تمثال لـاكريستوفر كولومبوس
تمثال لـاكريستوفر كولومبوس


بعد كشف جرائمه ضد شعوب الأمريكتين l يوم اللعنات على كولومبوس

آخر ساعة

السبت، 23 أكتوبر 2021 - 10:30 ص

خالد حمزة

فى العاصمة المكسيكية نيو مكسيكو، فوجئ السكان بنصب تمثال طوله ستة أمتار لامرأة من السكان الأصليين للمكسيك، ليحل مكان تمثال لـاكريستوفر كولومبوس مُكتشف أمريكا، وقررت سلطات المدينة نقل تمثال كولومبوس إلى موقع أقل شأنًا.

الخطوة رغم بساطتها إلا أنها ترمز لشعور لا يجتاح المكسيك فقط، بل العديد من الدول فى الأمريكتين وأوروبا، وهو الشعور الذى يتجدد سنويًا فى أكتوبر عند الاحتفال بيوم كولمبس، الذى تحتفل به إسبانيا كيوم قومى ويطلق عليه يوم الإسبانية، ويتم فيه إحياء ذكرى وصول كريستوفر كولومبوس إلى أمريكا 1492، بينما حولته بعض البلدان اللاتينية من يوم كولومبوس، ليوم للاحتفال بالشعوب الأصلية.

مُكتشف أمريكا نفسه، كان ولايزال مثيرًا للجدل، وكان  كولومبوس 1451 ــ 1506 ملاحًا ومستكشفا من مدينة جنوة الإيطالية، تذكره أفضل رحلة فى عام 1492، التى اكتشفت فيها نصف الكرة الغربى لأوروبا، ظنا منه أنها الهند الغربية، وبينما يرى البعض أنه مكتشف أمريكا، يرى آخرون أنه الرجل الذى شرّع تجارة الرقيق، وكان مسئولا عن الإبادة الجماعية لمعاملته الوحشية للأمريكيين الأصليين، وتسببت أمراض معدية مثل الجدرى، نشرها المحتلون بين السكان الأصليين فى أمريكا اللاتينية، فى إبادة أعداد كبيرة منهم، كما استغل المحتلون تفوقهم المسلح على قبائل السكان الأصليين فى ارتكاب المذابح البشعة، رغم قلة أعدادهم مقارنة مع السكان الأصليين، ولطرد قبائل السكان الأصليين من أراضيهم والسيطرة عليها.

عامًا بعد عام تغيرت النظرة فى الأمريكتين ليوم  كولومبوس، ففى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تحتفل بذكرى يوم  كولومبوس سنويا لم تعد تفعل بحرية كما مضى، لأن دعاة التذمر من هذا العيد فى تزايد مستمر، وظهر مجهولون وهو يحطمون تمثالا فى بوسطن الأمريكية لكرستوفر  كولومبوس، بينما سحبت سان فرانسيسكو فى كاليفورنيا، تمثالًا له.

ولأول مرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، تحول يوم  كولومبوس إلى يوم الشعوب الأصلية، كلفتة تقدير لتكريم السكان الذين استوطنوا البلاد قبل وصوله، ومن قبلها وفى رد غير مباشر عيّن الرئيس الأمريكى السيدة ديب هالاند وهى من سكان أمريكا الأصليين، لتولى وزارة الداخلية.

وفى فنزويلا إحدى دول أمريكا اللاتينية، أصبح ذلك اليوم منذ 2002 فى ظل ولاية الرئيس الراحل هوجو شافيز، يوم السكان الأصليين، وتنظم مسيرة فى العاصمة كاراكاس احتفالًا بهذه المناسبة، وفى الاحتفال بالذكرى، اعتبر الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، أن إسبانيا تسيء لذاكرة أمريكا، عندما تحتفل بيومها الوطنى فى يوم وصول كريستوفر  كولومبوس، الذى يمثل أسوأ صنوف الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، وهو اليوم الذى شهد بداية الاستعمار لشعوب الأمريكتين، وأكبر إبادة جماعية لهم فى التاريخ، وقال إنه سينشر رسالة إلى ملك إسبانيا يعبر فيها باحترام كبير، عما يدور فى أذهان تلك الشعوب واستيائهم، مادورو قال إنه ينضم للأصوات فى أمريكا، التى تطالب إسبانيا بتصحيح موقفها، وأن تفكر وتطلب الصفح من شعوب أمريكا كلها عن الإبادة الجماعية التى استمرت 300 عام. 

وفى المكسيك، طالب رئيسها أندريس مانويل لوبيز وبابا الفاتيكان والتاج والحكومة الإسبانيين، بالاعتذار للشعوب الأصلية عن الفظائع التى ارتكبت خلال الغزو الإسبانى فى عام 1521، وأن تحقيق هذا الطلب فرصة لمصالحة تاريخية، وكان الفاتيكان قد قال فى مارس 2019 إن العديد من البابوات، اعتذروا بالفعل عن الانتهاكات المرتكبة ضد الشعوب الأصلية باسم التبشير.

وقبلها، وخلال رحلة له إلى أمريكا الجنوبية فى 2015، طلب البابا فرنسيس وهو أرجنتينى الجنسية الصفح، ليس فقط عن جرائم الكنيسة نفسها، بل وعن الجرائم المرتكبة ضد الشعوب الأصلية خلال ما يعرف باسم غزو أمريكا، والأمر نفسه، قام به البابا يوحنا بولس الثانى فى 1992، فى ذكرى مرور 500 عام على وصول كريستوفر  كولومبوس إلى أمريكا، لكن الحكومة الإسبانية ردت بأن وصول الإسبان قبل 500 عام إلى الأراضى المكسيكية، لا يمكن الحكم عليه من خلال اعتبارات حالية.

أما اليمين الإسبانى المتطرف الذى شعر باستياء شديد، فقد اعتبر طلب الرئيس المكسيكى إهانة لإسبانيا وتاريخها، ويشن اليمين فى إسبانيا حملة ضد الدعوات الموجهة لها، للاعتذار عن ماضيها الاستعمارى المظلم، كما عبرواعن استيائهم من موقف الرئيس الأمريكى جو بايدن، بعد اعترافه بالفظائع التى ارتُكبت بحق السكان الأصليين، ووصف قائد الحزب الشعبى المحافظ فى إسبانيا بابلو كاسادو توسع الاستعمار الاسبانى فى الأمريكيتين، بأنه أهم حدث فى التاريخ بعد الإمبراطورية الرومانية، وتساءل بقوله: اهل ينبغى على المملكة الإسبانية أن تعتذر، لأنها قبل 5 قرون اكتشفت العالم الجديد، وتواصلت مع من كانوا هناك، وأسست الجامعات وحققت الرخاء، وبنت مدناً كاملة؟ب.

وانتقد قائد حزب فوكس اليمينى المتشدد فى إسبانيا سانتياجو أباسكال بايدن، واعتبره رئيساً سيئا للولايات المتحدة الأمريكية، وأنه هاجم أهم روائع الفتوحات الإسبانية وهى التبشير بالإنجيل، وأن على الإسبان أن يشعروا بالفخر لما فعله أسلافهم، لأن المستعمرات الإسبانية كانت مملكة لحقوق الإنسان، وحزب فوكس هو ثالث أكبر حزب فى البرلمان، ويحرص دائما فى خطابه على التذكير بالعظمة التاريخية الإسبانية، كما يحتفى بانتصار الكاثوليك على المسلمين فى القرون الوسطى.

ويبدو أن محاولات إقليم كتالونيا الانفصال عن إسبانيا خلال السنوات الماضية، قد أشعلت الشعور القومى فى البلاد، وشجع البعض على النظر إلى تاريخ البلاد من دون أى شعور بالذنب، أو الاعتذار لشعوب المستعمرات الإسبانية السابقة، بينما، وفى افتتاحيتها المنشورة صباح يوم إسبانيا الوطنى، اعترفت صحيفة البابيس القومية الإسبانية، بالحاجة لإعادة تقييم الماضى الاستعمارى، وبأن الكثير من شعوب الدول الاستعمارية السابقة، يشعرون بعدم الارتياح مع التعامل المعتاد مع الماضى الذى كان يتصف بالمذابح وانتهاكات حقوق الانسان أكثر من السلام والنوايا الطيبة، إن إسبانيا ليست استثناء عن ذلك.

ورغم حرص إسبانيا على وجود علاقات جيدة مع مستعمراتها السابقة، إلا أن الكثيرين فى أمريكا اللاتينية، مازالوا يؤكدون على أنها لم تعترف بالمذابح وانتهاكات حقوق الإنسان، التى ارتكبها المستوطنون والجنود الذين احتلوا البلاد فى القرن الخامس عشر الميلادى.

ويركز المعارضون على تلك المذابح ويعتبرونها نوعا من القهر المستمر، الذى تواصل حتى اليوم فى صورة النظرة العنصرية التى يعانى منها السكان الأصليون فى أمريكا اللاتينية، لكن المشكلة فى هذا العيد فى أنه لم يعد رمزا لوحدة الإسبان كما كان فى السابق، منذ إقراره 1892، بل أصبح مفرِّقا لهم مثله مثل العيد السنوى لذكرى تسليم مفاتيح مملكة غرناطة الإسلامية فى 2 يناير 1492، وانتهاء حكم المسلمين فى إسبانيا، ويعود السبب فى ذلك للانقسام بين من يرى فيما يسمى اكتشاف  كولومبوس للعالم الجديد، الذى كان جديدا على جاهلى وجوده، وليس على سكانه وشعوب أخرى وصلت إليه قبل 1492، وبين من يعتبره جريمة إنسانية تاريخية قامت على سرقة ونهب البلدان وإبادة أهلها.

وإذا كان القوميون الإسبان فى اليمين واليمين المتطرف، يدافعون عن هذه الذكرى، لأنها فى نظرهم مجد تاريخى لإسبانيا، فهناك من بين الإسبان بين الأوساط اليسارية والطائفة المسلمة، من يدعو إلى إعادة النظر فى الاحتفال بهذه الذكرى السنوية لجوانبها المظلمة وغير المحترمة لمشاعر ضحايا اكتشافات  كولومبوس، ويعتمدون فى ذلك على التاريخ الموثق الذى يؤكد إبادة عشرات الملايين، ممن أسماهم  كولومبوس الهنود الحمر، لاعتقاده أن الأرض التى اكتشفها كانت الهند وليست أمريكا، وتدميره ومن جاؤوا لأمم وحضارات وثقافات ونهب مواردها، وكل ذلك مازال ماثلا إلى اليوم فى أمريكا اللاتينية وحتى فى إسبانيا ذاتها، والتيار المناهض للاحتفال بالذكرى كعيد وطنى فى إسبانيا، يتزايد عدد أنصاره عاما بعد عام، وهو ما أدى لإفساد الطابع الرمزى للعيد الذى لم يعد رمزا للوحدة الإسبانية كما كان، وزاد المشكلة تعقيدا تزايد الأصوات التى تطالب إسبانيا، بالاعتذار لأحفاد مسلمى الأندلس وشعوب الأمريكتين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة