ، هى لاتستطيع ان تفكر، كانت دائما تردد حسبى الله ونعم الوكيل ، لكن الابن الأكبر «بطل القصة» كان يموت فى داخله ، فوالده تركه هو وأسرته وليس هناك رابط بينهم بعد ان طلق امه ، قرر الابن السفر الى ابيه مرة اخرى ، بمجرد ان وصل إلى الشركة، نهره الأب وهدده بحرمانه من المصروف الشهرى .


نفذ الاب وعده وحرم الابن واشقاءه من المصروف ، ظل هذا الوضع 3 سنوات كاملة ، باعت خلالها الزوجة كل ما تملك من ذهب وقيراط ارض كانت تملكه ،وساعدها شقيقها ببعض الأموال حتى تظل الأسرة على قيد الحياة .


فى صباح يوم السابع من أغسطس عام 2016 مرض الطفل الصغير المصاب بضمور المخ ، اعلن الطبيب انه يحتاج الى عملية جراحية حتى يستطيع ان يعود الى طبيعته، لكن هذه العملية ستجرى فى احد مستشفيات ألمانيا وتحتاج الى أموال كثيرة .


لم يفكر الابن الاكبر «البطل» كثيرا ، أسرع الى والده الذى استقبله من خلف باب الشركة، أخبره بما قاله الطبيب ، رد عليه الاب « اخوك مفيش امل فيه ، ليه نخسر عليه الملايين» «ربنا يتولاه « .


عاد الابن منكسرا ، عاجزا عن التفكير ، شقيقه يموت أمام عينيه ، وابوه يتخلى عنه ، ووالدته عاجزة لا تملك من حطام الدنيا سوى كلمتى «يارب» «وحسبى الله ونعم الوكيل».


بعد يومين مات الطفل الصغير وحيدا فى المستشفى ، لم يكن هناك أحد بجواره ، مات وهو يبتسم ، وكأنه أراد ان يعيش فى حياة اخرى افضل من هنا ، مات ليذهب الى من خلقه ، فهو الرحيم ، لينعم مع الملائكة فى جنات النعيم .


لم يحضر الأب العزاء تكفل فقط  بالشادر ، ثم اعتذر للجميع لسفره خارج مصر ، على غير الحقيقة التى يعلمها ابنه الأكبر فقط .. فى صباح يوم الحادى عشر من نوفمبر عام 2017، اتصل الابن بوالده ، طلب منه البحث عن عمل ، اراد الاب ان يبعد عنه زن ابنه ، أخبره بالتوجه الى شركته فى الصعيد والعمل من هناك ..بالفعل ذهب الابن الى الشركة ،شهور وتعلم خلالها التجارة فى العقارات .. بعد مرور اسبوع وفى دردشة سريعة مع محامى الشركة ، علم الابن الاكبر ان والده نقل كل أملاكه باسم زوجته الثانية وابنيها ، وأنه لم يعد هناك جنيه باسمه .


استشاط الابن غضبا ، توجه الى أبيه وأخبره بحقيقة ما اكتشفه ، تعدى عليه الأب ، و طرده من الشركة ، وهدده بتسليمه للشرطة اذا حضر إليه مرة اخرى .
مرت الايام والاسرة تعانى ، مرضت الام مرضا شديدا ، عجز الابن عن علاجها ، ماتت أمام عينيه وهو يبكى ويصرخ ويطلق كلمات الحسبنة على والده .
لم يتبق للبطل سوى شقيقه الأصغر الذى اصبح فى المرحلة الثانوية ، وبمجرد ان اجتاز البطل كلية التجارة ، عاد إليه المرض ، أصبح يعانى من تشنجات عصبية ، بدون تناول العلاج يفقد وعيه لمدة دقائق ، حتى كاد فى يوم من الايام ان يفارق الحياة لعدم قدرة شقيقه الاصغر على شراء الدواء ..


قرر البطل ، القصاص ،  ان يتخلص من كل همومه ، تملكه الشيطان واصبح يخيل له الثراء الذى يعيش فيه أبوه وزوجته الجديدة وأولاده ، شعر انه خسر كل شيء ، وأن شقيقه ووالدته ماتا بسبب رفض والده ارسال اموال لعلاجهما .


وضع سيناريو النهاية ..قرر السفر الى والده ، ذهب الى الفيلا التى يعيش فيها باحد احياء التجمع الخامس ، انتظر ساعات حتى ساد الظلام المكان ، احضر جركن بنزين ،وقرر الصعود الى حجرة نوم والده وإشعال النيران فى الحجرة ، وبالفعل نجح البطل واقتص من والده ،وبعدها قرر الانتحار .

 

لا حاجة للفزع

 

القصة مضمونها حقيقى ..

اخترت أن أقدمها فى شكل مسلسل له مشهد نهاية يقتص خلالها المظلوم من الظالم ، لان هذا ما كان يدور فى ذهن الشاب الذى التقيت به بعد ان تواصلنا على مدار 3ايام سابقة عبر الواتساب ..

سرد لى مأساته ، وكشف عن سيناريو النهاية والقصاص الذى خيل له الشيطان فعله.


لاحاجة للفزع قراء «رفعت الجلسة «، لقد تخلى الشاب عن فكرة القصاص ، وبمساعدة احد المحامين الكبار الذى رفض كتابة اسمه بدأ الشاب فى اتخاذ الاجراءات القانونية ضد والده من حيث قضايا النفقة،والميراث.


القصة جرس إنذار لكل اب يفرق بين أبنائه، لاتخلقوا قاتلا صامتا فى بيتكم، اعدلوا بين أبنائكم وزوجاتكم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة