خرجت من المسجد وأنا امسك بيد ابني جلال بعد ان صلينا الجمعة قطعنا معا طريقا طويلا في اتجاه العودة للمنزل لم يعد يفصلنا عن العمارة التي نقطن بها سوي عبور الطريق ، وفجأة وفي لمح البصر ترك يدي والتفت حتي أمسك به من جديد لكنه قرر ان يجتاز الطريق بمفرده ، وقبل ان اتخذ اي خطوة لمنعه من القيام بهذه المهمة الانتحارية التي يعتبرها هو عملا بطوليا واذا بصوت فرامل سيارة مسرعة وارتطام شديدين وما هي إلا طرفة عين وانتباهتها لأجده ملقي علي جنبه امام السيارة.. آه لهول تلك اللحظة التي يتجمد فيها الدم في العروق والتي لن يشعر بها إلا من عاش مرارتها، لكني في النهاية بدأت اتخطي هذه اللحظة عندما شاهدته يتحرك ،صحيح ان حركته ليست دليلا علي سلامته لكنه حي أسرعت إليه حملته وأنا اتحسس كل انملة في جسده.. اطمأن قلبي قليلا قبل ان تنسحب روحي فجأة عندما شاهدت دماءه تغطي جلبابي الابيض اخذته إلي احد المستشفيات اخبروني ان حالته مستقرة عبارة عن جروح بسيطة... عدت به للمنزل وضعته علي سريره وجلست بجواره أعيد عليه نفس السؤال الذي لم ألاحظ انني اكرره للمرة الخمسين بعد المائة.. انت كويس يا حبيبي طب فيه حاجه بتوجعك ؟؟ واذا بي ادرك بعد هذا العمر حقيقة ان «الضنا غالي» وانني لابد ان اعتذر لكل اب لم اشعر به من قبل..آسف لكل اب فقد ابنه ولم اشعر بمرارته..آسف لكل اب يحاول ان ينقذ ابنه المريض في احد مستشفياتنا ولم يجد من يساعده.آسف لكل اب سجن ابنه ظلما..آسف لكل اب فقد ابنه ولم يجد من يبحث له عنه.. آسف لكل اب حرم ابنه من وظيفة كان يحلم بها بسبب «الواسطة».. آسف لكل اب مات ابنه علي شواطيء اوروبا.. آسف لكل فقير لم يوفر لابنه التعليم والرعاية الصحية لأن غيره استولي علي نصيبه من خيرات بلده..آسف لكل اب لم يتمكن ابنه من تحقيق حلمه بدخول كلية الشرطة او احدي الكليات العسكرية او النيابة العامة لانه مش ابن «باشا» آسف آسف آسف